كتابات راي

ماذا يحدث في أرض الصومال؟

مصادفة غريبة أن تأتي وفاة أكبر شعراء أرض الصومال وأبرز مبدعيها والملقب بشكسبير الصومال في نفس الوقت الذي تمر فيه أرض الصومال بأزمة خطيرة وتعيش ظروفا سياسية صعبة بعد اشتداد الصراع بين الرئيس والمعارضة بسبب الإنتخابات الرئاسية. يبدو الأمر وكأن الشاعر الصومالي الكبير محمد إبراهيم ورسمي لم يتحمل ما تمر به أرض الصومال من أزمات خانقة فكان الرحيل هو الحل الأخير حتى يرتاح بعد طول معاناة عاشها خلال حياته التي قاربت الثمانين عاما، وتنقل خلالها بين أكثر من مكان حتى استقر من جديد في أرض الصومال. ولاشك أن خبر وفاته في هذه الظروف الإستثنائية الصعبة التي تمر بها أرض الصومال وما تشهده من أحداث ساخنة ومظاهرات شعبية غاضبة خلفت جرحى وقتلى، إنما يعمق مشاعر الحزن والألم لدى الصوماليين الذين هم ليسوا في حاجة إلى أحزان إضافية في ظل معاناتهم من الجفاف والمجاعات والفقر المدقع والبطالة ، إلى جانب نيران الإرهاب التي تهدد حياتهم بين وقت وآخر.

منذ أعلنت استقلالها عن الصومال الأم بشكل منفرد عام 1991 مع اندلاع الحرب الأهلية الطاحنة، ظلت أرض الصومال بعيدة عن المشكلات الأمنية والصراعات السياسية على مدار سنوات طويلة، حققت خلالها استقرارا نسبيا مقارنة بباقي المناطق الصومالية الأخرى، وذلك على الرغم من عدم حصولها على أي اعتراف دولي بها منذ انفصالها. إلا أنها بدأت تعاني مؤخرا من التوتر السياسي وارتفاع حرارة الخلافات المستحكمة بين الحكومة والمعارضة إلى درجة الاشتعال حيث تتهم الأحزاب المعارضة، رئيس أرض الصومال بمحاولة تأجيل الانتخابات وهو ما نفاه الرئيس، حتى وصل الأمر لتصعيد خطير عندما سقط عدد من القتلى والجرحى أثناء المظاهرات الشعبية الغاضبة التي شهدتها أرض الصومال في الفترة الأخيرة بما ينذر بمخاطر كبيرة لا قبل للمنطقة بها خاصة في ظل اشتعال الأوضاع في بقاع عديدة مجاورة.

يذكر أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أرض الصومال تجري مرة كل 5 سنوات، حيث أجريت الانتخابات الرئاسية السابقة والتي فاز بها الرئيس الحالي، في ديسمبر 2017، بينما أجريت الانتخابات التشريعية الأخيرة في منتصف العام الماضي 2021 ، وذلك تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل. وقبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة شهدت أرض الصومال أحداثا مؤسفة بسبب حالة الخلاف الناشئة عن التشكك في عقد الإنتخابات بموعدها، حيث قامت الأحزاب المعارضة بالدعوة إلى مظاهرات شعبية للضغط على الحكومة حتى تلتزم بالاستحقاق الانتخابي المرتقب. من جانبها، تعارض حكومة أرض الصومال إقامة هذه المظاهرات بدون الحصول على إذن مسبق من الجهات المختصة ووجهت تحذيرات شديدة اللهجة لشعب أرض الصومال من مغبة المشاركة في مظاهرات غير مرخصة وأعلنت أن جمع وإثارة الناس هي أكبر مخالفة للقانون، وأمرت الجهات الشرطية بالتصدي الصارم لهذه التجمعات. ووجهت الإدارة السياسية الحاكمة في أرض الصومال، اتهامات لأطراف أجنبية بأنها وراء ما يحدث في أرض الصومال من إثارة للفتن والصراعات بين المعارضة والحكومة بهدف تهديد الاستقرار الداخلي، وخلق فرص واختلاق أسباب تمكنهم من التدخل في شؤون شعب أرض الصومال.

واستنادا إلى ذلك، تنظر الحكومة لأنشطة المعارضة التي تعبر من خلالها عن غضبها واعتراضها، على أنها ممارسات خارجة عن الإطار القانوني المسموح به في الحملات الإنتخابية. ولكن هناك إصرارا من المعارضة على موقفها تجاه الأحداث وعلى حقها في التعبير عن غضبها من خلال حشد التجمعات والدعوة إلى مظاهرات في شتى الأنحاء، الأمر الذي أدى إلى صدامات خطيرة بين الطرفين أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

وردا على إصرار المعارضة على التظاهر والحشد الشعبي، قامت الأجهزة الأمنية في أرض الصومال باعتقال بعض السياسيين وأنصار المعارضة، الأمر الذي وصفته جهات حقوقية بالاعتقال الجائر وسوء استخدام للسلطة وحذرت من عواقبه الوخيمة منظمات المجتمع المدني. كما نددت ست بعثات دبلوماسية أجنبية، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، في بيان بما وصفته بالاستخدام المفرط للقوة خلال المظاهرات.

