كتابات راي

السودان وما بعد “اتفاق جدة”

رحبت، يوم الجمعة، دولة الإمارات العربية المتحدة كما غيرها من دول العالم المحبة للسلام والداعمة للمفاوضات باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل الأزمات، بتوقيع ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جدة، على إعلان الالتزام بحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي باعتبار أن الشأن الإنساني هو الخطوة الأولى في طريق تهيئة الأجواء لمفاوضات سياسية من أجل إنهاء الأزمة التي مر شهر منذ اندلاعها في أبريل الماضي.
إلا أنه، وبقدر التفاؤل بتسوية الصراع الدائر في السودان على إثر التفاهم الذي تحقق برعاية أمريكية- سعودية، فإن مضمون هذا التفاهم ونطاقه يثير تساؤلات حول فرص ومتطلبات إنهاء الصراع ككل ووقف القتال. فضلاً عن تحسن الوضع الميداني الفعلي في الخرطوم والمناطق التي تشهد قتالاً عنيفاً بين الجانبين.
وأسباب هذه التساؤلات أن الإعلان يركز فقط على حماية المدنيين في وقت يحتاج الصراع إلى وقفة صادقة من طرفي الصراع ووضع مصلحة السودان وشعبه فوق أي اعتبار أو حسابات آنية.
بقراءة بنود التفاهم الذي توصل إليه الجانبان يوم الخميس الماضي، يتضح أنه ليس اتفاقاً وإنما هو أقرب إلى “إعلان مبادئ” لا يتناول كل جوانب الأزمة. وإنما يتعلق فقط بنطاق ضيق وجزئي من الأزمة، هو توفير قدر من الحماية للمدنيين وتحييدهم من الخطط العملياتية للجانبين المتقاتلين.
ولعل هذا هو سبب بقاء الوفدين الممثلين للجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” في السعودية الذين بدأوا أمس الأحد جولة من المفاوضات.

وكانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت أن المفاوضات ستستمر للتباحث حول خطوات أخرى أكثر اقتراباً من إنهاء المواجهات المسلحة. وفي هذا الخصوص هناك عدة مراحل قد تستغرقها تلك المفاوضات بالتدريج. تبدأ بتفاهمات جزئية أخرى مثل السماح بعبور المساعدات الإنسانية عبر ممرات آمنة في مناطق سيطرة الطرفين.
ثم إبرام هدنة موسعة وشاملة بمدى زمني مناسب. وكذلك التوصل إلى ترتيبات مؤقتة وإجراءات متبادلة تسهم في بناء الثقة. انتهاء باتفاق شامل ونهائي لإنهاء الصراع المسلح والانتقال بالسودان إلى عملية سياسية تضم مختلف القوى والأطراف السودانية العسكرية والمدنية.
قياساً على “الإعلان” الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات استغرقت ثلاثة أيام، فإن تلك المراحل المشار إليها ستستغرق بالتأكيد فترة زمنية طويلة. هذا طبعاً إذا التزم الطرفان بتطبيق الإعلان ونجحت المفاوضات اللاحقة في الوصول إلى تفاهمات بشأن كل من المراحل التالية الأكثر أهمية وصعوبة.
واقعياً، يصعب افتراض أن يؤدي المسار الراهن إلى نتائج إيجابية سريعة. ففضلاً عن المدى الزمني الطويل الذي ستستغرقه المفاوضات من مرحلة إلى أخرى، تبدو الفجوة واسعة بين الطرفين حول المراحل الأولية. ما يعني أن التفاهم حول الخطوات التالية سيكون أكثر تعقيداً وصعوبة.

وفي مسألة التحضير للجولات القادمة من التفاوض، قدمت قوات الدعم السريع قائمة قضايا مقترحة للتفاوض، أثارت حفيظة وفد الجيش السوداني. حيث اشتملت القائمة على حزمة ملفات متداخلة ومتنوعة، منها حظر استخدام الطائرات العادية والمسيّرة مع مراقبة دولية. وحظر استخدام مؤسسات وموارد الدولة في الصراع لحين الوصول إلى اتفاق شامل. والتعامل مع قضية هيكلة وإصلاح القطاع العسكري والأمني وإبعاد الجيش عن السياسة وتفكيك عناصر النظام السابق.
هذا إضافة إلى تولي المدنيين قيادة الفترة الانتقالية وإشراكهم خصوصاً القوى الثورية مثل “الحرية والتغيير” كطرف أساسي في جميع المفاوضات السياسية النهائية. كما اقترحت قوات الدعم السريع توقيع اتفاق لإعلان وقف دائم لإطلاق النار قابل للتمديد حتى إبرام اتفاق سياسي شامل حول مستقبل السودان.
وبغض النظر عن حدود التوافق أو التعديل في تلك الأجندة التفاوضية، المؤكد أن الموقف مفتوح على كل الاحتمالات. لكن النتيجة المباشرة حتى الآن، سواءً للعمليات العسكرية الجارية أو للمسار التفاوضي الذي بدأ لتوه، هي أن “قوات الدعم السريع” انتقلت من وضعية القوة المعاونة التي ألحقت جزئياً بالجيش السوداني النظامي، لتصير طرفاً مباشراً وأساسياً في مجريات المشهد الراهن، ورقماً صعباً في معادلات مستقبل السودان داخلياً وخارجياً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق