الحل في الصومال ليس محصورا في مربع الانتخابات.. الصراع السياسي المستمر يعيق التنمية الاقتصادية
يمثل فشل المؤتمر التشاوري حول الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال، الجمعة الماضي، وعدم التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية في كيفية إجراء هذا الاستحقاق، الذي كان يفترض أن يجرى الاثنين، انتكاسة لجهود الحكومة الفيدرالية والمجتمع الدولي.
ويعطي هذا الشلل صورة واضحة عن الصراعات السياسية التي يذهب ضحيتها المواطنون، فهم يعيشون منذ ثلاثة عقود على وقع الهجمات الإرهابية جراء الفراغ الأمني وسوء إدارة الأزمة الاقتصادية فضلا عن دمار الاقتصاد، ما جعل بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر تبحث عن موطئ قدما لها هناك، وجعل القرن الأفريقي على صفيح ساخن.
إصرار على التشتت
يرجح المحللون أن يمدد الرئيس محمد فرماجو فترة ولايته عن طريق عقد جلسة مشتركة مع غرفتي البرلمان، ولكنه قد يواجه عقبة كبيرة من المجتمع الدولي الداعم للحكومة والذي يرى أنه من الضروري حل النقاط الخلافية لتفادي أزمة دستورية وخروج الأوضاع عن السيطرة.
وانهار النسيج المجتمعي في البلاد بسبب الصراع السياسي العشائري المستمر، والذي أعاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لما يقرب من ثلاثة عقود. فمنذ سنة 1991، تسببت الحرب الأهلية الصومالية، من بين أمور أخرى، في ظهور حالة من عدم الاستقرار السياسي والمجاعة والإرهاب.
واليوم، تنتقل البلاد من كارثة إلى أخرى. وتقول هودان عيسى أستاذة مساعدة فخرية في المالية والاقتصاد في جامعة بافالو سكول فور مانجمينت، وساجال بي. موسى العضو المنتدب لشركة “بي.أم.أتش” هولدينغ المتخصصة في التطوير العقاري في شرق أفريقيا واستثمارات الأسهم الخاصة في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إن “الضرورة تقتضي إنهاء تلك الدورة من الكوارث والصراعات، فالوقت قد حان لإحداث تغيير حقيقي، وعلى الصومال أن يبدأ بالاقتصاد”.
ومنذ أن أنشأ الصومال حكومة انتقالية عام 2000، كان السياسيون يفتقرون باستمرار إلى الإرادة لانتشال الملايين من الصوماليين من انعدام الأمن وعدم الاستقرار والخراب الاقتصادي. وبدلاً من ذلك، كانوا يصرون على إجراء حوار وطني مدفوع بالسياسات العشائرية، وللأسف وقع الشعب الصومالي فريسة لتكتيكاتهم.
ولا يمكن معالجة مشاكل الصومال الاقتصادية من خلال إسعاف السياسة، حيث ترى عيسى أنه بغض النظر عن انتخابات الرئاسة التي كان مقررا عقدها في الثامن من الشهر الجاري، فإن القادة الجدد يقع على عاتقهم واجب أخلاقي بالتوصل إلى إطار عملي للتنمية الاقتصادية المستدامة يعطي الأولوية للشمولية والازدهار المشترك.
ويرغب الملايين من الصوماليين المحرومين اقتصاديًا واجتماعيًا في الحصول على فرص التعليم وإطعام أسرهم والعيش حياة سلمية بكرامة، ويمكن تحقيق ذلك بالطبع، لكنه سيتطلب تفانيًا قويًا والتزامًا صادقًا من جانب أصحاب المصلحة في صنع القرار في البلاد، وهو أمر لم يشهده الصوماليون بعد.
ونظرا إلى تعدد الانقسامات التي تشوب البلاد، فإن إعادة إنعاش الاقتصاد الصومالي بما يعود بالفائدة على جميع المواطنين يعد أمرًا صعباً. وتشكل العشائر المكوّن الرئيسي للمجتمع الصومالي.
ومنذ عام 2000، كان نظام الصومال السياسي قائما على ترتيب لتقاسم السلطة بين العشائر الأربع الكبرى ومجموعة من العشائر الأصغر التي أدت إلى الدخول في حالة من الجمود السياسي والمزيد من الانقسامات. وبدلاً من امتلاك هوية جماعية وأهداف مشتركة، يهتم الصوماليون بخلافاتهم المتصورة مهما كانت غير مهمة.
وقد تضخم هذا الاتجاه بعد إضفاء الطابع الديمقراطي على الإنترنت، ورغم أن وسائل الإعلام قد لعبت دورًا إيجابيًا وهامًا في إعلام الصوماليين في جميع أنحاء العالم بالشؤون الوطنية، لكن قطاعات هامشية من وسائل الإعلام غالبًا ما تستفيد من الترويج للمعلومات المضللة وإثارة الانقسامات في البلاد، كما أن الصوماليين يستهلكون بشدة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وينشرون ما يريدون نشره.
خطوات عقيمة
خلال العقد الماضي، شهد الصومال العديد من التطورات الاقتصادية المشجعة شملت إنشاء ولايات إقليمية، مثل هيرشابيل، وجلمدج، وجنوب غرب الصومال، وجوبالاند في نظام تم تصميمه لإلغاء مركزية السلطة من الحكومة المركزية.
كما خضع الصومال لعملية تخفيف من عبء الديون الصارمة التي أشرفت عليها إدارات مختلفة بتوجيه من صندوق النقد الدولي لمساعدته على سداد التزامات قروضه.
وعلاوة على ذلك، شكلت الإدارات الثلاث السابق ذكرها مؤسسات مختلفة لتحل محل الإدارات القديمة من الوزارات الكبيرة إلى المؤسسات على مستوى المقاطعات، التي تم تدميرها خلال الحرب الأهلية. وتشمل هذه المؤسسات التعليم والرعاية الصحية وحماية المستهلك والمؤسسات العسكرية.
ولكل من تلك التطورات عيوبها، فعلى الرغم من الإجماع بشأن تشكيل ولايات إقليمية، فإن الافتقار إلى التماسك السياسي بين تلك الولايات والحكومة الفيدرالية لا يزال يعيق النمو الاقتصادي ويعيق ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
ويعتبر المحلل موسى أن تخفيف الديون ليس سوى حل قصير الأجل لن يساعد على نمو الاقتصاد وجذب نوع الاستثمار الذي يحتاجه الصومال، وبدلاً من ذلك ينبغي على الصومال أن يستفيد من موارده لجلب أصحاب المصلحة والمستثمرين على المدى الطويل.
ولا تملك المؤسسات الجديدة صلاحيات ورقابة واضحة. وفي الوقت نفسه، يحتاج القطاع الخاص إلى تنظيم أقوى لأن الصومال يعمل على مبادئ السوق الحرة التي أدت إلى مزيد من عدم المساواة، كما أنشأت المنظمات غير الحكومية مؤسسات موازية تعوق قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية. وتعطي الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد الصوماليين أسبابًا للتفاؤل، ولكن حتى الآن فشلت جهود الصومال لبناء مؤسسات قوية يستفيد منها.
ورغم أن البلد ينعم بوفرة في الموارد والصناعات، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن والتعدين والزراعة ومصائد الأسماك، إلا أن براعة ريادة الأعمال بين الرجال والنساء الصوماليين في جميع أنحاء العالم تستمر في التعايش مع الفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة، والجهل بالقراءة والكتابة، وارتفاع معدلات النزوح الداخلي وتدهور البيئة.
وفي عام 2015، كان 67 في المئة من الصوماليين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و29 عاما عاطلين عن العمل. وفي عام 2018، كان حوالي 62 بالمئة منهم أميين، كما يعيش ما يصل إلى 70 في المئة من الصوماليين في فقر، ويقدر أن أكثر من 2.6 مليون صومالي قد نزحوا داخل بلادهم.
وعندما يكون الوضع سيئًا لدى الصوماليين ككل، فإن المرأة تعاني بشكل خاص، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالعنف والتعليم وفرص العمل والحماية الاجتماعية.
وتعد النساء المساهمات الرئيسيات في الأعمال والمشاريع التجارية الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تشكل محرك اقتصاد البلاد، وغالبًا ما يكنّ هنّ العائلات لأسرهن ويلعبن دورًا محوريًا في عملية السلام كونهنّ يمثلن صوت العقل والمنطق. ومع ذلك، لم يتم تضمينهن في الحكومة أو السياسة بطريقة هادفة. وبدلاً من ذلك، يتحدث السياسيون عن “تمكين المرأة” هباء.
