الصومال الوطن الذي يعيش في داخلنا
كان الصومال محطة فارقة في حياتي و كان أكثر بلد قمت بغتطية احداثه ،الصومال و شعبه ،شعب جدير بالاحترام و التقدير و هذا البلد الذي انهار في عام 1991 و كانت أول تجربة مؤلمة ان يعيش شعب بدون دولة على اثر الحرب الاهلية التي اطاحت بالدولة المركزية لقد تابعت انكسارات هذا الشعب العظيم الذي تمكن من تحقيق قصة نجاح وقدم نموذجا من خلال المهاجرين الصوماليين الذين نجحوا في المهجر في امركيا و كندا و استراليا و نرويج و بريطانيا و ايضا استطاعوا ان يقدموا نموذج لشعب استطاع ان يميز نفسه في الصومال من خلال التحويلات والاتصالات في سيرتي و مسيرتي التي أضعها بين دفتي مذكراتي، وهناك بلدان و مؤسسات اعلامية وضعوا بصمة في حياتي ،و أشخاصاً لعبوا في حياتي دوراً عظيما، ووقفوا بجانبي، وآزروني، وأعانوني في أحوج الأوقات إلى من يأخذ بيدي، ويعينني في لحظات الشدة والضيق، والبحث عن أنيس أو جليس أو معين ـ بعد عون الله ـ ألوذُ به ،والصومال كانت محطة مهمة في تغطيتي الصحفية و قد التقليت باكثر رؤساء الصومال على مدى عقدين من الزمن ،واليوم أكتب مقتطفات مأخوذة من مذكراتي حول الصومال و اليوم اتناول تجربتي في الصومال و التعاطي مع الازمة الصومالية و احدث عن تجربة فتح اول مكتب اعلامي للاعلام العربي في عام 2000 في ظل تجاذبات معقدة بين دول الاقليم المؤيدة للصومال و المتمسكة بابقاء الصومال في دائرة الفوضى التي وقع فيها .
هذه الفقرة مقتبسة من مذكراتي تحت عنوان سيرتي و مسيرتي بحثا عن الحرية والحقيقة التي انجزت في عام 2017 ،هذه المرة اردت ان انشر مقتطفات عن اهم الاحداث في ا لصومال الذي يخطو خطواته بثبات نحو المستقبل
الصومال…لعنة الحروب والقبلية
عرفت بلاد الصومال الحالية لدى قدماء المصريين باسم “بنط” او “بنت” وهناك تشابه بين الرقص التقليدي الصومالي و بين نقوش فرعونية – رسوم تجسد مشاهد راقصة داخل معبد فرعوني ،هذه قد يتفق فيها البعض و يختلف فيها البعض ،لكن هذا يجسد ان الصومل منحوت في جذور التاريخ
ولقد كانت بلاد الصومال محط الانظار منذ زمن بعيد وذلك لوقوعها على المدخل الجنوبي للبحر الاحمر عبر باب المندب. وازدادت اهمية موقع بلاد الصومال بعد افتتاح قناة السويس في عام 1869م.وذلك ابان فترة تسابق القوى الاستعمارية انذاك للتوسع في مستعمراتها بافريقيا . حيث تعرضت الصومال لاستعمار بريطاني و ايطالي و فرنسي و هي الدولة الافريقية الوحيدة التي تعرضت لهجمة استعمارية اوروبية
و بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها , بدأت القوى الاستعمارية الاوروبية في الخروج من افريقيا، وعلى اثر ذلك خضعت بلاد الصومال للوصاية الدولية تحت اشراف هيئة الامم المتحدة. وبعد نهاية سنوات الوصاية العشر نال الصومال استقلاله . وفي تلك الفترة كانت ملامح العقد الثاني للقرن العشرين قد بدأت تتضح , في حين كان المد الثوري اليساري يستمد قوته من بتشكل منظومة الإتحاد السوفيتي وخروجه الى حيز الوجود، حيث تلاه انقسام العالم الى معسكرين، ولم تسلم إفريقيا الخارجة لتوها من اسر الاستعمار، من رياح المد الثوري الجديد فشهدت القارة ميلاد قادة وزعماء شباب جُدد مثل (باتريس لوممبا وكينياتا ونايريري ونكروما وسيكتوري وعبد الناصروسنغور ).
اما في بلاد الصومال , فبعد خروج القوى الاستعمارية ظهرت حركات قومية تدعو الى خلق كيان واحد “صومال كبير” لكل الصوماليين، إلا ان مجريات التاريخ سارت في مسار مختلف, فلقد تم الإعلان عن قيام دولة الصومال عام 1960م وذلك بعد توحيد شطري الصومال الشمالي والجنوب، وذلك بعد حصول الشطر الشمالي على استقلاله من بريطانيا.
ولقد اختارت جيبوتي الاستقلال، أما في كل من الاقليم الصومالي الاثيوبي “أوغادين”، ونظيره الكيني “أنفدى”، فلقد أندمج الصوماليون في النسيج الاجتماعي والثقافي لكل من كينيا واثيوبيا التي منحت الاقليم الصومالي وضعية اقليم ضم الاقاليم العشرة التي تتكون منها جمهورية اثيوبيا الفيدرالية و تعيش العلاقة بين الصومال و اثيوبيا عصرها الذهبي و ترتقي الى مستوى التحالف الاستراتيجي و يتصدر الصوماليون المشهد السياسي اليوم في الصومال حيث يتولى وزير المالية أحمد شيدي وهو منصب سيادي في الحكومة الفيدرالي و رئيس المجلس الفيدرالي آدم فرح هو من الاقليم الصومالي الذي قدم دعما قوي للاصلاحي رئيس الوزراء ابي احمد و لديهم علاقة شراكة استراتيجية ة مع ارتريا ،شهدت مؤخرا نقلة نوعية كبيرة على مستوى الرسمي ولكن العلاقة الارترية الصومالية علاقة على المستوى الشعبي علاقة مؤسسة مبني على اساس قوي و كان الصومال اقوى الداعمين للثوار الارتريين والمعارضة الاثيوبية التي تمكنت من اسقاط نظام منغستو و قد لا يختلف اثنان ان دعم الرئيس الصومال محمد سياد بري كان له اثر كبير في التغييرات التي شهدتها المنطقة الا ان تداعيات المواجهات العسكرية ودعم الرئيس الاثيوبي السابق للمعارضة الاثيوبية قد ادى الى انهيار الدولة المركزية في الصومال التي ظلت تحترق كالشمعة لتضيء للمنطقة
الصومال والثورة الاريترية
يمكنني القول بكل ثقة بأن للصومال مكانة خاصة في ضمير و ذاكرة أي اريتري عاصر فترة التحول. فالصومال كان أول بلد يمنحني جواز سفر يحمل أسمي وبياناتي الشخصية الحقيقية، ولم يكن الامر مقصورا على شخصي فقط، بل كان لاغلببية الارتيين كل قادة الثورية الاريترية انذاك يحملون جوازات سفر صومالية. والى جانب الثوار الاريتريين كان الصومال المأوى الآمن لكل من المعارضة الاثيوبية والمعارضة الجيبوتية.
ان الصومال في ستينات و ثمانينات القرن الماضي كان خط الدفاع الاول لكل المضطهدين في المنطقة , وتذكر أجيالنا تماما ان موقف الصومال تجاه الثورة الاريترية ظل ثابتا لايتغير، وذلك على النقيض من مواقف بعض دول الجوار الاخرى التي كان موقفها تجاه الثورة الاريترية متذبذبا وفقا “لترمومتر” المصالح السياسية، و تقلبات الانظمة. ولذلك فدفاعنا عن الصومال وأمنه وأستقراره هو بمثابة إلتزام اخلاقي.
هذا طبعا بالاضافة الى الدعم الذي قدمه الغرب لاثيوبيا بعد سقوط نظام منقستو. ومن الناحية الاخرى لم يكن شأن الصومال يعني الكثير للغرب. وتعود الاسباب الحقيقية لفترة طويلة قبل سقوط نظام سياد برى، حين تبنى الصومال نظام الديموقراطية التعددية الذي لم يدم طويلا في الصومال, بعد أن قام سياد برى بحل جميع الاجهزة والمؤسسات الديمقراطية بعد توليه مقاليد الحكم في الصومال .وكانت بداية الأزمة حين تم حل البرلمان وتجميد الدستور، وحل جميع الاحزاب السياسية، وتم إخضاع كافة بلاد الصومال لسيطرة سياد بري، لذا يمكننا القول بان الصومال كان أصلا في حالة انهيار حتى قبل سقوط نظام سياد برى، فقد كانت المؤسسات المدنية للدولة شبه غائبة، وكان هنالك نقص حاد في الخدمات الاساسية لكافة الصوماليين, وبذلك فقد تزايد قمع وكبت سياد برى في سنواته الاخيرة، حيث اتخذ القمع طابعا مما انعكس على فصائل المعارضة .
لذا فبعد سقوط نظام برى، لم يكن هناك تنظيم بعينه، او تحالفا يضم تنظيمات او جبهات محددة, بل ظهرت العديد من المليشيات العشائرية المختلفة والمتصارعة، وكان اهمها ميلشيات قبائل ، وهي القبائل الاساسية التي تفرعت منها الفصائل الصومالية. وبعد انهيار برى تفكك الجيش الصومالي ، وبسطت كل عشيرة سلطتها في مناطقها العشائرية القبلية. وبدا واضحا تقسيم الصومال قبليا منذ ذلك الحين، حيث تسيد قبائل “الدير,الاسحق” في مناطق شمال الصومال والتي تعرف الان بأرض الصومال، فيما تقطن قبائل “الهوية” في مناطق وسط وجنوب الصومال بما في ذلك العاصة مقديشو. و تتكون قبائل “الهوية” من مجموعتين رئيسيتين هما “هبرقدر” التي ينتمي اليهما الجنرال محمد فرح عيديد الذي قاد التمرد ضد الرئيس السابق محمد سياد بري حتى دخل مقديشو, والاخرى هي “أبقال” والتي ينتمي اليها علي مهدي اول رئيس بعد سقوط سياد بري, وكذلك ينتمي اليها الرئيسان السابقان الشيخ “شريف شيخ احمد” و “حسن شيخ محمود”. اما قبيلة “الداروت” التي ينتمي اليها الرئيس الراحل سياد بري و الرئيس الراحل عبدالله يوسف، والرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجوا، فتسكن في مناطق شمال شرق الصومال، ويعرف حاليا ببلاد بونت “بونتلاند”. قبيلة ريحوين (ديجل ميريفرا)، بالاضافة لمجموعات اخرى .
وفيما لايزيد عن فترة عامين إثر سقوط نظام سياد برى، بلغ عدد الميليشيات الصومالية العشرات، وعمت الفوضى والخراب والدمار وبلغت حدودة بعيدة، الامر الذي قاد الى تدخل الولايات المتحدة الاميركية في الصومال.
ففي ديسمبر في 1992 دخلت القوات الاميركية الصومال تحت شعار العملية الانسانية ” إستعادة الامل”، الا ان الفصائل الصومالية رفضت تدخل القوات الاميركية، وفي أثناء تلك الحقبة الفوضوية تعرضت مروحية تابعة للجيش الاميركي لقذيفة صاروخية اسقطتها في وسط مقديشو ،وهو ما أدى بعد ذلك لانسحاب القوات الامريكية من الصومال، حيث نسي العالم بعد تلك الحادثة، او تناسى ما يحدث في الصومال، فاضحت دولة متفككة ومتصارعة، وبلا سلطة مركزية , وأصاب البنية التحتية، ومؤسسات الدولة خراب كامل.
وفي زيارتي المتكررة للصومال في تللك السنوات كانت حياة الانسان في مقديشو لاقيمة لها، فالقتل والخراب والدمار منتشر و الامن مفقود ، حيث يمكن للانسان ان يفقد حياته
عام 1994م حلت قوات الامم المتحدة محل القوات الامريكية, إلا ان الفصائل الصومالية , خصوصا عيديد, واصلت قتالها ضد قوات الامم المتحدة.وفي خلال ذلك العام لقى 27 جنديا من قوات الامم المتحدة مصرعهم على يد قوات محمد فرح عيديد, وكان من ضمنهم اربعة جنود امريكيين, وعلى إثر ذلك انسحبت قوات الامم المتحدة, الامر الذي اعتبره محمد فرح عيديد بمثابة إنتصار له, فقام باعلان نفسه رئيسا للصومال .في عام 1996م شكل عيديد حكومة جديدة من أمراء الحرب و دخل في مواجهة مع علي مهدي و تسبب انقسام داخل القبيلة الواحدة و استمرت الحرب في مقديشو
وفي حادثة دموية مفاجئة، لقى الجنرال عيديد مصرعه, متأثرا بجراحه بعد ان اطلق بعض حراسه النار عليه. ولم يكن خليفة عيديد، بأفضل حالا منه. ورث إبن محمد فرح عيديد، “حسين عيديد” قيادة ميليشيا والده، واستمر ” عيديد الابن”على نهج منوال والده عيديد الاب، حيث استمر الصراع الدموي في الصومال بلا توقف.
فشل المبادرات الاقليمية و الدولية لحل الازمة الصومالية
تتابعت المبادرات الاقليمية و الدولية لحل الازمة الصومالية منذ السنوات الاولى, فلقد توسطت جيبوتي وتم عقد مؤتمر مصالحة في جيبوتي بعد شهور قليلة من سقوط نظام برى, وكان ذلك في يونيو 1991م ,وتوصل المؤتمر الى تشكيل حكومة انتقالية لفترة عامين برئاسة علي مهدي .
“مؤتمر عرتا”
جُهود المصالحة الصومالية
جيبوتي .. حلحلة تشابك التحديات
منذ تولي الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيله سُدة الحكم في دولة جيبوتي عام 1999، مثلت قضية الصومال وتشابكات الأحداث في الجارة الأقرب جغرافية وعرقا، كان هو التحدي الأكبر والأخطر والأهم الذي يواجه الرئيس جيلي. هذا البلد الصغير وطموح رئيسه وثقته بنفسه، وبقدرته على “فك طلاسم” القضية المعقدة في الجارة الصومال، أوقعه القدر أن يُحصر بين البلد الممزق والمنهار والمضطرب، والعملاق الاثيوبي ، وارتريا البلد الطموح ذات التأثير القوي الذي يرتبط بعلاقات خاصة بالصومال
إلا أن حنكة الرجل الذي قاد جيبوتي الصغيرة، وقراءته للواقع المضطرب حوله في المنطقة، أديا لأن يقود سفينة الابحار الجيبوتية بسلام وأمان، لا بل، طرح مبادرته الشجاعة في الأمم المتحدة منشادا المجتمع الدولي الاسهام بعزم في اخراج الصوال من قاع الصراع والاقتتال الذي طال واستطال، ويهدد منطقة القرن الافريقي في استقراره ونماءه.
ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس اسماعيل جليه، بعد أطلقها في المنظمة الدولية أمام قادة العالم، ثم يأتي ليطرحها ويتبناها بعزم أكيد فيدعو لعقد مؤتمر في مدينة (عرتا) الصومالية, متحديا بذلك وغير عابيء بحجم المخاطرةفي خوض تجربة أعجزت عُمق أبعادها القبلية والعرقية دولا كبرى، وأفشلت العديد من المساعي لحلها.
وكانت المغامرة والمخاطرة الأكبر، هو تعقد الصراع في القرن الافريقي نتيجة ضلوه قوى اقليمية على نحو حاولت التأثير في الصراع الصومالي، لمحو هذا البلد من الخارطة بتغييبه من التأثير على مجريات الأوضاع في الاقليم. لكن تصميم الرئيس جيله على تحيق حلم عقد مصالحة بين الصوماليين، والارادة والمثابرة الدؤوبة على تحويل الحلم الى واقع معاش، كانت كفيلة بنجاج مؤتمر عرته فيما بعد.
قاد هذا الوعي المبكر لدى الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيله؛ بحجم مأساة الجار الاقرب الصومال، إلى طرح رؤيته، وتصميمه بعزم أكيد لا هوادة فيه، على الاسهام بقوة في وضع حد لهذه المأساة الممتدة بعد سقوط نظام محمد سياد بري، وبدء الحرب الاهلية بين مكونات الشعب الواحد؛ والتي أخذت طابع الحرب القبلية كما هو شائع في أفريقيا.
كانت خطوة الرئيس “جيله” تمثل له ولبلده تحدياً عظيماً، خاصة بعد أن فشلت مبادرات عديدة قامت بها أطراف اقليمية ودولية لوضع حد للصراع المأساوي؛ رغم تدخل قوى ذات وزن وتأثير عالمي.
كانت تعقيدات الصراع في دولة مثل الصومال؛ ودخول العامل القبلي على خط التنازع حول من يحكم؛ وكيف توزع الثروة والسلطة؛ أضف إليها “طمع” جنرالات الحرب في انتزاع أكبر قطعة من “كيكة” الحكم والثروة.. كانت مجتمعة هي أكبر التحديات وأعقدها، وبمثابة حقل ألغام يصعب تجاوزه بسلام.
الحقيقية لانهيار الدولة الصومالية عام (1991).
وبقدوم المعارضة التي استلمت مقاليد الحكم في يناير (1991) بعد الاطاحة بنظام سياد بري؛ إلا أن انفراط الامن، وغياب التشاور والتنسيق بين مختلف قطاعات المعارضة، أدت إلى وقوع الصومال داخل مستنقع الفوضى والاقتتال، في حروب طاحنة لم تفلح معها كل المبادرات ومحاولات الاصلاح بين الفرقاء، أو وضع حد للاحتراب والقتل المتبادل.
هذا الوضع أدى إلى استمرار الصومال بدون سلطة، ولا ادارة نظامية لمرافق الدولة، وتسيير دولاب العمل بشكل يحفظه للدولة تماسكها؛ وللمواطنين حقوقهم. ورافق ذلك دمار شامل للبنى التحتية وانهيار المؤسسة العسكرية؛ ادى إلى أن تعم الفوضى وسيادة (قانون الغاب) !
في ظل هذه التحديات والتقاطعات؛ جاءت المبادرة الجيبوتية التي طرحها الرئيس اسماعيل عمر جيله.
سبقت مؤتمر (عرتا) في جيبوتي “ثلاث مبادرات” لايقاف نزيف الدم في الصومال. فكانت اولى تلك المبادرات هي استضافة جيبوتي مؤتمر المصالحة الاول في يونيو (1991)؛عقب انهيار نظام محمد سياد بري مباشرة؛ وانتهت بتشكيل حكومة مؤقته لمدة سنتين برئاسة علي مهدي محمد؛ إلا أن معارضة محمد فرح عيديد لهذه الخطوة حيث يرى أنه أحق بالرئاسة من غيره.. أفشلت هذه الخطوة، ما أدى إلى اتساع دائرة العنف والحرب إلى معظم اجزاء الصومال.
المبادرة الثانية كانت أثيوبية، ودعيت لها ستة وعشرين فصيلاً صومالياً؛ وعقدت ثلاث جولات من التفاوض برعاية إثيوبيا في كل من (سودري وبحردار والعاصمة أديس ابابا).. إلا انها فشلت هي الاخرى، حين حاولت تجاوز الوضع في العاصمة مقديشو التي كان يسطر عليها “عيديد”؛ وهو من اقوى المتصارعين، ورأى في المبادرة تجاوزاً له حجماً وانتماءً وقوة عسكرياً.
ثم جاءت المبادرة المصرية؛ ثالثاً، والتي طرحت في سبتمبر (1997)، ووجدت في بدايتها دعماً اقليمياً ودوليا؛ كما نجحت في جمع القادة المتصارعين بالقاهرة وانتهى إلى (اعلان القاهرة) الذي تضمن اسس التحاور فيما بعد في مدينة (بيدوا) الصومالية (فبراير 1998). الا أن معارضة إثيوبيا، وعدم تنفيذ زعماء المليشيات لالتزاماتهم بالقاهرة، وغياب التمويل اللازم، حالت كلها دون نجاح المبادرة المصرية؛ لا بل إلى اعلان “انفصال شمال الصومال، حين أعلن عبدالله يوسف زعيم فصيل (الخلاص الديمقراطي) اضضضض.
