كيف سينعكس تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة على المنطقة؟
حظيت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بمتابعة “كولسات” تشكيلها منذ تكليف رئيسها الجديد، بعد فشل نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، قبيل انطلاق حرب نتنياهو على غزة، والتي ربما تثبت الأيام “قريباً” أنها كانت مجرّد حرب شنها نتنياهو فقط في إطار حسابات داخلية انتخابية، لكنّ نتائجها كانت معروفة مسبقاً مع صمود المقاومة أنها ستطيح به، وهو ما تمّ فعلاً.
ردود الفعل تبرز أنّ هناك مبالغة في نشوء حالة من الإيجابية بالتغيير الذي تمّ في إسرائيل، ويبدو أنه غير مرتبط بتوقعات بانتهاج سياسات إيجابية ومتوازنة من قبل القيادة الإسرائيلية الجديدة، تجاه عملية السلام أو في الإقليم، بقدر إظهار ردود حول غياب نتنياهو عن المسرح السياسي والقيادة الإسرائيلية، بعد أكثر من 10 أعوام كان جوهر سياساته فيها افتعال الأزمات والحروب والتصعيد في المنطقة، بما في ذلك وضع العصي في دواليب عجلة السلام في المنطقة، وربما عكست ردود الفعل الصورة والسياقات ذاتها في الانتخابات الأمريكية بالرغبة العالمية بغياب الرئيس دونالد ترامب، دون بناء آمال كبيرة على منافسه “حينها” الرئيس الحالي جو بايدن، لا سيّما أنّ هذه المسألة، خاصة في الشرق الأوسط، تأخذ بُعداً خاصاً، إذ يعتمد التغيير على قناعات القائد أكثر من كونه نتاج مؤسسات مفترضة.
من المبكر بناء سيناريوهات حاسمة حول مستقبل الحكومة الإسرائيلية وقدرتها على اجتراح قرارات مصيرية تتعلق بالحل النهائي للقضية الفلسطينية والسلام في المنطقة
ورغم التقديرات التي تشير على نطاق واسع إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تختلف عن الحكومة السابقة كثيراً، ورغم أنه يقف على رأسها يميني متطرّف يؤمن بتوسيع الاستيطان، إلا أنّ المؤكد أنها ستكون حكومة أقل يمينية من حكومات نتنياهو، التي خضعت بالكامل لليمين الأكثر تطرّفاً، وافتعلت الحروب وجمّدت عملية السلام، وخاصة على المسار الفلسطيني، بما في ذلك السياقات التي جاءت فيها، وهي الاستجابة لمتغيرات دولية على رأسها التغيير في أمريكا بقيادة الديمقراطيين، وفشل نتنياهو في حرب غزة، وظهور تساؤلات وجودية لدى الإسرائيليين حول جدوى الحرب، بالإضافة إلى الاتجاهات العامة في المنطقة، التي تشير إلى أنها ذاهبة إلى تسويات كبرى، بما فيها التسوية مع إيران.
لعل من بين الأسئلة الكبرى المطروحة اليوم أنه إذا كانت الحكومة الجديدة ستكون أقلّ يمينية، فكيف ستتعامل مع الملفات المطروحة داخلياً وخارجياً؟ وفي تقديرنا، وارتباطاً بكونها حكومة ائتلافية، فلن يكون بمقدورها اتخاذ قرارات كبرى فيما يتعلق بالسلام والحرب، بل ستذهب داخلياً إلى محاولة إعادة وحدة “الشعب الإسرائيلي”، بما في ذلك الانقسام غير المسبوق والصدامات التي وقعت بين العرب واليهود، والتي طرحت تساؤلات حول التمييز الذي عززته سياسات نتنياهو، وحقيقة ديمقراطية إسرائيل.
إقليمياً، مؤكد أنّ الحكومة الجديدة ستبني على بعض سياسات نتنياهو، ولن تذهب بعيداً في مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، رغم أنها ستبدأ المفاوضات بضغط أمريكي وأوروبي، لكنها لن تصل إلى مرحلة الحلول النهائية، ارتباطاً بقناعات إسرائيلية ترسخت عبر أعوام بـ”موت” حل الدولتين، إلا في إطار عناوين السلام الاقتصادي وصيغة “أعلى من حكم ذاتي، وأقل من دولة”، أمّا بالنسبة إلى غزة وحماس، فيرجح أن تذهب الحكومة الإسرائيلية بطرح “العصا والجزرة”، بمعنى إبقاء خيار التلويح بشنّ حرب جديدة على غزة، واستئناف المفاوضات السرّية مع حماس، التي شهدتها عواصم أوروبية خلال قيادة نتنياهو الحكومة الإسرائيلية، وباستثمار عاملين: الأوّل إدراك إسرائيل رغبة حماس الحثيثة بالجلوس على طاولة المفاوضات بديلاً للسلطة الفلسطينية، أو بمشاركة معها، شريطة أن يكون ميزان القوى الفلسطيني التمثيلي لصالحها، والثاني: استثمار مشاركة الحركة الإسلامية في إسرائيل بالحكومة الجديدة، لفتح أفق لمسارات جديدة بالتفاوض مع حماس، ربما لا تحتاج معها “حماس وإسرائيل” للذهاب إلى عواصم أوروبية لإجراء المفاوضات.
مؤكد أنّ الحكومة الجديدة ستبني على بعض سياسات نتنياهو، ولن تذهب بعيداً في مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي ستحاول فيه الحكومة الإسرائيلية توسيع رقعة التطبيع مع دول عربية جديدة، والبناء على ما يمكن وصفه بإنجازات نتنياهو، باستثمار مقاربة أنّ في إسرائيل حكومة جديدة غير متطرفة، فيرجح أن تواصل الحكومة الجديدة استهدافها لإيران ووكلائها في سوريا والعراق، لكنها لن تصل إلى مستوى مواجهة مع حزب الله في لبنان، لأنّ حرباً بين إسرائيل وحزب الله لن تكون إلا بقرار إيراني، وفي إطار حسابات إيرانية ليست مطروحة اليوم.
وفي الخلاصة، فإنّ من المبكر بناء سيناريوهات حاسمة حول مستقبل الحكومة الإسرائيلية، علماً بأنّ أغلبيتها البسيطة ستبقى أحد أبرز المهدّدات لاستمرارها، وهو ما يفضي إلى تأكيد حقيقة عدم قدرتها على اجتراح قرارات مصيرية تتعلق بالحل النهائي للقضية الفلسطينية والسلام في المنطقة.
*كاتب أردني