كتابات راي

انفراجة سياسية في الصومال



يُعد الخامس عشر من مايو 2022 تاريخًا مُميزًا في الحياة السياسية الصومالية؛ فبعد طول انتظار استطاع الصومال الخروج من النفق المُظلم وإتمام الانتخابات الرئاسية، والتي من شأنها السماح بالانتقال السلمي للسلطة في البلاد، وهو ما يُمهد الطريق للاستقرار السياسي ووحدة الدولة وتماسكها. وقد أسفرت الانتخابات عن فوز الرئيس الصومالي الأسبق حسن شيخ محمود بولاية ثانية، بعدما تمكن من الفوز على منافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو.
على الرغم من تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، إلا أن الصومال قد تمكن من إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل بيئة سياسية وأمنية واقتصادية مُتدهورة، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

التحديات السياسية:

لم يكن إجراء الاستحقاق الانتخابي أمرًا يتسم بالسلاسة، فقد شهدت الساحة السياسية الصومالية توترات منذ انتهاء ولاية الرئيس الصومالي السابق فرماجو في فبراير 2021؛ فقد حاول فرماجو التحايل على النخبة السياسية في الصومال لتمديد مدة ولايته من خلال افتعال الأزمات مع رئيس الوزراء الصومالي السابق محمد حسين روبلي، وكذلك الخلافات مع حكومات بعض الولايات الاتحادية حول الإجراءات المتُعلقة بإجراء الانتخابات.
ولكن تم إحباط محاولات فرماجو على إثر الضغوط في الداخل الصومالي وكذلك الضغوط الدولية التي تزايدت لتسريع العملية الانتخابية. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت قيودًا على التأشيرات للمتورطين في تقويض المسار الديمقراطي في الصومال، وحذرت منظمة الأمم المتحدة القادة السياسيين الصوماليين من مغبة عدم استكمال الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما يُشكل عامل ضغط على النخبة السياسية الصومالية لتنحية الخلاقات السياسية جانبًا، والالتزام بإتمام انتقال سلس للسلطة.

التحديات الأمنية:

لا شك أن تأزم الأوضاع السياسية قد انعكس على الصعيد الأمني الذي اتسم الهشاشة والتراخي، ويتضح ذلك جليًا في تفاقم التهديدات الأمنية من جانب التنظيمات الإرهابية التي عملت على استغلال حالة الفراغ الأمني نتيجة انشغال الأجهزة الأمنية في متابعة الخلافات السياسية، وهو ما انعكس بالسلب على قدرة هذه الأجهزة على مواجهة التهديدات الأمنية في البلاد.
فقد تصاعدت حدة الهجمات التي شنتها حركة الشباب الإرهابية والتي طالت العاصمة مقديشو خلال الأزمة السياسية التي شهدها الصومال. واستهدفت هذه الهجمات القيام بعمليات اغتيال ضد المسؤولين السياسيين والأمنيين في مقديشو. ولا شك أن تزايد عمليات التفجير التي طالت العاصمة يُمثل مؤشرًا خطيرًا على هشاشة الأوضاع الأمنية، ومحدودية قدرة الأجهزة الأمنية الصومالية على إحباط هجمات حركة الشباب. ونجد كذلك أن حركة الشباب الإرهابية لم تقتصر هجماتها على استهداف الأجهزة الأمنية الصومالية بل عملت على مهاجمة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، وكانت العملية الأبرز التي قامت بها الحركة مطلع شهر مايو 2022، وهو ما أسفر عن مقتل 30 جنديًا بورونديًا.

