المساعي الدولية ومؤتمر دوسمريب.. مخاوف وآمال
دعت الرئاسة الصومالية في بيان صادر منها يوم السبت الـ 30/يناير/2021م، الولايات الإقليمية وإدارة إقليم بنادر إلى المشاركة في مؤتمر تشاوري يُعقد بمدينة دوسمريب عاصمة ولاية غلمذغ في الفترة من الـ 1 إلى 3/فبراير/2021م، لمناقشة القضايا العالقة حول إجراء انتخابات توافقية حرّة ونزيهة انطلاقا من قرارات اتفاقية الـ 17/سبتمبر/2020م، بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية.
جاءت دعوة الرئيس فرماجو إلى المشاركة في المؤتمر التشاوري بعد ساعات من إجرائه لقاءً مع ممثلي المجتمع الدولي في مقديشو، والّذين كانوا يراقبون الوضع عن كثب طيلة فترة الخلافات السياسية التي عرقلت إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد بأواخر ديسمبر الماضي 2020م!
وتباينت ردود الأفعال الناجمة عن دعوة الرئيس لهذا المؤتمر، غير أن معظم هذه الردود المحلية والدولية رحّبت بقرار الرئيس فرماجو القاضي بعقد اجتماع تشاوري بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، إذ أعلن عبدي حسين شيخ وزير الإعلام في ولاية جوبالاند ترحيب إدارته بهذا المؤتمر واستعدادها التام للمشاركة فيه لكونها جزءا من اتفاقية الـ 17/سبتمبر/2021م.
بدوره كشف المرشح الرئاسي عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض عن موقفه المؤيد لعقد هذا الاجتماع، حيث قال في منشور له على صفحته في الفيس بوك: “أرحّب بدعوة الرئيس فرماجو لعقد مؤتمر تشاوري في دوسمريب، كما أوجه الشكر لرئيس غلمذغ الّذي سيستضيف هذا المؤتمر”، غير أن عبدالرحمن عبدالشكور لم يكتف بالترحيب والإشادة فقط، بل عرّج على محطات التاريخ السياسي للرئيس فرماجو في تعامله مع رؤساء بعض الولايات الإقليمية الّذين لم يجدوا فرصة ليكونوا جزءا من تنظيم الانتخابات المحلية في ولاياتهم الإقليمية بعد انتهاء فترة ولايتهم، في إشارة منه إلى طريقة تعامل الحكومة الفيدرالية مع كل من شريف حسن شيخ آدم الرئيس السابق لجنوب غرب الصومال، وأحمد دعالي غيللي حاف الرئيس السابق لولاية غلمذغ.
ودوليا رحّب مكتب بعثة الأمم المتحدة في الصومال بقرار الرئيس فرماجو الّذي يدعو فيه إلى عقد اجتماع تشاوري في دوسمريب، وقال بيان صادر من المكتب: “ترحّب بعثة الأمم المتحدة في الصومال بمؤتمر دوسمريب الّذي دعا الرئيس فرماجو الولايات الإقليمية إلى المشاركة فيه، وتحث البعثة القادة الصوماليين على تقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق للإسراع في تنفيذ النموذج الانتخابي المتفق عليه في اتفاقية الـ 17/سبتممبر/2020م”.
لكن هناك من المتابعين من وجّه انتقادات لقرار الرئيس فرماجو من حيث الحيثيات والظروف المحيطة به، فقد أشار البروفسور عبدي إسماعيل سمتر أحد المحللين السياسيين الصوماليين في مقابلة له مع الـ (VOA) إلى أن الرئيس فرماجو ليس سعيدا بمشاركة القوى المعارضة (مجلس اتحاد المرشحين) في هذا المؤتمر، وهو ما دعاه إلى عقده في دوسمريب وحصر دعوة المشاركة فيه على الحكومة الفيدرالية، الولايات الإقليمية، وإدارة إقليم بنادر، دون ذكر لمجلس اتحاد المرشحين المعارض لسياسات الحكومة حيال إدارتها للانتخابات القادمة.
وأضاف السيد سمتر في حواره مع الـ (VOA) بأن نجاح هذا المؤتمر يتوقف على مدى قدرته لإيجاد حلّ للقضايا العالقة مثل: اللجان الانتخابية المختلف عليها، قضية محافظة غيذو، وإدارة انتخابات ممثلي صوماليلاند في مجلسي البرلمان الفيدرالي الصومالي.
فرص نجاح مساعي الأسرة الدولية في إيجاد حلّ للقضايا العالقة
يعتبر المجتمع الدولي شريكا أساسيا، وفاعلا قويا، ومؤثرا كبيرا في العملية السياسية، ذلك أن الأسرة الدولية هي الممول الرئيسي لعمليات إعادة بناء الصومال سياسيا وأمنيا واقتصاديا وتنمويا، مما يحتّم عليها الجدّية في التعامل مع القضايا الصومالية والسعي إلى حلّ النزاعات السياسية المستجدّة بين الأطراف الصومالية من أجل الحفاظ على المنجزات التي تم تحقيقها خلال مسيرة إعادة بناء الدولة الصومالية الممتدة لمدة 20 عاما كان المجتمع الدولي خلالها طرفا أساسيا فيها.
ويرى قطاع من الشعب، بما فيهم بعض الخبراء والمحللين، أن المجتمع الدولي جاد في مساعيه نحو إيجاد تسوية للخلافات السياسية الصومالية، ومن ثم لديه أي المجتمع الدولي نسبة نجاح عالية محتملة لجهوده هذه، وذلك لتوفر عدّة أمور أهمها:
1.أن جهود المجتمع الدولي غالبا ما تأتي بعد فشل الجهود المحلية الداخلية الساعية إلى إنهاء الخلاف، فمحاولة منه لتصدي استفحال الأزمة وتفاقمها يتدخل المجتمع الدولي بثقله السياسي والدبلوماسي بل والاقتصادي في دفع جميع الأطراف نحو التنازل من أجل الوصول إلى اتفاق، مستخدما في ذلك جميع وسائل الترغيب والترهيب المتوفرة لديه.
2.أن المجتمع الدولي رغم اعترافه بالحكومة الفيدرالية واحترامه لسيادتها على البلاد، إلاّ أنه غالبا ما يقف موقف الحياد إزاء القضايا السياسية الداخلية المثيرة للخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية والقوى المعارضة الأخرى مما يؤهله لعب دور الوسيط لنيله ثقة الأطراف السياسية الصومالية.
3.أن معظم تدخلاته الإصلاحية السابقة قد كللت بالنجاح، وما سلسلة المؤتمرات التشاورية في دوسمريب ومقديشو خلال شهري يوليو وسبتمبر 2020م، إلا ثمرة من ثمار جهود المجتمع الدولي الّذي أقنع الأطراف على الحوار والتفاوض من أجل تجاوز التحديات التي قد تعرقل مسيرة بناء الدولة الصومالية.
وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن بعض المحللين يرون أن المساعي الدولية الجارية في سبيل تسوية الخلافات السياسية بشأن الانتخابات الصومالية القادمة سيكتب لها النجاح، إذا استمر التجاوب الّذي تبديه الأطراف الصومالية في المرحلة الراهنة إلى جانب مواصلة الأسرة الدولية لمساعيها المتعدّدة في إنهاء الخلاف الصومالي.
وعلى الرغم من هذا الاعتقاد لدى الأوساط السياسية والاجتماعية، إلاّ أن هناك من يعتبر جهود الأسرة الدولية تقليلا للجهود الصومالية الصومالية، وغيابا للقرار الصومالي المستقل في حلّ الأزمات الداخلية، وفي هذا المجال يقول عبدالرحمن يوسف عينتي وزير التخطيط الصومالي السابق وأحد مؤسسي معهد هيرتيج للدراسات، في منشور له على صفحته في الفيس بوك: “إنها المرّة الثانية التي يدعو فيها الرئيس فرماجو خلال 6 أشهر إلى عقد اجتماع تشاوري، بعد تعرضه لضغوطات دولية تتمثل في رسائل سفراء الدول الأجنبية لدى الصومال، ذات الطابع النقدي أو التهديدي مما يعني دحرا لكبرياء الصومال وانتقاصا لهيبة الحكومة الفيدرالية بشكل عام وهيبة الرئيس بشكل خاص، لقد كان حلم كل مواطن صومالي أن يرى الرئيس وهو يحاوررعيته ويستمع إلى شكاويهم ويتشاور معهم في إيجاد حلّ لها، دون تدخلات الأسرة الدولية، لكن للأسف لم تتحقق هذه الأمنية“!