لقد تشرفت بان اكون ضمن الصحفيين القليلين الذين غطوا مؤتمر عرتا من بدايته وحتى نهايته
حيث بدأ مؤتمر (عرتا) أعماله في 15 مارس 2000، بجلسات تمهيدية بحضور زعماء القبائل والعشائر والمثقفون الصوماليون، واستغرقت شهراً كاملاً؛ وتم تقسيم أجندة المؤتمر إلى ثلاث مراحل؛ الأولى منها لاجراء مصالحات بين القبائل والعشائر والبطون الرئيسية.
فيما خصصت المرحلة الثانية لوضع مسودة دستور انتقالي، تكون من (6) ابواب، (38) مادة؛ وشارك في اعداده (67) شخصية صومالية.
أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت بعقد البرلمان الصومالي أولى جلساته في مطلع شهر أغسطس من العام 2000؛ نتيجة الاتفاق بين زعماء القبائل، والعشائر، وكبار الشخصيات والاعيان، على تكوين برلمان صومالي يمثل الفصائل والقبائل دون اقصاء لأحد؛ وانتهت المرحلة بانتخاب أعضاء البرلمان المكون من (225) عضواً؛ في حين انتُخب عبد قاسم صلاد حسن أول رئيس للصومال؛ والرئيس الثالث في تأريخ البلد الحديث.
هكذا استطاع الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيله، النجاح فيما فشلت فيه دول ومنظمات اقليمية ودولية في عشر سنوات؛ وسجل ذلك انتصاراً لبلده الصغير الذي نجح عن طريقه في وضع حد لمأساة الصومال ،وانتخب من المؤتمر عبده قاسم صلاد حسن ،ثم خلفه الشيخ شريف شيخ أحمد ثم عبدالله يوسف ثم حسن شيخ محمود و الرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجو ،وبدأ الصومال مرحلة جديدة يخطو خطواته الاولى نحو عواصف شديدة تحيط به من كل صوب ،ولكن حتما الصومال سينتصر .
و بعد انسحاب القوات الامريكية، و القوات الدولية التي
في عام 1996م قامت اثيوبيا بمجهودات مكثفة لجمع (26) فصيل صومالي, وبعد اجتماعات عديدة لقادة الفصائل في مدن “اديس ابابا” و”بحردار” و”سودوري”, تم تشكيل مجلس الانقاذ الصومالي في منتجع “سودوري” الاثيوبي في يناير (1996)، وتكون المجلس من (41) عضوا و لجنة تنفيذية من (11) عضوا, اضافة لمجلس رئاسة من خمسة اعضاء يتناوبون الرئاسة دوريا, وتم اختيار علي مهدي رئيسا للدورة الاولى, ولقد فشلت المبادرة الاثيوبية بعد ان قاطعها “حسين عيديد” الذي اشترط المشاركة بصفته “رئيسا للصومال “, رافضا دعوته بصفته ” قائدا لاحد الفصائل الصومالية”. كما عصفت بالمجلس خلافات حادة, ولم يتمكن من عقد اجتماع لتشكيل الحكومة الانتقالية وفقا لبنود الاتفاقية, وكان “لحسين عيديد” دور اساسي في “نسف” صفوف المجلس، وافشال المبادرة..
وفي سبتمبر (1997)، قامت مصر باقناع زعماء الفصائل الصومالية بالمشاركة في مؤتمر للمصالحة في القاهرة .وتمخض المؤتمر عما عرف بعد ذلك “باعلان القاهرة “، الذي وضع الاطار العام لمؤتمر المصالحة في مدينة “بيدوا” الصومالية, غير أن هذه المبادرة فشلت أيضا لعدم تنفيذ زعماء الميليشيات لالتزماتهم. بالاضافة الى انعدام التمويل اللازم.
عارض” عبدالله يوسف “قائد فصيل “الخلاص الديمقراطي الصومالي” اتفاقية القاهرة . واعلن عن تكوين ولاية “بونت لاند” في الشمال، ، واتهم عبدالله يوسف، مصر بالانحياز الى جانب “حسين عيديد”.
