هل الديمقراطية في الدول التي تعاني من صراع؟
هنالك ثلاثة احتمالات في البلدان التي تخضع لحالات صراع (مثل سوريا والعراق واليمن). الاحتمال الأول أن يكسب الثوّار الحرب عسكريا. وفي هذه الحالة فإنّ احتمال الانتقال إلى الديمقراطية ليس كبيرا لسوء الحظ، بما أن الطرف المنتصر سينوع إلى استبدال نظام أوتوقراطي بنظام من نفس الطراز، ولكن بأشخاص مختلفين هذه المرّة. الاحتمال الثاني هو تقسيم البلاد بين أمراء الحرب، مع سقوط كامل للدولة (الصومال) أو مع وجود دولة ضعيفة لا تسيطر على كافة أرجاء البلاد (أفغانستان وسوريا). وفي هذه الحالة فإن الصراع ليس مرشحا للانتهاء، بل هو سيستمرّ على الأرجح أو سيضعف تدريجيا كما هو الحال في أفغانستان. والاحتمال الثالث أن يقوم طرف دولي، كالأمم المتحدة، أو كدولة واحدة أو تحالف دولي بالتدخل في البلد المعني، من أجل إقامة سلطة مؤقتة في البلد المعني.
ومهما كان الشكل الذي سينتهي الصراع به، فإن أمرا رئيسيا ينبغي التأكيد عليه وهو أنه من دون نظام لا يمكن تحقيق الديمقراطية. فالأخيرة لا يمكن أن تصبح واقعا في ظل العنف أو التهديد باستخدام العنف. ومن هنا فإن الترويج لبناء الديمقراطية في البلدان التي تعاني من صراع داخلي لا بدّ أن يبدأ من إعادة النظام أولا. ويمكننا تحديد عدد من التحدّيات التي تواجه عملية بناء الديمقراطية في البلدان الهشّة، ومنها:
1) إعادة بناء قدرات الدولة المهشّمة، بما فيها أدوات الدولة لإعادة الأمن والنظام (الجيش والشرطة)؛
2) السيطرة على مصادر العنف البديلة للدولة التي تقع في أيدي عناصر غير الدولة (ميليشيات، أمراء حرب وعناصر مسلّحة، إلخ)؛
3) تخفيف أو إلغاء الحوافز التي تشجّع على العنف، من خلال إقامة مؤسسات سياسية، تعطي نصيبا لكافّة الأطراف والفرق ودورا لتلعبه في العملية السياسية؛
4) تطوير المؤسسات السياسية والاجتماعية للديمقراطية في الدولة والمجتمع المدني؛
5) إدارة البلد في فترة ما بعد انتهاء الصراع؛
6) وضع وتطبيق خريطة طريق للانتقال إلى نظام سياسي مستقل وديمقراطي.
ومن الطبيعي أن يكون ثمّة تناقض في البداية بين ضرورة وجود نظام قوي والتوق إلى الحرية. فالدولة الخارجة للتوّ من الصراع تحتاج بلا شك إلى مؤسسات قوية لحفظ النظام وفرض الاستقرار، ولكن بناء هذه المؤسسات ينبغي أن يتمّ بحذر شديد، وبناء على أليات ومعايير أولية المدني على العسكري، بحيث تنتفي إمكانية بناء طاغية عسكرية جديد معاد للديمقراطية. ولسوف تحتاج الديمقراطيات الناشئة إثر فترة طويلة من الصراع إلى وقت طويل لتقبّل العسكريين لفكرة الخضوع للقيادات المدنية المنتخبة من قبل المواطنين والمعبّرة عنه وحقوق الإنسان وحكم القانون. ولكن الدول الناشئة والتي تريد تحقيق الديمقراطية تفتقر إلى هذه الوقت اللازم. أضف إلى ذلك أنه من المحتمل أن تتعرّض الأجهزة الأمنية الحديثة إلى خطر هجمات إرهابية منظمّة أو أن تواجه أمراء الحرب وبعض العناصر التي تريد تخريب عملية الانتقال إلى الديمقراطية.
ولربما احتاجت البلاد الخارجة لتوها من الصراع إلى فترة انتقالية تديرها حكومة غير منتخبة. وقد تساعد الأمم المتحدة في إدارة البلاد لفترة تطول أو تقصر. ولكن بناء نظام ديمقراطي يقوم على حرية الاقتراع وفي نفس الوقت احترام حقوق الأفراد والجماعات يحتاج إلى وقت طويل، ويقدره بعض الباحثين بما بين 5 – 10 سنوات.
ويمكن القول إن كل بلد يمكن أن يتحول إلى ديمقراطية، ولكن ليس في أي وقت وبأي طريقة، ففي بعض الدول الفقيرة جدا أو المقسمة على نفسها عرقيا وطائفيا ودينيا، سيكون صعبا تحقيق الديمقراطية من دون تدخل دولي. وهنا يكمن سؤال آخر: هل سيتدخل المجتمع الدولي المنقسم أساس من أجل بناء ديمقراطية في بلد لا مصلحة له فيه؟