الحركات الإسلامية الصومالية بين التصحيح أو الحل
نجح التيار الإسلامي الصومالي بفسيفسائه المتنوعة نجاحا باهرا في تحريك مشاعر المجتمع حيال الدين ونشر العلم وتثقيف الناس وجذبهم إلى ممارسة الشعائر الدينية والاهتمام بالدعوة وتأسيس معاهد ومراكز والتطلع إلى تحكيم الشرع في جميع نواحي الحياة وغير ذلك من المحاسن الكثيرة.
خمسون عاما أو أكثر مضت منذ ظهور أول نواة للحركات الإسلامية الصومالية، ومع ذلك لم تحظ بدراسة وافية عميقة تقارن بين إنجازاتها واخفاقاتها وموقع قوتها وضعفها، كما لم تستطع الحركات بإجراء مسخ داخلي ونقد ذاتي لمسيرتها الحركية ليعرف الناس أحوالها عن قرب.
الحركات عمل بشري يكتنفها عوارض كثيرة تكون سببا في ارتفاع رصيدها حينا وبهبوطه تارة أخرى، فإذا لم تجد من يتعاهد عليها بالنصح والتصحيح أو حلها بالكلية وتأسيس منبر ومنظومة أخرى تكمل المسيرة من جديد فإنها لا تستطيع أن تستمر بصورة صحيحة وناجحة.
نقاد التيار الإسلامي الصومالي مع ندرة وجوده لا ينشغل كثيرا في سرد إنجازاته لأن المشكلة لا تكمن في ترجيح كفة الانجازات على الأخطاء بل تنحصر في أخطاء مبعثرة من هنا وهناك لا يتفطن لها أو يستصغر بها ثم تتراكم وتتزايد حتى تصبح معضلة يستعصي حلها.
عندما تبرز مسألة تصحيح الحركات أو حلها يتعلل كثير من قياداتها بأن الوقت غير مناسب للحديث عن هذا الموضوع ، إما أن الحركة في حالة مطاردة من قبل السلطات أو في محنة واختبار أو قد تجاوزت مرحلة السرية والانطواء وتمارس عملها في العلن أو حققت انجازات كثيرة ، ولذلك لا داعي للتصحيح أو المراجعة فضلا عن حلها وإخراجها عن الخدمة، وما دام العمل مستمرا يبدو المستقبل مشرقا.
عندما يطرح موضوع الحركات هناك رأيان أحدهما يرى طي صفحاتها وحلها دون تردد ، ورأي آخر يحبذ بتصحيحها وتطهيرها وإزالة الغبار الذي علق بها دون اللجوء إلى حلها .
دعنا نعرض حجج الفريقين ونترك للقارئ الحصيف الترجيح بينهما:
يقول من يذهب بالتصحيح: قدمت الحركة الإسلامية الصومالية أعمالا عظيمة ومجهودا جبارا في نشر الدعوة وبناء المساجد وإغاثة الملهوفين، وانتشار التدين في ربوع البلد، ولولاها لاندثر الدين واختفى شعائره ، فهي الحصن الحصين والقلعة التي حفظت الإسلام وخرجت الملايين من حفظة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فأعمالها الجليلة ظاهرة للعيان في الداخل والخارج ، ولا ينكرها إلا جاهل أو حاسد .
وأما ما يقال عنها من أخطاء وتجاوزات، نعم ، عندها ، ولكنها تمثل بقعة صغيرة في بحر حسناتها وفضائلها ، وليس من الحصافة والرأي الصحيح الدعوة إلى حلها وتفكيك بنيتها وتفتيت جمهورها من أجل أمور تافهة لا يؤثر على انسيابية عملها ، ومن أراد تصحيحها أو إبداء ملاحظاته عليها سواء كان عضوا فيها أم لا ، فأبواب مسؤولي الحركات مشرعة لكل ناصح أو ناقد ، فليقدم ما عنده ، فهو مرحب به .
الدعوة إلى الحل معناها إهدار أعمال استمرت سنوات كثيرة ، وإبطال جهود علماء ودعاة أفنوا أعمارهم في إفادة المجتمع ، وليس من العدل والانصاف الدعوة إلى هدم بناية كبيرة من أجل أن بعض أبوابها أو غرفها غير صالحة للاستخدام، بل يجب أن يقتصر الأمر بإصلاح الخطأ دون التعرض لها .
ثم إن دعوة الحل يقف وراءها من لا يريد الخير للمجتمع ويريد اطفاء هذه الشعلة الصغيرة التي تتلألأ في وسط بحر مظلم يكتنفه الجهل والتأخر.
