أهمية تبرؤ جنوب أفريقيا من “بوليساريو”
أن تعيد جنوب أفريقيا، وهي بين أهمّ الدول في القارة السمراء، تذكير جبهة “بوليساريو”، التي ليست سوى أداة جزائرية تستخدم في استفزاز المغرب، بالواقع أمر في غاية الأهمّية. بل ذلك نقطة تحوّل تعكس وعيا أفريقيا لطبيعة النزاع في الصحراء المغربية، وهو نزاع طرفه الآخر الجزائر وليس “بوليساريو”.
تبرّأ رئيس جنوب أفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي سيريل رامابوزا من انفصاليي “بوليساريو”، مؤكدا مرجعية القرار 693 الصادر عن القمة الأفريقية التي انعقدت في تمّوز – يوليو 2018 في نواكشوط، عاصمة موريتانيا.
شدد رامابوزا، في كلمة له في ختام القمة الاستثنائية الـ14 للاتحاد الأفريقي التي انعقدت تحت عنوان “إسكات الأسلحة”، على أن التعديلات المقترح إدخالها على القرار الرقم 693 خلال هذه القمة إنما تؤكد مقتضيات القرار المذكور.
معروف أن القرار 693 يكرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، مع إنشاء آلية “الترويكا” لدعم جهود الأمم المتحدة لتسوية هذا النزاع المفتعل.
يأتي الموقف الذي اتخذته جنوب أفريقيا ليثبت أن لا لعبة أخرى في المدينة، كما بات معروفا، غير الحلّ الذي طرحه المغرب، وهو حلّ قائم على الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية. يتأكّد يوما بعد يوم أنّ مواقف المغرب من موضوع تكريس وحدة ترابه لا عودة عنها وأن العالم لا يستطيع الإفلات من حقيقة فحواها أنّ الصحراء مغربية وهي جزء لا يتجزّأ من التراب الوطني المغربي. أكثر من ذلك يتكشّف أكثر أنّ كلّ ما قام به المغرب منذ انطلاق “المسيرة الخضراء” في تشرين الثاني – نوفمبر 1975، إنّما صب في مصلحة الاستقرار في المنطقة من جهة والدفع في اتجاه الابتعاد عن صراعات لا طائل منها تخدم في نهاية المطاف الحركات المتطرّفة التي يفترض في دول المنطقة العمل من أجل التخلّص منها من جهة أخرى.
كان طموح الجزائر التي تتحكّم بـ”بوليساريو” سحب إدارة ملف الصحراء من الأمم المتحدة كي يتحكم في مساره الاتحاد الأفريقي. مازالت الجزائر تعتقد أنّ الاتحاد الأفريقي تحت سيطرتها وأن المناورات التي قامت بها في الماضي معتمدة على ما لديها من ثروات وشعارات برّاقة مازالت تنفع. من هذا المنطلق، دعا وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم مجلس السلم والأمن الأفريقي إلى تحمل مسؤوليته في ما يتعلق بقضية الصحراء. رأى الوزير الجزائري أن الآلية الأفريقية “الترويكا” التي أوجدها الاتحاد الأفريقي في العام 2018 لمعالجة ملف الصحراء فشلت في القيام بمهماتها.
في كلّ الأحوال، سجّل المغرب نقطة أخرى في مصلحته في ما يتعلّق بملف الصحراء الذي آن أوان طيّه نهائيا. كلّ ما يمكن قوله إن طيّ هذا الملفّ تأخّر أكثر من اللزوم.
كان العاهل المغربي الملك محمّد السادس واضحا في توجّهه الهادف إلى علاقات طبيعية بين المغرب وجواره. لم يترك وسيلة إلّا واعتمدها من أجل حوار مثمر بين المغرب والجزائر يفيد البلدين الجارين. تبيّن مع الوقت، خصوصا في موضوع الصحراء أن الجزائر لا تعرف كيف تخسر. لا تريد الجزائر الاعتراف بأنّ عليها الانصراف إلى معالجة أوضاعها الداخلية بدل الهرب من أزماتها إلى خارج أراضيها. يُفترض بها إدراك أن قضية الصحراء المغربية مازالت تسمّم الأجواء في شمال أفريقيا حيث الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى التخلّي عن عقد الماضي من جهة والتعاطي مع الواقع من جهة أخرى.