التحديات الاقتصادية:

تأثرت الأوضاع الاقتصادية في الصومال بالأزمة السياسية الناجمة عن تأخير موعد الاستحقاقات الانتخابية، فقد حذر صندوق النقد الدولي في فبراير 2022 من تعليق الدعم المالي للصومال في حال إذا لم يتم الانتهاء من العملية الانتخابية في شهر مايو 2022. وفيما يتعلق بالأوضاع المعيشية، فهي تتسم بالتدهور لارتفاع أسعار المواد الغذائية، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل أبرزها؛ الجفاف الذي يضرب الصومال والذي أدى الى تراجع الإنتاج الزراعي، وقد تسبب الجفاف بنزوح العديد ممن يعملون في حرفتي الزراعة والرعي. ولا يمكن إغفال تأثر الصومال بالتداعيات السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية فيما يتعلق بتقلبات أسعار المنتجات الغذائية. وأسهمت هذه العوامل بدورها في ازدياد معدلات البطالة والتضخم في البلاد، وتشير التقديرات الأممية إلى أن أكثر من ثلثي الصوماليين يعيشون تحت خط الفقر.

مشهد الانتخابات الرئاسية

بموجب القانون الصومالي، يتم انتخاب رئيس البلاد من قبل 329 عضوًا في البرلمان (54 مُشرِّعًا في مجلس الشيوخ و275 مُشرِّعًا في مجلس النواب)، وقد تم اعتماد هذا النموذج الانتخابي غير المباشر في مؤتمر رعته جيبوتي عام 2000. والجدير بالذكر أن انتخابات مجلس الشيوخ قد بدأت في أغسطس 2021، وتم استكمال انتخاب أعضائه في نوفمبر 2022. وانطلقت انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر 2021، وانتهت في أبريل 2022. وتم انتخاب عبدي حاشي عبد الله رئيسًا لمجلس الشيوخ الصومالي الفيدرالي، والشيخ عدن محمد نور رئيسًا لمجلس النواب في 26 و27 أبريل 2022 على الترتيب. وبمجرد الانتهاء من انتخابات المجالس التشريعية تم البدء في تنظيم إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك على النحو التالي:

تشكيل لجنة لتنظيم الانتخابات الرئاسية:

وقد تألفت اللجنة من 17 عضوًا، 11 من مجلس الشعب و6 من مجلس الشيوخ، وتتولى هذه اللجنة مهمة تسجيل الراغبين في الترشح لمنصب الرئيس، وتنظيم إجراءات انتخاب الرئيس في يوم الاقتراع. وحددت اللجنة موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية في الخامس عشر من مايو 2022.
أصدرت اللجنة القائمة النهائية للمرشحين وتضم 39 مرشحًا من بينهم امرأة واحدة، ولكن نجد أن هناك عددًا من المرشحين قد انسحبوا من السباق الرئاسي، ليصل العدد إلى 36 مرشحًا. نجد أن الوجوه القديمة هي التي تصدرت السباق على رئاسة الصومال مثل الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، والرئيسين السابقين حسن شيخ محمود، وشريف شيخ أحمد، ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري.

تأمين الانتخابات:

طلبت اللجنة المنظمة بالبرلمان من قوة حفظ سلام التابعة للاتحاد الأفريقي حماية مكان انعقاد الانتخابات التي عُقدت في منطقة “افسيونى” بالقاعدة الجوية على محيط المطار الدولي بمقديشو. ويُمكن تفسير تولى بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال مهمة حماية الانتخابات الرئاسية بان الوضع الأمني في الصومال يتسم بالهشاشة، ولذلك أرادات اللجنة التي تدير العملية الانتخابية إسناد المهمة إلى بعثة حفظ السلام لتأمين إجراء الانتخابات، بحيث يصعب على الجماعات الإرهابية استهدافها وعرقلتها.

آلية اختيار الرئيس:

وفقًا للدستور الصومالي، الفائز في الانتخابات هو الذي يحصل على ثلتي أصوات النواب في الجولة الأولى. ونجد أنه لم يستطع أي مرشح حسم هذه النسبة، ولذلك تم اختيار المرشحين الأربعة الحاصلين على أعلى الأصوات لخوض الجولة الثانية، وهم سعيد عبد الله دنى رئيس ولاية بونتلاند الذي حصل على 65 صوتًا، ومحمد عبد الله فرماجو الرئيس الصومالي المنتهية ولايته الذي أحرز 59 صوتًا، وحسن شيخ محمود الرئيس الصومالي السابق الذي حصل على 52 صوتًا، وحسن على خيري رئيس الوزراء السابق الذي حصل على 47 صوتًا.
وتم إجراء جولة ثالثة، تمكّن فيها الرئيس الأسبق حسن شيخ محمود من حسم الانتخابات لصالحه؛ إذ حصل على 214 صوتًا، بينما حصل الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو على 110 أصوات. وقد كانت خسارة الرئيس فرماجو مُتوقعة؛ فهو لا يحظى بدعم النواب في المجالس التشريعية، وبالتالي أدى ذلك إلى عدم تمكنه من الاحتفاظ بمنصبه.

