كتابات راي

العرب يملكون كل شيء ولا شيء

ماديا لا ينقص العرب شيء لكي يكونوا أمة متقدمة، مهيمنة يخطب الآخرون ودها ورضاها. ولكن كل شيء في حياتهم، الظاهر منها والباطن يوحي بالتخلف. وأي نوع من التخلف؟ ذلك التخلف الذي ما من أمل في نهايته والقضاء عليه. ليس كابوسا لنستيقظ فينقضي. ليس أزمة مؤقتة تمر فتُنسى. قدر صار جزءا من الفلكلور المحلي. 

وليس مفاجئا أن يحتل الدفاع عن مظاهر ذلك التخلف حيزا كبيرا في ثقافتنا. ألا تُنفق أموال طائلة على طقوس توصف بأنها دينية فيما هي في حقيقتها نوع من التشبث بأذيال التخلف، حين تُغلق أبواب العقل وتنطلق غرائز ما قبل الإنسانية ولا مجال للجدل في شرعية تلك الاحتفالات الجنائزية التي تُغلف بقدسية طائفية هي الممر المناسب للذهاب إلى الحر. 

ولكن هل يُعقل أن هناك أمة ثرية يكره أفرادها بعضهم البعض الآخر مثلما يفعل العرب؟ الكراهية تنسف كل شيء. لا أقصد هنا المحبة وحدها بل كل ما يحث الإنسان على فعل الخير ومنه العمل. إما أن نكره وإما أن نعمل. عبر العقود الأربعة الأخيرة انتقل الشباب العربي من مجال حب العمل إلى فضاء الكسل والاسترخاء المريض. لقد فجعت حين اكتشفت أن المقاهي في مدن عربية عديدة تكتظ منتصف النهار أي في ذروة ساعات العمل. 

شباب عاطل عن العمل وفقير ويائس من نفسه وساخر من المجتمع وناقم على التاريخ لا يثق بأحد وهو لا يثق بنفسه أيضا ومغرور إلى درجة أنه لا يرى عيوبه ومثالبه، ويكتفي بالنظر إلى الآخرين باعتبارهم خصومه، ولا يعرف ما هي الجهة التي دفعت به إلى الغرق في مشكلات غادرها العالم منذ زمن طويل ولم يعد لها وجود إلا على مستويات فردية نادرة. فلا أحد من شباب العالم يعيش حالة الضنك والسخط والكراهية والفزع والخوف وصولا إلى الجنون التي يعيشها الشاب العربي. 

أموال مهدورة 

ولكن لمَ لا يقوى الشاب العربي على تحديد الجهة المسؤولة عن إهماله وإفلاسه وتدني قيمته وإصابته بمرض الهجرة؟ نحن أمة لا ننفق على المكتبات شيئا من أموالنا التي لا تمكث في خزائن الدولة إلا زمنا قصيرا، بعده تعود الخزائن فارغة وتلجأ الحكومات إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي. أليس عارا أن يفكر العراق في اقتراض أربعة مليارات دولارات مثلا فيما تصل وارداته من النفط حوالي المئة مليار دولار؟ ترى ما الذي يفعله العراقيون بتلك الأموال إذا كان أكثر من ثلاثين في المئة من الشعب العراقي الذي يبلغ تعداده حوالي ثلاثين مليون نسمة يقع تحت خط الفقر؟ 

الأمية الثقافية هي واحدة من أهم علامات التخلف. 

مثقفون لبنانيون “كبار وحداثويون كما يتم استعراضهم” ينظرون بعيون منبهرة إلى حسن نصرالله وهو يبصق في وجه الحضارة الحديثة بأتفه وأسخف نظرياته عن المقاومة فيما هم يعرفون أنه مجرد خادم لأكثر أنظمة العالم السياسية تخلفا وانحطاطا. ما معنى ذلك؟ العناد؟ لقد أفلس لبنان وهو البلد المؤهل للعيش في حرير السياحة العربية. السياحة في لبنان بالنسبة إلى العربي ليست كالسياحة في أي بلد أوروبي. هذا ما عرفه اللبنانيون عبر عقود من الزمن يوم كان لبنان واحة للحرية. ولكن حزب الله وضعه على جمر لم يكن قدره وهو ما يرغب فيه أعداء لبنان. أتخسر إسرائيل شيئا لو أن لبنان غدا من غير كهرباء ولا خبز ولا ماء ولا دواء؟ 

ولكن ما الذي تربحه إسرائيل أيضا؟ 

لقد غلبت المقولات الجاهزة على التفكير حيث يعتبر الكثيرون المغرب والجزائر وتونس وحتى مصر وسوريا دولا فقيرة. مَن قال ذلك؟ كل ذلك ليس صحيحا. تلك الدول ليست فقيرة ولكنها تفتقر إلى نظام اقتصادي يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية. لا تليق شبهة الفقر بأي دولة عربية ولكن ما يحدث على أرض الواقع يفوق ما يمكن أن ينتجه الخيال المقلوب. اليابانيون يضعون أيديهم على التراب فيتحول إلى ذهب أما العرب فإنهم يضعون أيديهم على الذهب فيصير ترابا. هل هذا صحيح؟ 

يكمن السر في الفساد. هل نحن الأمة الأكثر فسادا في العالم؟ 

سؤال لن أقوى على الإجابة عليه. غير أن كذبة مسؤولية إسرائيل عن انهيار الخدمات في واحدة من ضواحي بغداد تكشف عن أن الفساد في بلد كالعراق قد اجتاز الحدود الماراثونية. لقد اعتاد العرب إلقاء تبعة تخلفهم على إسرائيل. لست معنيا بالبحث عن أسباب براءة إسرائيل ولكن الأموال التي خُصصت للخدمات لم تسرقها إسرائيل ولا عملاؤها. 

ذلك المثل الصغير يكشف عن أن العرب يملكون كل شيء إلا العقل. 

*كاتب عراقي 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق