إفريقيا بين الاستعمار والاستقلال
تعرضت قارة إفريقيا للاستعمار الأوروبي منذ بداية القرن الخامس عشر الميلادي، وعانت وذاق معها الإنسان الإفريقي تحت وطأته صنوف الاضطهاد والنهب والاستلاب الثقافي، وكانت الموارد الطبيعية والمواد الخام التي تزخر بها القارة السمراء هي السبب الرئيسي وراء تداعي الدول الأوروبية لاستعمارها وازدياد أطماعهم نحوها.
هذا وقد نشب تنافس شديد بين الدول الاستعمارية على اقتسام الكعكة ونهب الثروات الإفريقية، حتى عقد مؤتمر برلين المشئوم عام 1884م، حيث أصدروا منه قرارات مجحفة، واتفقوا بموجبه على مشروع استعماري بغيض، وعلى توزيع الأدوار فيما بينهم، وتفادي الاصطدام البيني.
وتعتبر الحرب العالمية الثانية من العوامل المؤثرة التي نبهت الأفارقة على المطالبة بحقوقهم المسلوبة، حيث تحركت فيهم أشواق الحرية، هذا وقد سطرت أروع البطولات من قبل رواد التحرر الوطني الأفريقي الذين اكتسبوا الوعي السياسي من خلال مشاركتهم في الحرب العالمية، والذين تزودوا أيضا بالقدر الكبير من الثقافة عبر احتكاكهم بأوروبا وزياراتهم المتكررة إليها، والتي أوضحت لهم الفرق الشاسع بين الإنسان الأفريقي البئيس التعيس المفتقر إلى ضروريات الحياة والأوروبي المرفه المنعم والموفر له الكماليات طبعا على حساب الأفريقي ومن مكتسبات خيراته المنهوبة وحقوقه المسلوبة، على ضوء هذه المعطيات انطلقت حركات التحرر الوطني من الاستعمار الأوروبي وبقيادة هؤلاء الأبطال الذين قدموا التضحيات الجسام، وبذلوا الغالي والنفيس، وخلدوا في سجل التاريخ مواقف لا تنسى ولا تمحى.
كما كرس هؤلاء الرواد جهدهم لكشف عظمة القارة وكنوزها الطبيعية أمام عيون الأفارقة لبناء وعي الشباب الأفريقي وتنويرهم ولفت اهتمامهم إلى قارتهم الواعدة، ومن أجل تخليص عقولهم من براثن الاستعمار ومضاعفاته، وتميز رواد التحرر بكفاحهم ضد الولاء القبلي بل بمطالبتهم بالتضحية بالقبلية لصالح الوطنية والقومية ما أدى إلى أن يعلوا صوتهم كل نعرات الاستعمار وأعوانه.
بفضل جهود قادة التحرر اندلعت الثورات الأفريقية، وتوالى استقلال دولها حتى أطلق على عام 1960م بعام أفريقيا، لكن وفقا للدراسات الإفريقية لم يلب هذا الاستقلال على تطلعات وتوقعات الأفارقة، وذلك بعد ما خذلت السلطات الأفريقية التي أعقبت الاستقلال مواطنيها في ملف الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية، وخيبت آمالهم في التنمية المستدامة، وتوفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة، حتى غدا عهد الاستقلال أكثر قسوة ووأشد سوءا من فترة الاستعمار في مجالات كثيرة.
وأبلغ دليل على ذلك أنه وبعد مرور ستين عاماً من الاستقلال ما زالت أفريقيا تعيش أنظمة شمولية تقوم على الحزب الواحد والزعيم الأوحد الذي يفرض إرادته على الجميع، أنظمة تمارس الهيمنة والاحتكار والعنف وقمع الحريات، للمحافظة على كياناتها السياسية وحكمها المستمر بعيد عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. كما لا تزال إفريقيا تعيش في خندق الصراعات الإثنية، وغياب الحريات العامة ناهيك عن افتقاد التطوير وتحسين الأوضاع الضروريين من خلال تكوين ذات الإنسان الإفريقي وتنمية مهاراته، وإكسابه أخلاقيات النهضة وأفكار التقدم ومقومات الشهود الحضاري، وذلك لإحداث التغيير الداخلي المنشود للوصول إلى تغيير الأوضاع والأحوال المطلوب، وليعتمد الأفارقة على أنفسهم وقدراتهم معتبرين بالماضي ومتسلحين بالمعرفة ومتطلعين إلى مستقبل أفضل حافل بالحلول الناجعة لأمراض القارة المزمنة.