كتابات راي

منطقة التجارة الحرة الإفريقية حل للصراعات في القرن الإفريقى

إن إفريقيا حققت حدثا تاريخيا حينما أطلقت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بالكامل فى 1 يناير 2021. وعلى الرغم من أن الخبراء يرون أن الإطلاق فى أول يوم من السنة الجديدة رمزى إلى حد كبير إذ من المتوقع أن يستغرق التنفيذ الكامل للاتفاق سنوات، إلا أن هناك تركيزا كبيرا على كيفية تأثير مبادرة التجارة القارية على الصراع فى منطقة القرن الأفريقى وعلى حركة الأفراد والتجارة عبر القارة.

على مدى عامين حتى الآن، تورطت دول فى القرن الأفريقى فى صراعات داخلية ونزاعات حدودية وخلافات دبلوماسية، مما خلق الكثير من عدم الثقة بين هذه الدول، والتى فشلت معالجتها على الرغم من العديد من التفاعلات والاعتماد المتبادل بين بعضهم البعض.

هناك مثلا النزاع الحدودى بين السودان وإثيوبيا والذى لايزال جاريا حتى الآن. وفى الآونة الأخيرة، ورد أن القوات الإثيوبية نصبت كمينا وقتلت العديد من القوات السودانية على طول الحدود (يشترك السودان وإثيوبيا فى حدود طولها 1600 كيلومتر).

أيضا الخلافات الحدودية مثل الخلاف بين جنوب السودان والسودان حول مستقبل منطقة أبيى وبين إريتريا وإثيوبيا حول السيطرة على مدن مثل بادمى، لاتزال مستمرة.

 كما أن كينيا والصومال تخوضان نزاعا حول حدودهما البحرية فى المحيط الهندى.

من المؤسف أن المنطقة تظهر باستمرار عدم قدرة على التوسط وحل النزاعات. فعمليات الوساطة افتقرت دائما إلى المشاورات الجادة والآليات المؤسسية التى يمكنها بناء الثقة بين الدول لإنهاء العداوات التاريخية.

كما أن المنطقة فشلت فى تحويل الحدود التى رسمتها القوات الاستعمارية إلى محركات للتكامل تكون لها انعكاسات إيجابية على العوامل الاجتماعية والاقتصادية، والبنية التحتية، وحركة الأفراد، والروابط التجارية.

كان يمكن أيضا استخدام القرب الجغرافى والاهتمامات والرؤية المشتركة لوضع أساس للتكامل الاقتصادى.

ويفترض أن يؤدى ذلك إلى اتحاد سياسى تحت رعاية الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد)ــ التى تضم جيبوتى (مقرها)، وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال والسودان، وكذلك إريتريا التى علقت مشاركتها منذ عام 2007.

لكن بحسب تشكيلته الحالية، تفتقر إيجاد إلى القوة اللازمة للاستجابة بفعالية للصراع فى المنطقة، ولعل أبرز الصراعات الإفريقية الحالية ما يحدث فى إثيوبيا.

حيث أرسل رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019، الجيش الفيدرالى إلى تيجراى فى 4 نوفمبر الماضى لمواجهة جبهة تحرير شعب تيجراى بسبب تحدى زعمائها الحكومة الفيدرالية.

رفض آبى وساطة إقليمية من قبل قادة الإيجاد قائلا أن الصراع شأن داخلى لا ينبغى «تدويله».

 وكان قد أعلن أن القتال سينتهى فى 28 نوفمبر الماضى مع الاستيلاء على العاصمة الإقليمية لتيجراى، ميكيلى.

فى الوقت نفسه، وبعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين كينيا والصومال، قطعت الأخيرة العلاقات الدبلوماسية مع كينيا فى 15 ديسمبر، متهمة إياها «بانتهاك سيادتها».

***

عندما تم انتخاب آبى أحمد فى المنصب، وفى محاولة لجعل إثيوبيا القوة الاقتصادية للقرن الأفريقى، انخرط فى دبلوماسية مكوكية فى المنطقة فشلت فى تحقيق النتائج المرجوة لأن هذا لم يكن مرتكزا على أساس مؤسسى قوى.

يمكن تتبع مسار هذه الدبلوماسية كالآتى، وقع اتفاقية سلام مع إريتريا فى عام 2018.

وعقد أيضا العديد من مؤتمرات القمة الثنائية والثلاثية فى كل من أديس أبابا وعواصم القرن الأفريقى الأخرى للمساعدة فى حل بعض المشكلات العميقة الجذور فى المنطقة وبدء عملية التكامل السياسى.

فى سبتمبر 2018، تم توقيع اتفاقية تعاون ثلاثية بين آبى والرئيس الإريترى أسياس أفورقى والرئيس الصومالى محمد عبدالله فرماجو بعد اجتماع الثلاثة فى إثيوبيا.

فى 20 فبراير 2019، التقى آبى أحمد مع موسى بيهى عبدى، زعيم إقليم أرض الصومال الانفصالية شمال الصومال، فى أديس أبابا لتعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة قضايا الأمن الإقليمى ومحاولة التأمل فى النزاع مع الحكومة المركزية فى مقديشو. ومع ذلك، رفض الرئيس الصومالى فارماجو المشاركة.

فى وقت سابق، اجتمع آبى وفارماجو والرئيس الكينى أوهورو كينياتا فى نيروبى لمحاولة حل النزاع البحرى بين كينيا والصومال. ومع ذلك، ظل الحل المأمول بعيد المنال، حيث أوضحت مقديشو أنهم سينتظرون قرار محكمة العدل الدولية، التى تنظر بدورها فى النزاع.

وبخصوص اتفاقية التعاون الثلاثى بين إثيوبيا وإريتريا والصومال اتضح أنها جلبت تحدياتها أيضا.

فإثيوبيا وضعت تركيزها على إقليم أرض الصومال كطريق بحرى بديل من خلال بناء ميناء بربرة.

ومن خلال الحصول على حصة بنسبة 19 فى المائة فى مشروع الميناء، منحت إثيوبيا أرض الصومال سمعة دبلوماسية ضخمة نظرا لحقيقة أنه منذ أن أعلنت الدولة نفسها كدولة مستقلة، لم يتم الاعتراف بها على هذا النحو من قبل أى دولة أخرى فى العالم.

تجدد العلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا والصومال، على النحو المذكور أعلاه، جعل حليفيها التقليديين، السودان وجيبوتى، يشعران بالتهميش.

إجمالا، يتمثل التحدى الذى تواجهه أفريقيا فى ضمان أن تجد بلدان القرن الأفريقى حلولا للأزمات الحالية وتوجيه الطاقة نحو التنمية الاقتصادية.

ختاما، لابد من التيقن من أن المبادرات والخطط المدروسة جيدا والدعم من قبل هيئة التنمية الحكومية (إيجاد) أمر بالغ الأهمية للتكامل السياسى والاستقرار والتقدم الاقتصادى فى القرن الأفريقى. لذلك يتعين عليها تكريس مؤتمراتها لحل المشكلات الإقليمية، مع التركيز على الوضع فى إثيوبيا والتوترات الدبلوماسية بين كينيا والصومال.

ولا داعى للقول أنه سيكون من المثير للاهتمام متابعة ما الذى ستفعله إيجاد بشكل مختلف لتحقيق نتائج إيجابية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق