أزمتا النزوح والجوع
اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة أزمات متعددة الأوجه فاقمت من مآسيه، متسببة باختلال النظام العالمي برمته، وجاعلة مئات ملايين البشر في دائرة خطر الموت جوعاً، ومجبرة عشرات الملايين على ترك ديارهم، بحثاً عن الأمن والغذاء، اللذين أضحى الحصول عليهما ليس بالأمر اليسير، في ظل تفاقم الصراعات العالمية وخصوصاً الحرب الأوكرانية -الروسية، وتقلبات المناخ التي أثرت في الإنتاج العالمي من المحاصيل الأساسية، واستمرار جائحة «كورونا»، إضافة الى اختلال سلاسل التوريد، بفعل الاضطرابات في دول صناعية وزراعية.
تقارير دولية رصينة حذرت من أمرين خطيرين يزيدان العالم تأزماً، الأمر الأول هو أزمات اللجوء والنزوح في العالم، حيث وصلت أعداد تاركي منازلهم نحو 100 مليون، وهو رقم مهول، والأمر الآخر، عدم قدرة مئات ملايين البشر على توفير غذائهم.
فمنظمة الأغذية والزراعة الأممية وبرنامج الأغذية العالمي وجها تحذيراً صارخاً من وجود عدد من الأزمات الغذائية الوشيكة بفعل الصراعات والصدمات المناخية وتداعيات الجائحة والعبء الثقيل للدين العام، والتي تتفاقم بسبب تأثيرات الحرب في أوكرانيا، ليتسبب ذلك في زيادة كبيرة في أسعار الأغذية والوقود في العديد من بلدان العالم.
ودعا تقرير مشترك للمنظمتين إلى اتخاذ إجراءات سريعة على صعيد العمل الإنساني في 20 من «البؤر الساخنة للجوع»، ومنها دول عربية عدة، من أجل إنقاذ الأرواح وسبل الوقاية من المجاعة.
وأشارت أيضاً إلى أنه من المتوقع أن يتفاقم الجوع الحاد من حزيران/ يونيو إلى أيلول/ سبتمبر 2022.
التحذير تبعه آخر صدر على لسان المفوّض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأمم المتّحدة فيليبو غراندي، من أنه إذا لم يتمكن العالم من حل الأزمة الغذائية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، فإن أعداد النازحين قسراً عن ديارهم ستتخطى بكثير الرقم القياسي الذي سجل أخيراً وبلغ مئة مليون نازح، وطالب بوضع حد لانعدام الأمن الغذائي، وإلا فإن التداعيات ستكون مدمرة.
ومع دق المنظمات الدولية ناقوس الخطر، لا يبدو أن الدول الكبرى تتخذ خطوات ملموسة في تخفيف التوترات العالمية التي كان لها حصة الأسد في ارتفاع منسوب الجوع، بل إنها ما زالت تؤججها، بدءاً باستفزاز روسيا، ودفعها إلى خوض حرب ضروس في أوكرانيا، وليس انتهاء بمحاولة فتح جبهة جديدة مع الصين، التي في حال خاضت حرباً على تايوان، فإن العالم سيكون قد وقع في واد سحيق يصعب انتشاله.
معظم التقارير الدولية غير متفائلة بالسنوات المقبلة، على صعيدي اللجوء والغذاء، فإلى جانب الصراعات والوباء ثمة احترار مناخي، تسبب بالجفاف في العديد من الدول وقضى على محاصيلها، وفي دول أخرى أثار مجموعة كبيرة من الأعاصير، فضلاً عن حرائق تنهش أوروبا والأمريكتين وأستراليا، وما قد يحدثه ذلك من تأثير في الثروات الزراعية الحيوانية، ودفع المزيد من موجات اللجوء والجوعى في العالم.
المستقبل المنظور يحمل في طياته مخاطر تهدد البشرية جمعاء، فهل يضع قادة العالم في حساباتهم مآلات الشعوب والأجيال المقبلة، أم أن مصالحهم فوق كل اعتبار؟.