التعليم الجامعي في الصومال ودوامة الاستنساخ!
احدى أبرز مشكلات التعليم الجامعي في الصومال هي وقوع التعليم في مصيدة التكرار أو بتعبير آخر إعادة تدوير التعليم بنسخة واحدة غير مُجددة وغير مراعية لتغيرات الزمان وإحداثيات المكان و تناقل تلك النسخة من التعليم المكررة لفترة طويلة جدا و لأجيال متعاقبة دون تحديث ومواكبة لظروف الزمان والمكان، وهذ التكرار الجامد جعل من التعليم العالي الصومالي يشابه في خطواته التعليم الأساسي الذي يعتمد بشكل كبير على ثنائية النسخ واللصق أو التلقين و التذكر، وحتى عندما أردنا الخروج من ديباجة التعليم الأساسي وقعنا في فخ استنساخ تجارب جامعية أخرى بشكل كامل و بمعزل عن السياقات والملابسات والظروف التي نشأت فيها تلك الجامعات.
نحن بذلك أعدنا تكرار تجارب الآخرين في تعليمنا الجامعي واستيراد المناهج في محاولة منا لقطف نفس ثمار النجاح التي حققها الآخرون، فكان تكرارنا على بُعدين:
أولهما البعد العامودي الذي يبدأ من الهرم الأعلى للعملية التعليمية انطلاقا من الاستنساخ الشكلي للفلسفة التعليمية التي على ضوئها تتحرك المؤسسات الجامعية، أو قولبة النظم الإدارية والقيادية الأجنبية لتتناسب مع الحالة الصومالية، أو في الهياكل المادية للجامعة، أو حتى تكرارا يطال المناهج والتخصصات المعتمدة، أو أحيانا في الرؤى والأهداف التربوية،
ثانيهما البعد الأفقي الذي يتمدد بشكل واضح في طرق التقييم والتقويم، وفي الأساليب التعليمية، و في الأنشطة الصفية واللاصفية، وحتى في النتائج المرجوة، فكان استنساخنا للتجارب الأخرى في التعليم الجامعي وإن كان في البداية تحت وطأة الافتتان والانبهار بما حققه الأخرون، ورغبة مُلحة من الأكاديميين الصوماليين في الحصول على تعليم جامعي بمستوى متطور يُلبي احتياجات المجتمع إلا أنه لم يتجاوز من أن يكون تكراراً مبعثراً وبصورة مقاطع متفرقة ينقصها التناسق والتجانس مع البيئة والكوادر البشرية المؤهلة لتنفيذ الخطة المستنسخة.
في المحصلة النهائية التعليم الجامعي “مظهري” متقمص لتجربة أخرى في مكان آخر وفي ظروف تختلف عن ظروف الطالب الجامعي الصومالي و المؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها ، وبالتالي فأن نتائج التعليم الجامعي لدينا هي نتائج لا ترتقي في مُجمله لطموحاتنا ولا تلبي حاجاتنا ومتطلبات المجتمع الصومالي، فدوامة التكرار والاستنساخ التي يغرق فيها التعليم الجامعي جعلته بعيدا عن الواقع الفعلي للمجتمع ، في حين كان بمقدور التعليم الجامعي الصومالي أن يكون هو الموجهة الحقيقي لبوصلة وحركة وتطور المجتمع لو قام بأدواره التي من المفترض أن يقوم بها من جعل ساحاته ومراكزه وقاعاته العلمية والبحثية منارة وقبلة لكل سائل و حائر ، و أن يؤمن بأن توجهات التي يطرحها للمستقبل هي في الحقيقة توجهات ومآلات المجتمع برمته، فالوعي الأكاديمي المتحرر من قيود اللاممكن والمستحيل هو في الواقع المفتاح الممكن لكل مشكلات المجتمع الصومالي بما يلبي متطلبات حاجات المجتمع ومراعاة التخصصات النادرة ويتيح استيعاب المتخرجين لسوق العمل بشكل متوازن.
وأخيرا ينبغي على المسؤولين في قطاع التعليم وصناع القرار معالجة موضوع التعليم الجامعي وإصلاح العملية التعليمية وإطلاق العنان للبحث العلمي والإبداع في شتى المجالات والفنون والخروج من عباءة حفظ المتون إلى فقه ما في المتون وتطوير المناهج بما يتواءم مع قيم وتراث وتاريخ وظروف مجتمعنا ولا بأس من الاستفادة من تجارب الآخرين دون التماهي معها أو الذوبان فيها وإنما ناخذ منها المشتركات ونطوعها لبيئتنا وليس لبيئتهم انطلاقا من الترحيب دوما بالتفكير المبدع و المتفرد والإبحار الأكاديمي خارج صندوق المألوف.