ماذا يحمل العام الجديد للصومال؟
كان عام ٢٠٢٠ عام كورونا بلا منازع، عدو لا تدركه الابصار، فيجوب في الشوارع، ويتسلل الى البيوت، ويستقل السيارة، ويصعد الطيارة، ويصطاد في الجو كما يصطاد في البر، ويضرب الأمريكان كما يضرب الأذربيجان، ويسير في الهواء سريان الروح في الجسد، ويمتزج في النسيم امتزاج الراح بالماء، كمّم الأفواه والأنوف، وفرق الأحباب، والزم الناس المنازل، ووضعهم في حبس اجباري، فلا يفرق بين غني وفقير، ولا بين ابيض واحمر وأسود، ولا بين شيخ وشاب، فكلهم في البلية سواء، وكلهم من ضحاياه، فكم ترك من قلوب دامية، وعيون دامعة، وأكباد حرّى، وانين الثكلى، ولا يزال يحصد الارواح، ويضرب يمينا وشمالا، وكأنه قد اخذ على نفسه عهدا الّا يترك في الوجود احدا. قلوبنا مع الأصدقاء والأقرباء الذين فقدوا أحبابهم في خضم هذا الوباء.
لقد بقيت معظم عامي هذا رهين محبسين وحليف عزلتين، عزلة كورونا وعزلة الكتاب، فكانت الاولى بائسة يائسة محبطة، بقدر ما كانت الثانية ممتعة لذيذة منعشة، عزلة كورونا موت وعدم، وعزلة الكتاب حياة ووجود، انا اقرا فانا موجود، وكان الكتاب نعم الأنيس في مواجهة الوحشة الكئيبة للوباء، ولولا الكتاب فانني لست ادري كيف كنت سأقضي عزلة كورونا في محبسي. والحمد لله الذي حبب إلينا القراءة ورزقنا لذتها، وكل شيي بعدها يهون.
اما السياسية في الصومال في هذا العام فلا جديد فيها، شغب وفوضى وعبث، سياسة لا توجهها روية سياسية ولا مشروع سياسي، وانما المصلحة الشخصية او الفئوية، والصراع على اشلاء جثة دولة تنازعتها الاهواء. ساسة فاسدون مفسدون يصلون الى الكرسى بالرشاوى والفساد، ثم يدّعون انهم يحاربون الفساد ! وهل سمعت فسادا يحارب فسادا؟ طالما بقيت المحاصصة القبلية كأساس للنظام السياسي فلا نرجو خيرا من هذا المستنقع.
وقد كنت اقرا في نهاية هذا العام كتاب (مذكرات قاري)، وكان مما قرات فيه ان الرييس الامريكي كلينتون اشتهر بنهمه الشديد في القراءة، حتى اذا رأى الشعب كتابا يقراه ترتفع أسعار ذلك الكتاب، عحبت وضحكت ثم حزنت حينما كنت اقرا هذا الكلام، ووقع في خاطري الفرق بين هولاء وببن حكامنا، فقلما ترى حاكما يقرا عندنا، واذا قرا ربما لا يعدو ما يقراه التقارير الأمنية التي تبعث بها اليه اجهزة أمنه. فماذا تنتظر من رئيس لا يقرا الا ان ينشغل بزرع شعر رأسه او بربطة العتق ولون البدلة والحذاء اللامع، فترى الشباب يقلدونهم في ذلك ويتنافسون في زرع الشعر واقتناء البدلات.
وكان مما أزعجنا هذا العام مشروع التوبة، وماذا نفعل اذا اصبحت التوبة مشروعا؟ وكأنه لم يبق في ايدى بعض الجماعات الاسلامية من نفوذ الا الترصد لأحاديث الناس، والبحث عن زلة مقصودة او غير مقصودة، ومنزوعة احيانا من سياقها، ثم طلب التوبة من صاحب الكلمة عن طريق فيديو يبث على الهواء، او ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، فيجزع المسكين، ولا يجد مفرا الا الاذعان لطلب التوبة، وان كان لا يدري عن اي شيي يتوب ! ولو كانوا صادقين لطلبوا التوبة من الحكام الفاسدين الذين يدفعون الرشاوى للتربع على الكرسي ويأكلون اموال الناس بالباطل، ولتابوا هم انفسهم الى الله بدل ان يطلبوا التوبة من غيرهم. ولا يقبل الله التوبة الا مع نية صادقة من صاحبها عن اختيار وعزم لا عن طلب واضطرار. ذاك عبث بالسياسة، وهذا عبث بالدين.
عامكم سعيد جميعا ايها الأحباب، وارجو ان يكون عامنا هذا خيرا من سابقه.