وعلى الرغم من أن السياسيين يتشدقون بمساهمة المرأة في المجتمع الصومالي، إلا أن النساء ليس لديهن مقعد سياسي، ويتم اتخاذ القرارات التي تضر بهن وبالأجيال القادمة التي يربّينها. وحاليا، تشغل النساء جزءًا صغيرًا من المناصب الحكومية وحتى أقل من المناصب المؤسسية.
وفي خضم الصراع السياسي، هناك أمل رغم أن العديد من الشباب الصوماليين لا يشعرون بهذا، لأن إمساكهم بالقلم بدلاً من البندقية لا تتم ترجمته إلى مصدر رزق مستدام.
وتقول عيسى إنه يجب أن يخدم الاقتصاد الصومالي الشباب حتى يتمكنوا من اكتشاف إمكاناتهم وأن يصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع بدلاً من أن يصبحوا عبئا مجتمعياً ويتم اصطيادهم في أنشطة مدمرة مثل الحروب العشائرية العنيفة والقرصنة والإرهاب والمخدرات.
سلبيات أكثر من الإيجابيات
نظرا إلى أن الإرادة السياسية هي جوهر أي خطة تنمية اقتصادية، يتعيّن على الصوماليين حث سياسييهم على إعطاء الأولوية لسياسات فعالة ومن ثم تنفيذها، ويجب أن يشمل ذلك تحديد السياسات الشاملة والنمو المشترك. وبغض النظر عن العمر أو الجنس أو العشيرة أو الانتماء السياسي أو المنطقة، يجب إدراج جميع مواطني الصومال في الأجندة الاقتصادية الوطنية.
وتحتاج النساء كذلك إلى أن يتم تمثيلهن في جميع أنحاء الهيكل الاجتماعي والاقتصادي للبلد، حيث يجب أن يحصلن على المزيد من المقاعد في البرلمان ومجلس الشيوخ ومجلس الوزراء، وكذلك في غرف مجالس الإدارة والأجنحة التنفيذية في القطاع الخاص.
وتتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في إنشاء حصة تخصيص 50 في المئة من الأدوار الحكومية للنساء، كما يجب على الحكومة أيضًا أن تضع حوافز للشركات لتوظيفهن وترقيتهن، ويجب أن يكون لدى الحكومة صناديق مالية لتمكينهن وتوفير رأس مال لهن لبدء المشاريع التجارية ومساعدة الشركات القائمة على الازدهار.
وبالمثل، يعتقد موسى أنه يجب أن يمتد النمو المشترك إلى جميع أفراد المجتمع وليس النخب فحسب، بل يجب أن تفيد موارد الصومال الشعب الضعيف، والذي يحتاج أيضًا إلى الاعتماد على شبكة أمان.
وسواء من خلال الإيرادات المحلية أو المساعدات الخارجية، تحتاج الحكومة إلى العمل جنبًا إلى جنب مع جميع أصحاب المصلحة (القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني) لتشكيل خطة تنمية اقتصادية تسمح للدولة بتحقيق أهداف تنموية محددة تساعدها على الخروج من الفقر.
ولدى طيف من المتابعين قناعة بأنه من الضروري أن تشمل هذه الأهداف، على سبيل المثال، الانتقال من اقتصاد قائم على الاستيراد إلى اقتصاد آمن مكتف ذاتياً من الناحية الغذائية، وتوفير وظائف التصنيع والوظائف التقنية، والاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم المجاني والجيد.
وفي حال عدم توفر ذلك، سيبقى الصومال فريسة للصورة النمطية للدولة الفاسدة. وسيستمر ذلك في الإضرار بصورة الدولة في جميع أنحاء العالم وسيعمل على تحويل الاستثمارات إلى دول أفريقية أخرى.
وبدون هذه التغييرات، لن يكون المجتمع الصومالي نموذجًا مستدامًا وسيكون هناك المزيد من الصراع الاجتماعي والاقتصادي. ولذلك، في الفترة التي تسبق الانتخابات وما بعدها، يجب على الشعب الصومالي أن يطالب قادته المستقبليين باعتماد الطموح والشجاعة لتعزيز السياسات الشاملة من خلال الوصول العادل إلى الفرص الاقتصادية التي ستعيد كرامة المواطنين.