في خضم هذه الانقسامات والتجاذبات، نجحت في اجراء أول لقاء صحفي مع عبده قاسم صلاد في اليوم الثاني لاختياره رئيسا للصومال، من قبل البرلمان الصومالي المؤقت الذي انعقد في مدينة “عرته”، وقامت القنوات الفضائيات اليمنية و السودانية و الجيبوتية بنقل “الحدث” مباشرة من مكان الاجتماع.
وفي لقائي الصحفي مع “صلاد” قدمت الرئيس الصومالي الجديد الى العالم العربي .ولقد كان “صلاد” وزيرا سابقا للداخلية ابان حكم سياد برى , وهو (حاصل على درجة الدكتوراة من روسيا ), بعد ان تلقى تعليمه الجامعي في مصر، كما نال درجة الماجستير من الولايات المتحدة، ويجيد صلاد اللغة الصومالية و العربية و الايطالية و الانجليزية و الروسية .
تعهد “صلاد” اثر انتخابه رئيسا, باعادة الشرعية الى الصومال، والتمسك بمنهج الشورى والديمقراطية لاعادة الأمن و الاستقرار الى كافة أبناء وبنات الصومال.
بعد ذلك مباشرة اختلطت الاوراق, اذ تحالفت الفصائل التي رفضت المشاركة في مؤتمر عرته وكونت المعارضة الصومالية, وهو تجمع “الشتات”, فالجامع الوحيد بين هذه الفصائل كان معارضة حكومة الاتفاق الصومالي التي تمخض عنها مؤتمر عرته, وفي البدء ساندت اثيوبيا هذا التجمع المعارض. لأنها لم تكن على وفاق مع حكومة “صلاد” التي صنفتها اثيوبيا بأنها “ذات توجه اسلامي”، الامر الذي تعتبره اثيوبيا خطرا على الأمن والسلام في الصومال والمنطقة, وكانت اثيوبيا قد اخطرت “هرجيسا” عاصمة جمهورية ارض الصومال بالاعتراف بها ضمن “سياسة الامر الواقع بـ”هرجيسيا”، كما تم اقرار تعاون امني وسياسي واقتصادي، تستخدم اثيوبيا بموجبه ميناء بربرا الصومالي، فيما تتولى جمهورية ارض الصومال محاربة الارهاب على طول الشريط الحدود مع اثيوبيا، واتخذت اثيوبيا نفس السياسة تجاه جمهورية بونت لاند.
وبالطبع لم تنجح حكومة “صلاد” في السيطرة على الاوضاع الامنية في مقديشو، ناهيك عن بقية اجزاء الصومال، حيث استمرت عمليات ميليشيات عيديد الابن، وحلفاؤه امثال موسى سودى، فيما ظلت مقديشو على ما كانت عليه، يتقاسم السيطرة –على جهاتها الاربعة – كل من موسى سودا, وعلي مهدي, وحسين عيديد وعثمان عاتو. ولم تسلم حكومة “صلاد” نفسها من الخلافات التي نشبت بين “صلاد”، و رئيس وزرائه ” الراحل علي خليفة جلير” وخلفه حسن أبشر و لم يستفد صلاد من عومل اقليمية ودعم دولي و كانت اثيوبيا اقوى المعارضين ولم تخف اثيوبيا موقفها تجاه حكومة “صلاد”(الحكومة الانتقالية الصومالية) , فلقد صرح ملس زيناوي “بأنه لا توجد حكومة مركزية في الصومال ذات سيادة على كل اراضي الصومال , فالحكومة الانتقالية تمثل مجموعة صغيرة ليست لها سيطرة حتى على العاصمة مقرها الرئيس”
تأسيس مكتب مقديشو الإعلامي
وفي سبتمبر عام 2000م قد اسست مكتب للخدمات الاعلامية تولى ادارته الزميل عمر طه الذي تولى العمل في ظروف بالغة التعقيد واستطاع ان يصمد المكتب حتى عام 2004
لقد طرحت الفكرة على الزميل عمر الذي التقيته بالقاهرة و كان رجل شجاع و اتخذ قرار و هو حاليا موجود في سويسرا و كانت لديه قوة تحمل والصبر والمصابرة على الشدائد والظروف الصعبة التي تلازم الكثير منا. اعتتقد ان الزمن الذي عمل فيه الزميل عمر و الزميل محمد العامري و عبدالحكيم كانت سنوات صعبة ،رغم ما قدمناه من تضحيات و المأخذ الشديدة من المتضررين من تغطيتنا ووجودنا في مقديشو و الشكاوي الكثيرة كانت الفريق تواجهه صعوبات كثيرة و انفلات امني والمدينة المقسمة و الرصاص الذي ينطلق كانها اغناني طرب تستمع اليه من حين لاخر ،فلعنة الشك تطارد اي صحفي و هي ازمة الثقة التي تعاني منها دول المنطقة ،هناك من يتهمنا بالانحياز الى الصومال و هناك من يتهمنا بالانحياز الى اثيوبيا و هناك اتهامات تعسفية بانن منحازيم الى كل ما هو عربي
كان هدفه لتأسيس مركز اعلامي عربي متخصص لمنطقة القرن الافريقي في العاصمة أديس أبابا، ثم الخرطوم و جيبوتي و مقديشو هي المحطة الاخيرة رغم أ تعقيداته و لكن استطعت ان نؤسس اول نافذة اعلامية في منطقة القرن الافريقي وهي قناعتي الذاتية الساعية لتحقيق هذا الهدف الإنساني مهما كانت الظروف. كنت ارى إن الوسيلة الإعلامية في القرن الماضي هي ضرورية في ظل التعتيم الاعلامي الذي فرض على المنطقة و تقاطعت فيها اجندات متعددة هي عزل المنطقة من محيطها ، خاصة وأن مجتمعاتنا المتعايشة في منطقة القرن الأفريقي تشهد دولها الحروب والاقتتال ونزوح أعداد كبيرة من اللاجئين إلى دول الجوار ، لحاجة هذه الشعوب الماسة لوسائل لمعرفة ومواكبة ما يحدث في بلدانهم وللتواصل مع بعضهم البعض. : هذا المفهوم الإنساني هو الذي جعلنا نصبر ونحقق ما لم يحققه غيرنا في المنطقة.
وكان لمركزالخليج الإعلامي حضورا قوىا في نقل ومتابعة جلسات وفعاليات مؤتمر عرتا طيلة فترة انعقاده، وحتى تلاوة البيان الختامي الذي تناقلته وكالات الأنباء …وانتهى المؤتمر بتأسيس حكومة وطنية انتقالية برئاسة عبد القاسم صلاد حسن الذي تم انتخابه ديمقراطيا عبرصندوق الاقتراع شاركت فيه الكتل السياسية، والأحزاب المختلفة.
وحينها كانت لدى الفريق العامل في المركز قناعة أكيدة، وعزم لا يلين لأن يكون لمركزه الإعلامي في أديس أبابا، مكتب فرعي له في مقديشو و في الخرطوم رغم تعقيدات المشهد و استطعنا ان نوثق مرحلة هامة في تاريخ المنطقة ونتيجة تدهور الاوضاع الامنية توقف العمل في المركز في مقديشو بعد اربع سنوات تم سحب الفريق الى المركز الرئيسي و تقف العمل في مقديشو لكن تم توثيق فترة تاريخية لا تمحى من الذاكرة و الشكر موصول للزميل عمر و محمد العامري و عبدالحكيم الذين قادوا تجربة غير مسبوقة في الصومال ،وقد صرفنا النظر في الاستمرار بمقديشو في ظل انفلات أمني وتعقيدات أخرى متعددة.،الان المشهد تغير في مقديشو الصومال و الحياة عادت الى طبيعتها وبدات الحياة تدب في جميع مناحي الحياة ،لقد سعدت عندما رأيت البسمة عادت الى اطفال الصومال فهذا الشعب الذي يستحق الحياة وجد ليبقى وهو نموذج لشعوب التي تتطلع الى التغيير .