أفريقيا في معاناة!
على مدى ستين عاما من الاستقلال ما هي استراتيجية افريقيا في مواجهة أوضاعها المتدهورة؟ ولماذا لم يقدم أجيالها الحلول المناسبة لحل المعضلة الأفريقية؟ وما هي العوامل الأكثر تاثيرا للتخلص من مشاكلها المزمنة؟ وهل ستبقى إفريقيا قارة المستقبل المجهول….؟ وهل توجد إمكانيات قارية تستطيع من خلالها الدول الإفريقية الانعتاق من هذا الحال نحو نهضة شاملة.
عند دراسة الواقع الافريقي تكمن المشكلة في الأسلحة المنتشرة في أفريقيا، وهنا يطرح سؤال إلى متى ستطل أفريقيا سوقاً واسعاً لصادرات السلاح العالمية؟ رغم أنها وصلت إلى مرحلة الرشد السياسي حيث يرى بن خلدون في مقدمته أن الدولة تمر بثلاثة تحولات كبرى في دورة حياتها الطبيعية كأي كائن حي فثمة طورُ التأسيسِ، وطورُ الصعودِ والعظمةِ، وطورُ الهرمِ والفناءِ والانهيارِ، ولكل من هذه الأطوار سمات وخصائص ملازمة في الغالب كما يتضح من تتبع تاريخ نشأة الدول .
وقد لفت أحد المفكرين الأفارقة إلى أن الدولة الأفريقية تنبع من ثلاثة عوامل أساسية: انفصالها عن سياقها التاريخي والحضاري فهي موروثة ومستوردة، ومنفصلة عن واقع وطموحات الكتلة العريضة من سكّانها فهي تعبّر عن مصالح فئات محدودة، ولا تستند إلى أساس أخلاقي سليم بسبب انفصالها عن تاريخ مجتمعها التقليدي، وبنائها على أصولها الاستعمارية، لتعكس الفلسفة نفسها والهيكل التنظيمي الذي اتصفت به عملية بناء الدولة في أفريقيا.
ونظراً للأزمات الافريقية المستمرة وقصور آليات التسوية فيها لا بد من اقتناع القائمين على أمرها بأن المشكلة في أفريقيا تتطلب تشخيص دائها بشكل دقيق لإيجاد مخرج من أزمتها التي لا تنبع غالباً من السياسات العقلانية الناضجة نحو بناء الدولة المؤسساتية في اطار دستوري نحو الحكم الرشيد النابع من الداخل الأفريقي ويضاف إلى ذلك أن تعترف افريقيا بأن معظم المشكلات التي تعاني منها حالياً لها علاقة مباشرة بميراث الفترة الاستعمار ية، وغياب القيادة الصالحة في القارة فضلًا عن شيوع الأنظمة الاستبداديَّة الموالية للقوى الخارجيَّة، وما يترتب عليها من تبديد لموارد تلك الدول لصالح النُّخَب الحاكمة.
ورغم معاناة القارة الأفريقية من ظروف معيشية سيئة خلاف القارات الأخرى،إلا أنها تمتلك العديد من الكتاب الذين قاموا بتسليط الضوء على وضع المجتمعات الأفريقية مثل الراحلة الكينية “وانغاري ماثاي” التي أشارت في كتابها ” افريقيا والتحدي” التحديات التي تواجه افريقيا وآفاق مستقبلها معرباً بأن النظرية تفاؤل عن امكانيات النهوض الأفريقي يقابله تشاؤم أخر يؤكد إلى التحديات الخارجية والداخلية التي تجعل مستقبل أفريقيا أمراً عصياً وقاتماً حيث أكدت وانغازي إلى التكالب الدولي على الثروات الطبيعية الأفريقية وفشل النخب الأفريقية الحاكمة في تحقيق غايات التنمية المنشودة.
ومن جانب أخر قدمت الكاتبة الدكتورة فائقة الرفاعي، الندوة في القاهرة ، 7 فبراير2015م، لمناقشة الكتاب ” الحلم الأفريقي” وعرضت فيه تطور الأوضاع في أفريقيا والتي لم تعد قارة مغلقة على فقرها وإنما عبارة عن دول ناشئة حديثة مليئة بالفرص الواعدة، حيث شرحت الكاتبة مدى الامكانيات التطور في أفريقيا من الفقر إلى الازدهار حاليا، إن وجد إرادة سياسية جديدة لدى قادة أفريقيا تدفع لتطوير بلدانهم إضافة لشرح الاستراتيجية الخاصة بتحقيق تنمية مستدامة في القرن الحالي وشروط تحقيق هذه التنمية والتي لخصتها في أن وثيقة ” نيباد ” أشارت إلى أن التجارب الأفريقية السابقة أثبتت أن السلام والأمن والديمقراطية والحكم السياسي الرشيد المعتمد على احترام حقوق الإنسان والإدارة الاقتصادية الرشيدة على المستوى الكلى ومستوى المؤسسات والأعمال هيٍِ شروط لازمة لتحقيق تنمية مستدامة”.
قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: إن افريقيا لا تحتاج إلى رجل قوى، بل تحتاج إلى مؤسسات قوية، ويمكن أن يكون الاتحاد الأفريقي أحد هذه المؤسسات، مؤكدا أن صعود أفريقيا مهم للعالم.
وعليه، فإن دراسة الأوضاع الأفريقية المعقدة تحتاج إلى نظرة ثاقبة حول إمكانية أن تتجاوز إفريقيا الاهتمام المحدود بالمكاسب الاقتصادية من أجل سد الفجوة بشكل أفضل بين “من يملكون” وهم قلة، والأغلبية “الذين لا يملكون”. في هذا السياق، سيكون من المهم بالنسبة للحكومات الإفريقية، وشركائها في التنمية أن تأخذ في الاعتبار أن الحقائق المعيشية اليومية لمعظم الأفارقة قد تكون عكس ما توحي به الروايات الكبرى والأرقام الإحصائية الجذابة المرتبطة بحديث النهوض الإفريقي.