(الصومال زوايا غير محكية)؟
” الصومال زوايا غير محكية” عنوان هذا الكتاب سيثير فضولَك للوهلة الأولى ويؤجّجُ فيك نيرانَ الاكتشاف وحبَ الاطلاع، يضغط -ربما- زرَّ التنبيه لذاتك الغافلة، يوقف مدَّ التذمر المتدفّقِ إليها، يستنفر قوى التفاؤل الكامنة فيها، يبدّد ألويةَ التشاؤم المحيطة بها، يحطّم تلك الصورة القاتمة عن بلدك، يزيلها، ينفض غبار النسيان عنه، ينتشلك أنت أيضا من براثن الإحباط ويحلّقك في سماء الاعتزاز عاليا، يبعث نداءَ الأمل إلى نفسك العالقة في أوحال اليأس والقنوط، يوقظ فيها روح التمرد على السائد، يثير زوابعَ الثورة في أعماقك، ينسف أركان الشائعات التي ألفتها -حول بلدك- يدحضها، يكشف خيوط المؤامرة، يبيّن خطورتها، يذيب افتراءاتهم في بحر الحقائق .
انطلاقا من هذا المبدأ الثوري المجيد يمتطي السيد الأديب حسن قرني صهوةَ قلمه كي يقاوم غزاة التشويه، ويوقفَ قواقل تضليلهم المتغلغلة الى أعماق بلده، يُقارعهم بقوة البيان، يُسكتهم بالأدلة الدامغة، يُغرقهم بالشواهد الحية على كذبهم، ينهال عليهم بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة التي تدل على عكس ما ذهبوا إليه، يصمد أمام طغيانهم وجبروت إعلامهم، يحارب تضليلهم الممنهج الذي تموله وتستثمره فيه القوى الظالمة لتظل جاثمة على صدر بلد منكوب بمشاكله الداخلية، يحاول إبراز صورة مشرقة عنه مغايرة لتلك المعهودة بينهم، يغامر بنفسه فيغوص في عمق مآسيه علّه يجد في زواياه خبايا غير التي علقت في أذهان العالم وارتسمت فيه، يشق كاتبنا طريقه في صحراء قاحلة ليغرس فيها أولى بذور الكفاح بلغة الضاد، ينقل عبرَها أمجاد أجداده، يقدم الدلائل على تضحياتهم، ينصفهم بحبر قلمه، يسطّر به عنهم أروعَ ملاحمهم وأعظمَ بطولاتهم، يُحيي معالمَهم التي طمستها وسائلُ الإعلام أو أخفقت في إبرازها أقلامُ المؤرخين، يعيد رسم خريطتهم من جديد، يرمّم جدرانها المطليةَ بالدمار والدماء، يزيح قتامةَ النسيان عنها، يُدنيها للمنصفين لينطلقوا منها إنْ عنهم كتبوا أو هموا ذلك.
يواصل نضالَه البيانيَ فيقطع آلاف الأميال في البحث عن ذات بلد ذائبة في مستنقع التهميش، وقبل ذلك يلقي نظرةً سريعةً على طفولته الضائعة، يعود إليها عبرَ قارب الزمن، يتذكر فجأةً تلك الحروب التي حرمته من الاستمتاع بطفولته، يحاول قطعَ حبل تذكّره بالتناسي بَيْدَ أنه لا يستطيع ذلك، بل رغما عنه يعيش أيام بؤس الحروب وليالي شقائها، يطوف في شاطئ الحرمان قبل أن يغوص في بحر الضياع، يمسح الدموع عن عينيه ليطويَ صفحةَ الماضي نهائياً للانشغال بالحاضر، لكنّ آثارَ الدمار تستوقفه لتُسمعه من تحت ركامها أنينَ الشيوخ وانتحابَ الأطفال، آهات الجرحى واستغاثةَ العالقين تحت أنقاضها، وكيف ينسى وما زالت روائحُ البارود تزكم أنوفَ الآلاف في الأرض نفسها، وشظايا الموت تتطاير على ترابها، ودويُّ المدافع ودمدمةُ انفجاراتها تصمّ آذانَ أهلها، مسلسلُ المعانات مستمرٌ حتى اللحظة والمأساةُ متجددةٌ، ورغم ذلك ثَمَّ بصيص أمل، وبارقةُ خير تلوح في الأفق، وبناء عليه يكتب صاحبنا فيبدع .
وكما يوحي اسم كتابه أو يدل عليه فالصومال له زوايا غير محكية، وصفحاتٌ مشرقة لم تتناولها أقلامُ المؤرخين بعد، وسأجمل أهمَّ ما ذكره الكاتب في النقاط الآتية، وأحيل القارئ الكريم إليها دون أن أُفسد عليه معنى كلام الكاتب أو أشوّه عباراته بتلخيصي المقتضب.
الزاوية الأولى: تحدث فيها عن الصومال جغرافياً، وموقعه المميز، بحكم إطلاله على ممرّات مائية كثيرة، منها البحر الأحمر والمحيط الهندي، وقربه من مضيق باب المندب شريان التجارة العالمية وقلبها النابض، وكذلك ما يتمتع به الصومال من ثروات حيوانية ومعدنية، وموارد بشرية متنوعة.
الزاوية الثانية: ركّز فيها الكاتب في إبراز أطماع الدول العظمى في الصومال وصراع نفوذها القائم على مصالحها، وسلط الضوء أيضا على ما يقوم به وكلاؤها الحصريون من نهب للثروات واستنزاف للموارد الطبيعة في البلد.
الزاوية الثالثة: تناول فيها نضال الصوماليين عبر التاريخ، وذوذهم عن حمى الإسلام، حيث كانوا خط الدفاع الأول عن المسلمين حين كان غيرهم يلعق حذاء المحتل ويتودد إليه بكل الوسائل.
الزواية الرابعة: تحدث فيها عن علاقة الصوماليين بالإبل ومكانتها المرموقة عندهم، وما تتمتع من رمزية في مجتمعهم.
الزاوية الخامسة: تحدث فيها بشيء من التفصيل عن الأدب الصومالي عموما والشعر منه خصوصا، فأبدع في سرد أغراض شعراء الصوماليين وأسالبيهم التي كانوا يستخدمونها، وكذلك أهمية دورة شعرهم في نصرة القضايا المصيرية عبر التاريخ.
هذه الزوايا قد تكون هي أهم ما يخفى على القارئ العربي، وعليه أن يعرفها ليعيد النظر في معلوماته التي تلقّاها من مصادر غير موثوقة، أو استقاها من وسائل الإعلام قبل أن يفحصها أو يتأكد من مصداقيتها.
أهم أفكار الكتاب:
1- إحياء روح النضال في المجتمع الصومالي، وإبراز دور العظماء فيه قديما وحديثا.
2- إخماد نيران القبلية المشتعلة بين الصوماليين، ونبذ العنصرية المبنية عليها.
3- إعادة الأمل إلى النفوس العالقة في أوحال اليأس والقنوط، وإنارة الطريق لها.
4- إشعار المثقفين الصوماليين بأهمية دورهم في المجتمع، وإلقاء مسؤولية الإخفاق عليهم.
5- الدعوة إلى الوحدة الصومالية بمفهومها الواسع، وإدارك أهميتها، وتحقيق حلم ذلك في أرض الواقع.