لو كانت الجزائر قادرة على تغيير الوضع في الصحراء، لكانت استطاعت ذلك قبل سنوات طويلة. سعت الجزائر الشهر الماضي إلى التحرّش بالمغرب عبر “بوليساريو” عند معبر الكركرات الحدودي بين المملكة وموريتانيا. سعت، عمليا، إلى نبش الماضي رافضة الاعتراف بأنّ صفحة الصحراء طويت وأنّ مغربية الصحراء لا شكّ فيها. ما هو أخطر من ذلك كلّه، أنّها لم تستوعب أن العالم كلّه، تقريبا، وقف مع المغرب. أكثر من ذلك، سارعت الدول العربية الواعية إلى فتح قنصليات لها في العيون عاصمة الصحراء بغية تأكيد أنّ هذه الأرض مغربيّة.
في سبعينات القرن الماضي، كانت الجزائر قادرة على لعب دور إقليمي في ظلّ هواري بومدين الذي كان شخصية طاغية استطاعت تأسيس نظام عسكري وأمني قويّ حاول أن يقدّم مثالا يحتذى به في العالم الثالث. يكشف وضع الجزائر اليوم، حيث صدر، قبل أسابيع قليلة، حكم بالسجن على اثنين من رؤساء الوزارة السابقين، هما عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى، ما حصدته الجزائر في المدى الطويل بسبب سياسة تقوم على الاعتقاد أنّها قوّة عظمى في شمال أفريقيا.
صار النظام في حاجة بين حين وآخر إلى منفذ خارجي يهرب منه من أجل تأكيد أن كلّ ما يجري في الداخل الجزائري على ما يرام. في الواقع، لا شيء على ما يرام في الجزائر. لا الاقتصاد ولا السياسة ولا الحالة الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة مع المواطنين من أصول قبيلية. كلّ ما في الأمر، أنّ موقف رئيس جنوب أفريقيا يعطي إشارة جديدة إلى أنّ لا عودة إلى الوراء وأن ما كتب قد كتب وأنّ المناورات الجزائرية لم تعد تنطلي على أحد.
لعبت جنوب أفريقيا، التي ارتبطت بمصالح متشابكة متنوعة مع الجزائر، دورا في الترويج لـ”بوليساريو”. كانت أحد أعمدة السياسة الأفريقية للجزائر التي نجحت في بيع الأوهام، بما في ذلك وهم “الجمهورية الصحراوية” في وقت يعيش الصحراويون الذين صدّقوا كذبة اسمها “بوليساريو” في حال من البؤس في مخيمات تندوف.
يتبيّن في السنة 2020 كم كان قرار العاهل المغربي القاضي بالتركيز على البعد الأفريقي في مكانه، بما في ذلك العودة إلى الاتحاد الأفريقي في العام 2017. ليس التحوّل الجنوب أفريقي سوى ثمرة من ثمار الاستثمار المغربي في دول القارة السمراء. إنّه استثمار يقوم على المصالح المتبادلة والصدق في التعامل بعيدا عن أيّ نوع من المناورات وبيع الأوهام والشعارات الكاذبة.
مثل هذه الشعارات الفضفاضة يمكن أن تكون خادعة لبعض الوقت، خصوصا إذا وجدت المال الذي يدعمها. لكن ما يبقى في النهاية هو الصدق والوضوح. كان موقف المجتمع الدولي من أزمة الكركرات والطريقة التي لجأ إليها المغرب من أجل إنهائها سريعا دليلا على أن الاستثمار في الصدق والوضوح يظلّ أفضل من غيره في التعاطي بين الدول…
*إعلامي لبناني