أولويات الرئيس الجديد

نجد أن الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود ليس بوجه جديد على الساحة الصومالية، فقد شغل منصب رئيس الصومال خلال الفترة من 16 سبتمبر 2012 حتى 8 فبراير 2017. وقد أحرز عددًا من الإنجازات خلال فترة حكمه؛ فقد دعم النظام الفيدرالي، ولذلك يتمتع بعلاقات وثيقة مع زعماء الولايات الفيدرالية وخاصة حكام ولايات هرشبيلي وبونتلاند وجوبالاند، وخلال فترة رئاسته عمل على محاربة حركة الشباب الإرهابية، واتسمت السياسة الخارجية خلال فترة رئاسته بالتوازن؛ وعدم الانجرار إلى إثارة التوترات مع القوى الإقليمية والدولية.
وفى ضوء المشهد الصومالي الراهن، يمكن استعراض أولويات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الفترة الرئاسية الثانية (2022-2026) على النحو التالي:

الملف الأمني:

يعد ملف استعادة الأمن والاستقرار في الصومال أبرز أولويات الرئيس الجديد، والعمل على مواجهة حركة الشباب الإرهابية ليس فقط عن طريق السلاح، بل أيضًا مواجهة الحركة أيديولوجيًا؛ وذلك لتقليل الهجمات الإرهابية التي تشنها الحركة، ومنع انضمام أعضاء جدد للحركة. فضلًا عن أنه من المُرجح أن يعمل الرئيس الجديد على تقوية المؤسسات الأمنية وتقوية قدراتها القتالية.

الملف السياسي:

العمل على تعزيز العلاقات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وحكومة الولايات، فقد اتسمت العلاقات بالتدهور إبان عهد الرئيس الصومالي السابق فرماجو. وكذا من المُحتمل أن يعمل الرئيس حسن شيح محمود على استكمال الدستور المؤقت، وعرضه للتصويت الشعبي ليصبح دستورًا رسميًا للبلاد؛ إذ لا يفصل الدستور المؤقت في الصلاحيات بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وهو ما يؤدى إلى نشوب الخلافات بين الأطراف السياسية، وكذلك إيصال البلاد إلى اجراء الانتخابات الرئاسية بشكل مُباشر. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد أكد الرئيس على انتهاج سياسة خارجية ترتكز على التعايش السلمي مع دول العالم، والابتعاد عن خلق عداوة خارجية قد تؤثر سلبًا على العلاقات الصومالية مع العالم الخارجي.

الملف الاقتصادي:

يعاني الصومال من تحديات اقتصادية تنعكس على الأوضاع المعيشية للمواطن الصومالي؛ إذ ترتفع أسعار السلع الغذائية والوقود، جراء الجفاف الذي يشهده الصومال والأزمة الروسية الأوكرانية. ومن المُتوقع أن تشهد الأوضاع الاقتصادية بوادر انفراج والحصول على مساعدات مالية تسهم في دعم ميزانية الحكومة الصومالية من المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي الذي ربط الحصول على مساعدات مالية بإتمام الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وفى الختام، يُمكن القول إن إجراء الاستحقاقات الانتخابيّة البرلمانية والرئاسية هي مسألة ضرورية لاعتبارات الاستقرار والأمنيّ، وبالنظر إلى أن انتخاب رئيس للبلاد يُشير الى أن الصومال مقبل على مرحلة انفراجة سياسية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية العصيبة، وأن هناك فرصة لتحقيق وفاق بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الصومالي، واستعادة الثقة بين الحكومة الصومالية والمؤسسات الدولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق