هل تعود الصومال إلى عام 1991؟
وصف ” صامويل هنتجتون” الصرعات التي تنشأ من داخل أمة واحدة بأنها الصراعات الأقل فائدة و الأدنى قيمة، فالصراع الدموي بين القبائل في الصومال كما ذكرها في كتابه “صدام الحضارات” لا يهدد بصراع أبعد من حدود الصومال ، ولا يلتوي بنارها إلا بني الصومال ، فالصراعات القربى أو الصراعات الثقافة الواحدة هي الصراعات عدمية النتيجة كونياً ، ومدمرة محلياً إذ إنها تصنع من داخل ذاتها عدواً شرساً لا تنتهي شراسته بموته ، فبقايا انتقامه تكون حاضرة في النفوس ، و مراسم عزاه يتجدد عند كل ذكرة ، وعند كل حديث ، وعند كل سوء تفاهم ، فأي حل لا يقتلع جذور صراع الأخوة يكون الحل شبيه بعناقَ التُعساء ، ومُصالحة العاجزين ، الذين يعلمون ويُنكرون بأن أحدهم لا يسكن إلا بالأخر ، وعند أول تباين مصالح وفشل مسارات الحوار ينسون ذلك الالتحام الوطني و تسمع السؤال التالي :
هل يمكن أن تعود الصومال إلى ما كانت عليه سنة 91م ؟ طرح هكذا سؤال من إنسان صومالي على آخر شريك له في ذاكرة مأساة سنة 91م هو طرح غير سوي وغير طبيعي و غير متحرر من نزعة التدمير وغير ناضج ، وغير واع بأن تركة سنة 91م كانت ثقيلة جداً جعلتنا نتعلم البكاء من القسوة ، و الصراخ من الألم ، والهروب من الرعب ، والتشتت في أصقاع الدنيا ، و التمزق تحت رايات أخرى ، والضياع في متاهات الغريب، والشك في ملامح القريب ، فهذا السؤال يكشف لنا بأننا و كل مصالحتنا وكل كلماتنا عن المستقبل وطي صفحة الأحزان وشعارتنا ببدء غد مختلف لم ترتقي لتكون كلمات لصناعة حياة صومالية حقيقية بعيدة عن خطر الموت وتجرع كاس الآلام مرة أخرى ، صحيح الحلول الوطنية كانت قائمة على قدم وساق لمدة ثلاثين سنة لكنها حلول يبدوا بأنها لم تلامس العمق الصومالي المنشئ للصراع ، فالعمق الذي مازال يرى في شريك الوطن خطر “حي” ، وتبجيل الصوت الواحد “ممكن” ، و البحث عن المتاعب “شجاعة” ، و الحرية في الهدم “مسموح” ، ذلك العمق الصومالي مازال يتكلم ويُؤثر ويُحرك و لم يفهم بشكل الكافي ضخامة محصول الصراع الداخلي ، لم يشعر بعد بأن نقص السيادة نقص ، وجود الوصاية الخارجية ضعف ، وتنافس الأجنبي فينا سخرية و هزل ، تلك الحلول والمؤتمرات والاتفاقيات والخطابات إذا لم تُعيد تصحيح مفاهيم الصومالي عن الوطن المشترك و عن الحوار السلمي ، وتُعيد الثقة و تزرع فينا بأن المؤمن لا يُلدق من حجره مرتين فهي إذا لا تُعالج و إنما وتُطبطب على بيت متصدع وأهن ، و تُزين بركان خامد ، حممه ونيرانه تتأكل في صمت وفي لحظة غضب ندفع الثمن.