الاسلاميون في الصومال من الخلافة إلى القبيلة
الصحوة الاسلامية في الصومال كانت في بدايتها صحوة عاطفية بسبب قلة العلماء وسيطرة الشبيبة في شأن الدعوة والتنظيم، إلا أنها نجحت في تلك الفترة من الابتعاد عن العادات الاجتماعية المخالفة للدين، ومن أشدها الدور القبلي الذي يمثل اللبنة الأساسية في كينونة المجتمع الصومالي، وقد كانت المراحل الأولى من تلك الصحوة تمثل المرحلة المثالية لتطبيق النصوص؛ لذلك مثلت لهم تمردا واضحا لتلك التقاليد المخالفة لرؤيتهم الدينية الجديدة، مما تسبب لهم هجوما معاكسا من العلماء التقليديين وعامة المجتمع على حد سواء.
ولكن بعد انتشار المظاهر الإسلامية كالحجاب وتمكنهم في الشارع بدأ العد التنازلي لمحافظة أبناء التيار تميزهم النوعي وابتعادهم عن تقاليد المجتمع ثم تسرب إليهم داء القبلية الذي ابتلع كيانهم الحركي، وأصبحوا يتبارون في المناصب القبلية التقليدية فضلا عن تهافتهم في المناصب السياسية كممثلين لقبائلهم.
قوة تأثير القبيلة:
القبيلة في هي القوة الحقيقية المنظمة وذات التأثير الحقيقي في تشكيل الشخصية الصومالية؛ لذلك لم يكن الشخص الصومالي يعرف معنى التعاون والتكافل المتجاوز عن القبيلة قبل تشكل حركات التحرر الوطني، ثم عاد تأثير القبيلة بعد الاستقلال وأصبح لها مكانة مؤثرة في سياسة البلاد، فتمكن تأثيرها المتنامي أن يبتلع الحركة الوطنية ورؤيتها الديمقراطية، ثم جاء دور العسكر الذين حاولوا دفنها، ولكن سرعان ما خرجت من القبر، وقلّبت لهم ظهر المجن، فكان ما كان وانهارت الدولة بسبب الجبهات القبلية التي أكلت الأخضر واليابس، وفي نهاية المطاف لم يجد الصوماليون حلا لقضيتهم أحسن من المحاصصة القبلية ٤.٥، التي صارت فيما بعد فخا للإسلاميين لإدماجهم في العملية السياسية بعد المحاكم الاسلامية حتى ينصهروا في هذه البوتقة المهيمنة للثقافة الصومالية اجتماعية كانت أم سياسية، ليفقدوا تميزهم.
الخلافة أم القبيلة:
كانت أغلب الحركات الإسلامية التقليدية تعتمد في مناهجها بنودا موغلة في الخيال، ولكنها ترفع معنويات الأتباع كقولهم: “نسعى إلى إعادة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة”، ومن المؤكد أن واضع هذه الفكرة كان يتمتع بطموحات خيالية، ولكن كان ينقصه فهم محيطه الداخلي قبل الدولي، وعليه فإن من الواضح أن تلك التيارات فشلت في ترويض القبيلة قبل الانتقال إلى “منهاج النبوة”، وكيف يمكن أن تتمكن من إعادة الخلافة الاسلامية على منهاج النبوة بينما أصبح كيانك الصغير “الجماعة” مهددا من الاختراق الداخلي ثم الذوبان، ولم يستطيع من التطبيق العملي للمنهج الإسلامي الذي كان يمثل حلا لهذه الإشكالية “دعوها فإنها منتنة”.
ونظرا لما للقبيلة من تأثير في المجتمع الصومالي فإن أغلب الجماعات الاسلامية جرفها التيار القبلي ثم انصهرت في تلك البوتقة التي يصعب الخلاص منها، كما حدث للحركات السابقة؛ لذلك استطاعت إعادة إنتاج القبيلة والاندماج فيها بدلا من إعادة الخلافة!.
فهل تكون المصالحة المتوقعة مع حركة الشباب التي تهندسها دولة قطر الشقيقة أكثر من إعادة المارد إلى حضن القبيلة لتعيد تأهيله؟>