لا موطئ قدم لحركة الشباب في أرض الصومال
زادت وتيرة عمليات حركة الشباب في الصومال بشكل مطرد، وذلك رغم التصعيد المأسوي لضربات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة في الصومال أخيرًا. ففي شهر يوليو فقط، استهدفت حركة الشباب قائد الجيش الصومالي وشنت هجمات على خمسة أهداف مختلفة في يوم واحد. وقد تضمنت الأهداف إحدى القواعد المحصنة التي كان يحميها جنود إثيوبيون ومعسكرًا تديره قوات كينية.
ونتيجة للضغوط المتزايدة من جانب الولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، فإن قدرة “الشباب” على التخطيط وتنفيذ عمليات بدت معقدة ضد أهداف محصنة. وفي الواقع، ظهرت مؤشرات تؤكد أن حركة الشباب تكتسب قدرات وتكتيكات جديدة بمرور الوقت مثل استخدام الطائرات بدون طيار التي تعمل بشكل يدوي.
كما فشلت حركة الشباب في ترسيخ وجود دائم لها في جمهورية أرض الصومال التي لا يعترف بها رغم تمتعها بالحكم. وفي المقابل، تتمتع حركة الشباب و”داعش” بحرية عملياتية كبيرة في دولة بونتلاند الصومالية المجاورة.
وتسعى حكومة أرض الصومال لتصحيح مواطن الخلل في ميزانيتها العسكرية التي يبدو أن مشاكل تتمثل في الأخطاء المحاسبية، لا سيَّما عند المقارنة بين ما تنفقه وما يقدمه لها الداعمون الدوليون. لا تعتمد جمهورية أرض الصومال على القوات الأجنبية حيث لا يُسمح للولايات المتحدة بشن هجمات بطائرات بدون طيار في هذه الجمهورية غير المعترف بها. ومع ذلك، فقد حققت أرض الصومال، بمواردها المحدودة، ما فشلت القوات العسكرية لكينيا وتركيا وإثيوبيا والولايات المتحدة في تحقيقه في الصومال الكبير. فقد حرمت حركة الشباب من الحصول على أي موطئ قدم لها.
هنا يثار تساؤل بسيط وهو: كيف حققت أرض الصومال هذا؟ وللإجابة عن ذلك يمكن الإشارة أولاً، إلى أن هذه الجمهورية تتمتع بحكومة تستجيب نسبيًا لاحتياجات ومطالب مواطنيها. وبالتالي، فعلى الرغم من الانقسامات السياسية المتزايدة، فإن معظم سكان أرض الصومال يؤيدون ويثقون بممثليهم المنتخبين وكذا الرئاسة. ثانيًا، وبشكل أكثر مباشرة، يشكل الذكاء البشري حجر الأساس لاستراتيجية أرض الصومال لمكافحة الإرهاب. فالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي تتوفر لديها في الوقت المناسب تسمح لها بالاستجابات السريعة للتهديدات الناشئة عن العلاقات الرسمية وغير الرسمية الوثيقة بين الجيش وجهاز المخابرات في أرض الصومال والمناطق الأكثر عرضة لحركة الشباب.
كما يعدُّ الدعم المحلي المتوفر عن طريق المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب من بين العوامل الحاسمة في معركة أرض الصومال ضد حركة الشباب. ومن دون ذلك، قد يكون بالإمكان أن يتسلل عناصر “الشباب” إلى البلدات والقرى الضعيفة، وفي أغلب الأحيان، يؤسسون وجودًا ثابتًا.
إن قدرة حركة الشباب على الاندماج في المجتمعات تبدو واضحة في أجزاء من الصومال وأرض الصومال أيضًا، حيث توفر في كثير من الأحيان إمكانية أكبر للتنبؤ، كما أن ذلك يساعد على توفير مناخ أمني أفضل. وعلى الرغم من التكتيكات القاسية والأيديولوجية التي تنفر معظم الصوماليين، تتمتع حركة الشباب بدعم حقيقي. كما تستخدم حركة الشباب أجهزتها الاستخباراتية والأمنية القادرة المتماسكة، للقضاء على من يعارضها وإبادتهم. ومثل كل الجماعات المتمردة والإرهابية الناجحة والدائمة، تدرك حركة الشباب أن العلاقات المستمرة مع النخب المحلية التي توفرها ضرورية بالنسبة لها.
هناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم في مضاعفة القوة وتحد من التكاليف لأدنى حدودها، وهي تلك العوامل التي لا تعتمد على التقنيات الحربية بقدر ما تركز على التداخل مع المجتمعات المحلية المستضعفة.
