ختان الإناث في الصومال بين الرفض والرفض المضاد!
إنّ قضية ختان الإناث في الصومال أصبحت مشكلةً أو قضيةً مستشكلةً ، لأنها تُطرح بشكل ثوري عنيف، ويعتريها التُسرع في تناولها ، ويسكن في مفاصلها الإقصاء مع الاستهجان من أطراف النزاع بعضهم لبعضٍ في كثير من الأحيان ، و يتخللها كثير من التعميم والتسطيح ، ترتفع بصخب وترتد إلى السكون سريعاً ، وتدخل في حالة من الكمون حتى النسيان ثم تعود من جديد بطرح عاطفي ثانٍ ثائرً ، و بصوت عالٍ ينقسم فيه الرأي العام إلى قسمين متعاندين بعنفٍ ، ولا يتعاطيان أساليب الحوار العلمي الطالب للحق وللصالح العام، فيصطفُّ الجمهور خلف هذين الفريقين ، بين منافح عن هذا ومناصر لذاك ، فيعلو الصوت أكثر مما يجعل طرح القضية عبثياً قليل الفاعلية و الجدوى ولا حسم فيها لأحد من الفريقين .
ولسنوات الطويلة ، و ختان الإناث يسبب حالة من التشنّج المجتمعي عند أية محاولة لتقنينه أو حتى الحديث عنه ، وهذا دليل على أن المسار في تناول القضية في كل مرة هو مسار خاطئ ، لا يتم تكييفه مع السياق الثقافي والمصلحي المحلي ، خصوصاً وأنّ القضية حساسة ولها جذور عميقة في الثقافة المجتمعية الصومالية كما لها جذور دينية وتقاليد عتيدة.
وإنّ محاولة نسف القضية من أصولها واعتبارها خرافة متوارثة – وذلك بسن قانون يحرّم ذلك ويُجرِّم فاعلها دون مراعاةٍ لمدى مقبولية هذه القوانين لدى المجتمع المستهدف – هو تأسيس لقاعدة جماهيرية مضادة له ومستعدة لنقض هكذا القانون بأي وسيلة كانت والتمرد عليه إما جهراً أو سراً .
وإشكالية القضايا الجدلية مثل قضية ختان الإناث في الصومال ، تحتاج إلى حزمٍ مُتَعقِّل ، حتى نسد ثغرة التدخل الأجنبي ، ولكن قبل ذلك ، تحتاج إلى تعامل خاص و قراءة نقدية علمية متأنّية ومتجردة عن الأحكام المسبقة ، وتَشارُكِ الخبراء الممارسين لمهن الطب و التمريض و علماء الشريعة الإسلامية و فقهاء القانون و علماء النفس و خبراء المجتمع في عقد جلسات علمية و مناظرات أكاديمية مباشرة يتم من خلالها استعراض جزئيات ختان الإناث بأوراق بحثية علمية واضحة . و يُسمح في ذات الوقت فتحُ باب النقاشات الوطنية على مستوى المجتمع الصومالي أين ما كان وذلك لتهيئة الرأي العام في تقبّل و تنفيذ تلك النتائج الحوارية.
والحوار وحده هو الذي يجعل حل القضايا الوطنية الشائكة ممكناً ، وطاولة النقاش هي الوحيدة القادرة على خلق التوازن بين ما يعلًمه الدين الإسلامي الحنيف وما تُظهره الدراسات والبحوث العلمية ، والمصارحات الحوارية هي التي ترفع ستار الشبهات وتزيل سوء الظن عن أطراف القضايا المتنازعة عليها.
إنّ الحديث عن ختان الإناث يجب أن لا يأخذ أكثر من حجمه الطبيعي والحقيقي ، فهو من القضايا الفرعية التي كان من المفترض أن تُدار في إطار الخصوصية الثقافية للمجتمع الصومالي ، فلغة القطعيات و رفع سياط السلطة و تهميش الرأي المخالف ، وتجيش العواطف ، والحديث بِنَفَسٍ متعالٍ في قضية ذاتِ أبعادٍ متعددةٍ – فضلاً على أنها تُظهر مواقف متطرفة ركيكة – ليس لها علاقة بالعلم، ولا هي مسألة يقدر تحمُّلها المجتمع الصومالي المنهك بقضايا وجودية أخرى كثيرة.
إنّ تأجيج النزاع المجتمعي والثقافي بين آنٍ وآخر واستخدامه كورقة ضغطٍ مّا لتشتيت أنتباه المواطن عن مطالبه الحياتية الحقيقية الأخرى والملحّة له أكثر – أياً كانت دوافعها – هي حيلة يجب أن يتفطّن لها المجتمع الصومالي ، والّا يَنجرّ وراء كلِّ صيحةٍ، وأن يعطي كل قضية وزنها الذي تستحقه من الناحيتين الشرعية والعقلية.