الصحافة الصومالية بين الآلام والآمال
21 يناير من كل عام يحتفل الصوماليون بمناسبة يوم الإعلام الصومالي تخليذا لذكراه ومراجعة للتحديات الماثلة أمامه واستشرافا لمستقبل هذا القطاع الحيوي إلى جانب تكريم الأبطال الصحفيين الذي ضحوا أنفسهم من أجل الوطن وإعلاء قيمة الإنسان. وهذا اليوم نعتبره تاج على رؤسنا ووسام شرف على أكتافنا لكن الحالة التي تسود مشهد الصحافة الصومالية اليوم والظروف التي يعمل بها الصحافيون مأساوية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وتتطلب إلى جهد جماعي للمحافظة على الانجازات التي تم احرازه خلال السنوات الماضية ولإعادة النظر في الآليات والقواعد التي تتحكم قطاع الإعلام والاتصالات سواء فيما يتعلق بالجوانب المهنية والمجالات المؤسسية والقانونية.
مرت الصحافة الصومالية بمحطات متعددة وشهدت فترات كانت تحت سيطرة جهات حكومية ومدنية ذات فلسفات وايدلوجيات متباينة تستغله لخدمتها وتحقيق اجندتها الخاصة ابتداء من الإستعمار الذي يعتبر أبو الصحافة الحديثة في الصومال. لقد اتخذ الاستعمار وسائل الإعلام أحد أهم أدواته للهيمنة على عقول النخب الصومالية وتسخيرها للوصول إلى أهدافه الإستعمارية.
عانى الإعلام الصومالي في ظل الاستعمار صنوفا من القمع والتضييق وتقييد الحريات، فجرى في عهده ايقاق صحف ومنعها من الصدور مستخدما وسائل ناعمة وخشنة، مثل صحيفة قرن إفريقيا التي منع الاستعمار البريطاني من اصدارها بسبب تغردها خارج سرب الإستعمار ، وصحيفة حامل أخبار الصومال التي خرجت من المشهد نتيجة ضغوط سياسية واقتصادية، كما أن الاستعمار حاول في تغيير هوية وثقافة الصوماليين بإيدى موظفين أجانب تحمل ثقافات وهويات لا تمت للثقافة الصومالية بأي صلة وجعلهم على رأس الصحف والإذاعات تجسيدا لثقافة الغالب واجبار المغلوب- المولع أصلا بالاقتداء بالغالب – على الاستسلام وتبني سياسات الاستعمار ونشرها في داخل المجتمع الصومالي.
بعد الاستقلال لم يشهد الوضع الإعلامي في الصومال تغيرا ملحوظا، وبات ينتقل من سيطرة الإستعمار المباشر إلى ايدي الأحزاب السياسية واستخدموه في سبل تحقيق أجنداتها وحسم صراعاتها البينية الأمر الذي حال دون تطوير الصحافة الصومالية إلى أن جاء العسكر واستولى السلطة عام 1969 فأمم القطاع الخاص وصادر الحريات بما فيها حرية الصحافة، لكن في عهده تحققت انجازات مهمة تتمثل في، الإعلان عن كتابة اللغة الصومالية، ما افسح المجال أمام صدور لأول مرة في تاريخ الصومال، صحف وجرائد باللغة الصومالية، حيث كانت الصحف تكتب في الفترات الماضية أما باللغة الإيطالية و الانجليزية أو باللغة العربية، وأنشاء كلية الإعلام، ومعهد تدريب الصحافين، ودخول التلفاز في منازل الصوماليين، بالإضافة إلى انشاء وكالة الأنباء الصومالية ( سونا) ووكالة الأفلام المسؤولة عن انتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة ومراقبة واشراف الأفلام والمواد الإعلامية التي تدخل البلاد .
أما بعد الإطاحة بنظام سياد بري وانهيار الدولة عام يناير عام 1991 انفلت عقال الصحافة وأسيئ استغلالها وبدأت الصحف القبلية بالانتشار كالنار الهشيم منشورة معلومات مغلوطة واخبار منحازة ساهمت في تأجيح الصراع بين الصوماليين وإطالة أمده، ونشر الكراهية بين القبائل حتى بأتت كل قبيلة تملك صحيفة أو إذاعة لتهييج مشاعر أبنائها وتحريضها على القتال ضد العشائر الأخرى. ظل هكذا الحال حولي عشرين عاما إلى جاءت فترة المحاكم الإسلامية.
في عام 2006 تتبدلت الأمور في الصومال ودخل في المشهد السياسي تيارات اسلامية لم يألفها الشعب حاكمين هذه المرة وتولى السلطة في مقديشو وعدد من المناطق في جنوب البلاد ما كان يعرف في تلك الفترة بـ “المحاكم الاسلامية” وكانت قوة اسلامية فسيفسائية تطوي في أحشائها تيارات اسلامية متعددة الوجوه والاتجاهات، وسادت حالة من الهدوء النسبي في تلك المناطق ما ساهم في تغيير النمط الإعلامي في البلاد.
لكن لم تدم هذه المرحلة طويلا وسرعان ما تبددت أحلام المحاكم على أيدي قوات حكومة الرئيس الأسبق عبد يوسف المدعوم من قبل القوات الاثيوبية الا أن الإعلام الصومالي الخاص واصل تطوراته – وإن كانت بطيئة- وبدأ عام 2012 يتجه نحو المؤسساتية في ظل اختفاء عدد كبير من الصحف والإذاعات القبلية وحل محلها قنوات تلفزيونية ومواقع اخبارية إلكترونية تتناول الأوضاع بشكل أكثر تحضرا وتطورا غير أن هذا الانجاز النسبي يواجه في الوقت الحالي تحديات حقيقية تتمثل في غياب الحرية وضعف الآليات التي توفر الحماية القانونية للعاملين في حقل الصحافة بالإضافة إلى نقص التمويل والكوادر البشرية المؤهلة في المؤسسات الإعلامية الحالية الأمر الذي يعيق أداء مهامها بأكمل وجه.