إن المسؤولين عن الخدمة العسكرية والاستخباراتية في أرض الصومال، يدركون جيدًا أهمية العوامل الاجتماعية والبشرية، وتحديدًا دور العمل الاستخباراتي. وهو ما يوجه معظم جهودهم لمكافحة الإرهاب، كما أن ذلك يسمح لقواتهم العسكرية والشرطية الصغيرة التي تعاني من نقص مزمن في التمويل بالقتال بنجاح مع حركة الشباب.
ويعطي جهاز المخابرات الوطنية في أرض الصومالوضباط المخابرات التابعين للجيش والشرطة، الأولوية للجهود التي يقودها المجتمع لرصد وتقييم التعديات المحتملة من قبل حركة الشباب. ويعتمد جمع المعلومات الاستخباراتية على الشبكات الرسمية وغير الرسمية أيضًا. وتشمل هذه الشبكات شيوخ العشائر والشرطة المحلية والتجار وحتى تجار القات.
إن المعلومات حول الوافدين الجدد إلى البلدات والقرى، أو أي نشاط لا يتناسب مع الأنماط المقبولة، يتم نقلها عبر سلسلة القيادة إلى السلطات في العواصم الإقليمية أو العاصمة الوطنية. وعادة ما تكون استجابات الشرطة والجيش للتهديدات دقيقة بشكل ملحوظ وفي الوقت المناسب، وتكون مصممة بشكل حاسم للديناميكيات الاجتماعية والسياسية المحددة للمنطقة المعرضة للخطر.
وفي الحقيقة ظهر هذا النوع من الاستجابة في أواخر عام 2019 عندما دخل عناصر حركة الشباب منطقة “سناج” شرقي أرض الصومال. وتشترك “سناج” في حدود مع بونتلاند، وباعتبارها واحدة من أقل المناطق نموًا في أرض الصومال، فهي معرضة بشكل خاص لتسلل حركة الشباب. فتضاريس المنطقة، التي تشمل الجبال الوعرة والمياه الجيدة والساحل الطويل، تجعلها جذابة لحركة الشباب.
خلال شهر نوفمبر 2019، أرسلت حركة الشباب مقاتلين عبر الحدود مع أرض الصومال واحتلت لفترة وجيزة بلدتين تقعان في “غاروف هيلز”. وفي غضون ساعات من التوغل، بدأ المسؤولون داخل الجيش الإسرائيلي وجيش أرض الصومال ردًا على حشد الميليشيات المحلية واختيار وحدات الشرطة والجيش. وقد نسقت وحدات الشرطة والجيش جهودها مع جهود الميليشيات المحلية، التي دقت ناقوس الخطر أولاً بشأن التوغل من أجل طرد عناصر حركة الشباب. وحتى الوقت الحالي لم تعد حركة الشباب إلى هذه المنطقة أو على الأقل ليس بشكل علني. رغم أن الكيانات التابعة لحركة الشباب لا تزال تحتفظ بشبكتها الخاصة من المخبرين في أرض الصومال.
ولا تمتلك القوات المسلحة لأرض الصومال طائرات، وحتى مركبات النقل فيها تعاني من نقص في المعروض. كما تكافح الحكومة لنشر الجنود والشرطة بسرعة في الأماكن المطلوبة، وخاصة في المناطق ذات التضاريس الوعرة والقليل من الطرق.
ولا تزال العلاقات الوثيقة مع قادة المجتمع هي الطريقة الأساسية للحكومة للتعويض عن أوجه القصور هذه، بل إن البعض داخل حكومة أرض الصومال اقترحوا إحياء الدوريات الخيالة كوسيلة لزيادة حركة القوة والحفاظ على انخفاض التكاليف. وللتعويض عن الميزانيات المحدودة ونقص وسائل النقل والقوى العاملة المحدودة، بات من المتعين على حكومة أرض الصومال الاعتماد على العلاقات التي تبنيها على المستوى المحلي. وفي حين أن هذا النهج يبدو مدفوعًا جزئيًا بالقيود المفروضة على الموارد، إلا أنه يعدُّ أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم قيام حركة الشباب بعد بتأسيس موطئ قدم لها في أرض الصومال.
إن الوسائل التي تعتمد عليها أرض الصومال والعلاقات الجيدة التي تتمتع بها أجهزتها العسكرية والاستخباراتية مع المجتمعات في جميع أنحاء البلاد، تمثل إحدى الإيجابيات التي يتسم بها نهجها في التعامل مع أزمتها مع الواقع المحيط بها. ففي حين تشن حركة الشباب هجمات أكثر جرأة من أي وقت مضى على القوات العسكرية المجهزة تجهيزًا جيدًا في كينيا وإثيوبيا وحتى الولايات المتحدة، يمكن الاستفادة من الجهود الأخيرة لمكافحة الإرهاب في أرض الصومال. بل إنه من المفارقات أن موارد أرض الصومال المحدودة تجبرها على اتخاذ قرارات أفضل من الصومال المجاورة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيمس تاون