وكانت هناك محاولات ودعوات من جانب أطراف وسيطة لحل النزاع من خلال محادثات مشتركة بين الحكومة والمعارضة، إلا أنها باءت بالفشل وأعلن قادة حزبي “أعد” و”وطني” المعارضين في مؤتمر صحفي عن انسحاب الرئيس موسى بيحي عبدي من تلك المحادثات في إشارة إلى انهيارها، وسط اتهامات للرئيس بتحاهله مبادرات الوسطاء الذين حاولوا السعي للصلح بين الجانبين ونزع فتيل الأزمة.

وفي فترة سابقة من العام الجاري وتحديدا في شهر إبريل الماضي شهدت أرض الصومال حالة من التوتر بسبب قيام الحكومة باعتقال عدد من الصحفيين قبل الإفراج عنهم الأمر الذي ساهم في زعزعة أجواء الثقة بين الحكومة والمعارضة وأثار حالة من الشكوك والمخاوف من حدوث تأجيل للإنتخابات الرئاسية عن موعدها المقرر.

 لاشك أن مثل هذه الأحداث تؤدي إلى زيادة تعميق المخاطر والأزمات التي يتعرض لها أبناء أرض الصومال سيما في ظل المعاناة من الجفاف وما خلفه من كوارث بيئية قضت على مظ\اهر الحياة.

ما يثير القلق ويزيد من المخاطر هو أنه ربما تكون لهذه الأحداث أبعادا إقليمية ودولية لا تنفصل عن أسبابها الداخلية ، وذلك بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لأرض الصومال وموقعها الحيوي في شرق إفريقيا وسعيها لاكتساب ود بعض الدول أملا في الحصول على اعتراف دولي بها وهو ما يفسر لنا زيارة الرئيس عبدي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في الربيع الماضي. كما أن الصراع المحموم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على بسط النفوذ في تلك المنطقة يمكن أن يلعب دوره في إثارة وتعميق الخلافات الداخلية.

على سكان أرض الصومال أن يدركوا جيدا مخاطر توسيع دائرة الخلافات وتصعيد الصراع إلى مستوى لا يمكنهم الرجوع عنه والإنزلاق في موجات العنف والعنف المضاد واستغلال جماعات العنف المتشددة لحالة الفوضى التي يمكن أن يخلقها هذا المناخ. وفي نفس الوقت يتطلب الأمر من القيادة في أرض الصومال أن تؤكد صدق النوايا وتدعم جدار الثقة بينها وبين شعبها بالإلتزام بالموعد المحدد للإنتخابات الرئاسية تفاديا لاستثارة غضب المعارضة والشعب وعلى الطرفين التعاون والعمل معا للعبور بأرض الصومال من هذه الأزمة إلى برالأمان وتعلم الدرس من التجارب العربية السابقة.

تحاول جمهورية أرض الصومال (صومالى لاند) غير المعترف بها دوليا، توظيف المُستجدات على الساحة الدولية المُتمثلة فى العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، والتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فى القارة الإفريقية، لصالح تحقيق هدفها الكبير المُتمثل فى الحصول على الاعتراف بها كدولة مُستقلة، فقد أعلنت انفصالها عن الأراضى الصومالية منذ عام 1991، وتُناضل من أجل الحصول على الاعتراف الدولى بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا. ومن أجل تحقيق ذلك، قام رئيس أرض الصومال موسى بيهى فى الثالث عشر من مارس 2022، بأول زيارة له لعاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن، لإجراء مُحادثات مع صانعى القرار فى الإدارة الأمريكية، بما سيساهم فى تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأرض الصومال.

وحاول رئيس أرض الصومال موسى بيحى جذب انتباه صانعى القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، فى وقت شديد الحساسية، حيث تنشغل فيه الإدارة الأمريكية بمُتابعة الأزمة الأوكرانية الروسية وتداعياتها. فقد حرص رئيس أرض الصومال على عمل لقاءات مع مسئولين فى الإدارة الأمريكية وعرض رؤيته لفرص التعاون بين أرض الصومال والجانب الأمريكى.

فى الرابع عشر من مارس 2022، ألقى موسى بيحى خطابا بمؤسسة «Heritage Foundation»، وهى مؤسسة فكرية أمريكية لها تأثير كبير فى صنع السياسة العامة الأمريكية، وعمل على تسليط الضوء على الإمكانات العظيمة الموجودة لدى أرض الصومال، والدور الذى تلعبه فى أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقى، على أمل أن يكون ذلك ركيزة لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق