كتابات راي

الصومال وتصاعد الإرهاب

أخذت العمليات الإرهابية التي تشن على أهداف مدنية وعسكرية بالمدن الرئيسية في الصومال منحى تصاعدياً، مع تكثيف حركة «الشباب» الإرهابية هجماتها؛ بغية إرباك الحكومة التي تحاول بسط سيطرتها على أراضيها، وما يتبع هذه السيطرة من تضييق على الحركة التي تشدد قبضتها على مناطق شاسعة من جنوب ووسط البلاد.

حركة «الشباب» لم تكن وليدة الصدفة؛ بل إنها ولدت من رحم حرب أهلية لم تتوقف منذ عام 1991؛ حيث استفادت من الزخم الحربي، والفقر، والموت، والمجاعات، في أدلجة الشباب الصومالي، والزج بهم تحت لواء تنظيم «القاعدة» عام 2004، لتبدأ تدشين عنفها المسلح ضد أهداف الحكومة في 2007، ومنذ ذلك الحين؛ قامت بتنفيذ هجمات راح ضحيتها الآلاف؛ بل في أحيان كثيرة تمكنت من السيطرة على مناطق استراتيجية؛ بسبب ضعف الحكومة المركزية في صد هجماتها أو الوقوف في وجهها.

وعلى الرغم من أن الحكومة التي يقودها مهدي محمد غوليد، خلفاً لحسن علي خيري، تسعى بخطى ثقيلة لإرساء قواعد حكم رشيد؛ عبر تنظيم الانتخابات بداية العام المقبل، لوضع أسس نظام قوي يرتكز على وحدة جميع عشائر وإثنيات وطوائف وولايات الصومال، ويمكن من خلاله محاصرة «الشباب» تمهيداً لتجفيف منابعها، فإن ذلك يبدو صعباً مع حالة التفكك بين أقطاب السلطة، أو بين أقاليم البلاد؛ إذ إن الاقتتال الداخلي يقف حجر عثرة في وجه أي حكومة. وآخر فصول الاحتراب الداخلي قيادة رئيس الدولة محمد فرماجو، الذي يؤيد قيام دولة مركزية قوية تخضع كل ولايات الدولة لها، هجوماً على إقليم غدو التابع لولاية جوبالاند جنوب الصومال، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات؛ بسبب استخدام القوات المسلحة الصومالية في هجوم ذي دوافع سياسية، وتشديدها على أن ذلك أمر غير مقبول، ويحول الموارد المخصصة للعمليات الأمنية عن خريطة الطريق المتفق عليها في مكافحة حركة «الشباب».

تتزامن الحروب الجانبية التي حرفت البوصلة عن التصدي لهجمات «الشباب»، مع الاعتراف الرسمي بالفشل الأمني الذي جاء على لسان رئيس البلاد، باتهام الحكومة الفيدرالية بالتقصير الأمني؛ إذ إن الصومال تشهد يومياً عمليات اغتيال؛ بل إن الإرهاب أضحى يبادر إلى ضرب العمق؛ لشل مفاصل الدولة ومراكزها الاستراتيجية خصوصاً في مقديشو. وعلى الرغم من الضغط الأمريكي العسكري والتقني في محاربة الحركة، وتمكن «الدرون» من اصطياد عدد من قادتها وعسكرييها، فإن تدخلها يبقى قاصراً على الصعيد الاستراتيجي، في ظل حالة الفوضى والفساد المستشري في صفوف قوى الأمن، والارتياب بين الحكومة المركزية والولايات الاتحادية.

لكن يبقى الأمل معقوداً على الانتخابات المقبلة، في توحيد البيت الداخلي بالجنوح إلى الصلح، ثم الاصطفاف عسكرياً وبدعم من بعثة الاتحاد الإفريقي؛ لوضع حد للحرب الأهلية التي أعادت الصومال سنوات إلى الوراء.

وضع حد لأوزار حرب استمرت 30 عاماً ليس سهلاً؛ لكنه ليس مستحيلاً إن نحيت المصالح الفردية على حساب مصلحة الدولة والناس، وتم إنشاء جيش مؤسساتي؛ يدافع عن أراضي الصومال ضد تغولات الدول والإرهاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق