الصومال وإثيوبيا وصوت الأرض!
لنتجاوز الصدمة ونفكر قليلا، لماذا علينا رفض اتفاقية (2024م/1/1) والتي تتضمن الترخيص والسماح للجارة الأثيوبية، حيازة عشرين كليو متر من الأرضي الصومالية والمطلة على البحر الأحمر، ولمدة زمنية معينة، إذا كان العائد المادي والسياسي مُجدي للطرف الصومالي؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل، دعونا نوضح بعض النقاط التي سوف تؤثر نظرتنا للقضية.
أولاً: الاتفاقيات أراضي التي تتم بين الدول تُسمى “تمليك” بمعنى نقل ملكية الأرض، نقل كاملاً من دولة الأم إلى الدولة الأخرى، ويُقصد من “النقل الكامل”: هو أن الدولة المستأجرة لها كامل الحق في اعتبار هذه الأرضي أراضي تابعة لها قانوناً ودستوراً، حتى وإن كان هذا الامتلاك لفترة زمنية في غالب (99) سنة، وفي المقابل دولة الأم لهذه الأراضي ليس لها أي سلطة على الأرضي المستأجرة، ولخطورة هذه العلمية فإنها لا تتم إلا بين الدول المُتسالمة.
إذا رفضنا لهذه الاتفاقية قائم على أن اثيوبيا ليست من الدول المسالمة مع الصومال، ولا يعنى بأن هناك حرب قائمة بين الدولتين، وإنما يعني أن اثيوبيا ليست من الدول التي تُسالم مُقدسات الصومال الثلاث، وهي:
التاريخ:
يمتلك المجتمع الصومالية سرد تاريخي يفسر فيه أحداث الماضي التي مرت به، أو التي كان جزء من صناعته، وهو يعتمد في ذلك على الذاكرة المكانية، والذاكرة البشرية، والإرث المتبقي، في سرداً يتلاءم مع الوعي المجتمع بتحديات الحاضر، وتطلعات المستقبل. وهذا السرد التاريخي الذي يحظى بإجماع المجتمع الصومالي والذي لا يقبل إلى المساس، حاولت الجارة اثيوبيا عبر قنوات التأثير ناعمة إعادة تشكيل وعي الذاكرة الصومالية بذواتها وبالآخر، وذلك من خلال فرض نظرة الفوقية لا تعترف بقدسية التاريخ الصومالي وفق وجهة نظر الانسان الصومالي.
الأرض:
حقيقية أن تكون الصومال أرضً موحدةً، مستقلة، هي حقيقة لم تتقبلها أثيوبيا بعد وليس لها الاستعداد حتى أن تتقبل، فما زال إلى اليوم إقليم كامل من الأراضي الصومالية تحت سيادتها، وترفض مجرد الحديث عن إمكانية أن تعود هذه الأرضي مرة اخرى إلى الصومال.
الوجود الإنساني:
الوجود الإنساني في الصومال كان دائماً مُهدد من قبل الجارة الاثيوبية، وهذا التهديد كان على مستوين وهما: المستوى المادي الملموس والمتمثل في الهجرات أو الزحف البشري نحو الأراضي الصومالية، والعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية داخل المجتمع الصومالي، وأيضا على المستوى المعنوي المتمثل بوجود اثيوبيا المستمر داخل البيت الصومال السياسي.
أضف إلى كل ذلك، اثيوبيا لا تنطلق من بعد اقتصادي فقط، وإنما من عمق فكري وفلسفي، ومن نظرة متجذرة في العقل الاجتماعي الجمعي الأثيوبي، ويظهر ذلك جلياً في الخطاب ابتداء من الخطاب النخب الاثيوبية إلى أحاديث العامة التي ترى في امتلاك أراضي وصومالية ” ضرورة وجودية وتحصيل حاصل،”، فهكذا اتفاقية هي جناية قانونية وتاريخية واخلاقية واجتماعية طويلة المدى بحق الجيل الحالي والأجيال القادمة، فالتفكير مجرد التفكير بإتمام هذه الاتفاقية او اتفاقيات مشابهة هي قولاً واحدة “خيانة وطنية“.