وأما من يقول بالحل : يجادل بأن الحركات الإسلامية الصومالية لا تعدو كونها اجتهادا بشريا ، فإن صلحت في زمن ومكان لا تصلح لجميع الدهر ، ومن الخطأ حمل الناس على ما لم يحمله الشرع ، فالديمومة للوحي فقط وما عدا ذلك فلا ينبغي أن يحوز بهذه الفضيلة .
فقد عرف العالم الإسلامي طوال تاريخه الطويل مدارس فقهية وعقدية ومعاهد ومدن علمية وحركات اصلاحية قامت بأعمال جليلة ولكنها اندثرت واختفت عن الوجود والأنظار ولم يبق منها إلا المآثر والمحاسن التي قامت بها، ولا أحد يجادل اليوم بإحياء هذه الحركات والمدارس التي سادت في وقت من الأوقات لأن صلاحيتها انتهت ، إذا فما يمنع الحركات أن تحل نفسها ما دامت لم يخلق لها للديمومة والاستمرار. وأمر آخر يجب الوقوف عنده هو أن الحركات الإسلامية الصومالية تعاني الشيخوخة الفكرية والقيادية ، ولذلك لم تستطع تطوير كوادرها القيادية وإتاحة الفرصة أمام الجيل الجديد في تولى المناصب العليا من أجل تجديد وتحسين النظام الإداري والدعوي ، وما زالت القيادات المؤسسة متمسكة على مواقعها القيادية وتقاوم كل دعوة للتغيير والتحديث وتعتقد بأنها تملك حق الوصاية والقيادة ما داموا على قيد الحياة ، والأسوأ من ذلك أن الحركات تحولت إلى مؤسسات عائلية يتوارث من غير اعتبار للدين والخلق ، فلم تعد مؤسسة عامة وإن تظاهرت بغير ذلك .
ومن عيوب وأخطاء الحركات غير المقبولة بأنها اختصرت الدعوة والدعاة بمن ينتمي إليها عضويا ، فكل من هو خارج عن إطارها وسيطرتها أعلنت الحرب عليه وصنفته من خصومها وأعدائها ، وجعلت مراكزها الدعوية والتعليمية حكرا عليها فقط .
وبسبب الممارسات غير المنطقية لبعض أعضاء الحركات أصبحت هدفا للحكومات المعادية للتيار الإسلامي وضيقت على الدعاة واعتبرت الأنشطة الدعوية نوعا من المعارضة ، وسدت الأبواب إلا من ترضى عنه الأنظمة القائمة ، ولأجل قطع الطريق على المتربصين للدعوة فلا سبيل لذلك إلا حلّ الحركات وإخراجها عن الخدمة .
لم تعد الحركات الإسلامية الصومالية كما كانت عليه من قبل بل انحصرت وجودها على رموزها فقط ، فهم الحركة والقادة والأعضاء والرسم والاسم ، وأما الأعضاء فقد ذهبوا شذر مذر ، وكل واحد منهم يتأسف إلى ما آلت إليه الحركات ، والملاحظ أن كل حركة انقسمت على نفسها ، وكل فصيل يدعي أنه الأصل وغيره مجموعة من الغوغاء لا يحظون باحترام من أعضاء الحركة .
والحقيقة الماثلة للعيان هي أن الحركات الإسلامية الصومالية لم تعد موجودة بالمعنى الحقيقي بل أصبحت جزأ من التاريخ ، ومن غير المعقول إشغال الناس بأمر مضى وانتهي ، وأفضل طريقة لتكريم الحركات تتلخص في تدوين تاريخها ومسيرتها سلبا وإيجابا ، وما عدا ذلك فهو ضرب من الخيال .
عندما يطرح موضوع الحركات الإسلامية الصومالية فمن الناس من يعتبر ذلك عدوانا على الحركات وانتقاصا لها لأنهم وضعوا الحركات في مصاف الدين وقواعده المعصومة ، فكل من انبرى لهذا الموضوع رموه بكل نقيصة ونصبوه بما هو بريء منه ، ومن الناس من يرى أن الأمر لا يعدو كونه أمرا عاديا وتقييما لعمل بشري يخطئ ويصيب .
وأخيرا هذا الموضوع يحتاج إلى مناقشة أعمق وحوار أوسع بين أبناء الحركات الإسلامية الصومالية من أجل شحذ مسيرة الدعوة بصورة أفضل وأحسن مما هي علي الآن .