كتابات راي

الشيخ خليفة وميراث بناء الدولة


توفي هذا الشهر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي تولى حكم إمارة أبوظبي ورئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة من نوفمبر 2004 حتى وفاته في مايو. ويتيح هذا فرصة للتفكير.
يجب أن نفكّر في الإنجازات العديدة التي حققها الشيخ خليفة، وأبرز ما شهدته السنوات الثماني عشرة التي كان فيها رئيسا. وتعدّ هذه اللحظة مناسبة لتقييم نظام الحكم الفريد الذي ترأّسه.
يميل المنتقدون في العالم الأوسع إلى تشويه سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها دولة أوتوقراطية، ولكن هذا لا يأخذ في الاعتبار الأهمية التاريخية والثقافية التي تحملها التقاليد القبلية القديمة لحكم المنطقة؛ فمنذ أن تأسست عام 1971 على يد والد الشيخ خليفة وسلفه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانت الدولة اتحادا دستوريا من سبع إمارات، أكبرها أبوظبي.
وكانت أعلى سلطة فيها هي المجلس الأعلى للاتحاد الذي يتألف من حكام الإمارات السبع ويرسم السياسات العامة ويوافق على مختلف التشريعات الاتحادية.
ومنذ البداية كرست دولة الإمارات العربية المتحدة في دستورها دور مجلس الشورى التقليدي الذي تجسّد في المجلس الوطني الاتحادي، وهو هيئة استشارية تضم 40 عضوا انعقد لأول مرة في الثالث عشر من فبراير 1972.
وعيّن حكام الإمارات السبع جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في البداية، ولكن في 2006 قرر الشيخ خليفة والمجلس الأعلى تنظيم انتخابات يتولى خلالها المواطنون اختيار نصف الأعضاء. وأجريت أربعة انتخابات منذ ذلك الحين، كان آخرها في أكتوبر 2019 قبل تفشي وباء كوفيد – 19.
ليست هذه ديمقراطية. لكن الإمارات العربية المتحدة لا تقدم أي اعتذار عن نظام الحكم فيها، ولا ينبغي لها ذلك. ومن الواضح أنه لا توجد ديمقراطية في أي مكان يمكن أن تأمل محاكاة رؤية الإمارات ونموها وتحولها منذ تأسيسها قبل 50 سنة.
وكان الشيخ خليفة يبلغ من العمر 23 عاما عندما أصبح والده أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكّلت حديثا. وتعلّم فن الحكم من والده. وعندما تولى الرئاسة سنة 2004 كان عمره 57 عاما.
وبرزت إنجازات دولة الإمارات بقيادة الشيخ خليفة في مكان آخر. لكن واحدا منها يوضح بعد نظره وقدرة نظام الحكم الفريد في الإمارات على الاستجابة السريعة للأحداث بطريقة تتمناها الحكومات الأخرى.
ولم يكن النمو السريع لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة وسكانها يخلو من التحديات. وكان أحد الاختبارات الرئيسية لمخططي الدولة هو مواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه. وكان كلاهما في دولة الإمارات القاحلة مكلف، كما يتسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري في تغير المناخ.
ثم جاء الحل؛ في 2008 ستنطلق أبوظبي في بناء مولدات للطاقة النووية، وقد فعلت ذلك.
وبدأ بناء محطة براكة للطاقة النووية في 2012 للتغلب على المخاوف الدولية، وانطلق تشغيل المفاعلين الأولين في 2021 و2022، وسيتبعهما مفاعلان آخران في 2023. وستولد المحطة عند اكتمالها 25 في المئة من احتياجات الكهرباء في البلاد.
قارنْ هذا مع الوضع في المملكة المتحدة، حيث تأمل الحكومة أيضا في توليد 25 في المئة من كهرباء البلاد من الطاقة النووية.
وتأتي 15 في المئة من كهرباء المملكة المتحدة في الوقت الحالي من الطاقة النووية، ولكن سيتم إيقاف تشغيل معظم المفاعلات الحالية بحلول نهاية العقد. لذلك تخطط الحكومة لبناء عدة مصانع جديدة بحلول 2050. لكن هذه الخطط تواجه معارضة في كل مرحلة.
ويلوح احتمال أن يُثار مستقبلا جدل سياسي باهظ التكلفة ومستنزف للوقت والتحديات القانونية، وهو أمر من شأنه أن يقوّض الاقتصاد البريطاني وجهود المملكة المتحدة للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتغير المناخ.
وإلى حد ما تبدو الديمقراطية -إذا اعتُبرت فرصة لأخذ إرادة الناخبين في الاعتبار- مجرد وهم، لاسيما في نظام المملكة المتحدة الانتخابي.
والأسوأ من ذلك أن أنظمة الحكم الديمقراطية مصممة لتعمل بقصر نظر وبميل السياسيين فيها إلى فعل ما يعتقدون أنه سيحقق إعادة انتخابهم، وهذا ليس الأفضل للبلاد.
وعندما يتبع دونالد ترامب باراك أوباما، ويتبع جو بايدن ترامب، يقضي الرئيس معظم وقته في إلغاء إنجازات الإدارة السابقة.
وفي المقابل، تُتّخذ القرارات التنفيذية وتصدر الأوامر وتنفّذ لصالح الدولة بأكملها وشعبها في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة، بينما يتكيف الهيكل السياسي مع الضغوط والتحديات التي يواجهها كل اقتصاد.
وتفسّر مرونة هذا النظام التفاعلي التحول السريع والمذهل لدولة الإمارات العربية المتحدة على مدار الخمسين سنة الماضية؛ حيث حققت الكثير في عهد الشيخ زايد، واستمرت مكاسبها بشكل جيد في عهد الشيخ خليفة، ولا شك في أن كل هذا سيستمر في عهد الشيخ محمد بن زايد.
لقد صُنّفت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل من بين أفضل الدول في العالم للعيش والعمل، وذلك في إطار برنامج الذكرى المئوية الذي قُدّم سنة 2017، والذي يركز على “التعليم والاقتصاد والتنمية الحكومية والتماسك المجتمعي”. وتعتزم البلاد أن تتصدر تلك التصنيفات بحلول الذكرى المئوية لتأسيسها في 2071.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق