التوافق السياسي في الصومال
كُلِّلت جهود التوافق السياسي في الصومال بالنجاح أخيرًا، وانتهت المشاورات بين الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد بمخرجات مثمرة لتحديد نموذج انتخابي، بعد أن ارتفعت حدة التراشق السياسي، التي كادت أن تنسف جهود المجتمع الدولي في تحقيق استقرار سياسي وأمني في بلد عانى طويلًا صراعات سياسية وحربًا أهلية؛ حيث توصَّل الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، مع رؤساء الولايات الفيدرالية، إلى توافق بات بمنزلة اختراق تاريخي لجدار الأزمة الصومالية، بعد تفاهمات يمكن أن تقود البلاد نحو استقرار سياسي وأمني، للحيلولة دون فشل يحبط الأمال ويوسِّع رقعة الخلافات وينال من مكاسب الحكومات الصومالية السابقة.
في هذا التقرير، نسلِّط الضوء على محطات التوافق السياسي في الصومال، ومحفزات هذه التوافقات والتفاهمات التي تمهد الطريق لدخول سباق انتخابي مطلع عام 2021، إلى جانب استشراف دور الأحزاب السياسية والنفوذ الأجنبي في الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة.
محطات الوفاق السياسي
شهدت عملية التوافق السياسي في الصومال محطات ومسارات متعددة، واختلفت مضامينها ومخرجاتها، وارتفعت حدَّة التنافس والتراشق السياسي بين رؤساء الولايات الفيدرالية من جهة والرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، من جهة ثانية، لكنها عكست توجهًا سياسيًّا جديدًا في البلاد، وقادت إلى مرحلة تفاهمات ووفاق بين الأشقاء الصوماليين، وهو ما يعد بمنزلة فرصة تاريخية للتفاوض والتصالح بين أطراف صومالية دون وسيط أجنبي، إقليمي أو دولي، فضلًا عن انقسامات عريضة أحدثتها النقاشات في بدايات التفاهمات بين أقطاب الحكم والمعارضة السياسية المتمثلة في الأحزاب السياسية المعارضة ورؤساء الولايات، لكنها في النهاية، انتهت إلى تفاوض حقيقي ومخرجات حددت نموذجًا وصيغة انتخابية مشتركة ستبدأ مطلع نوفمبر المقبل (2020) وتنتهي بانتخابات رئاسية في الـ8 من فبراير عام 2021.
يمكن تلخيص محطات الوفاق الصومالي بين الشركاء السياسيين في المحاور الآتية:
أولًا: مؤتمر طوسمريب
شهدت مدينة طوسمريب (عاصمة إقليم جلمدغ الفيدرالي) بوسط البلاد ثلاث جولات من المفاوضات الشاقة بين الأطراف الصومالية لتحديد مسار للانتخابات الرئاسية والنيابية، وذلك بعد مخاوف أبدتها المعارضة السياسية من محاولات تمديد من طرف الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو؛ حيث انطلقت الجولة الأولى من النقاشات في الـ11 من يوليو الماضي (2020)، واجتمع فيها رؤساء الولايات الفيدرالية (رئيس ولاية بونتلاند، سعيد دني، ورئيس ولاية جلمدغ، أحمد عبدي كاري قورقور، ورئيس ولاية جوبالاند، أحمد إسلام مدوبي، ورئيس ولاية هرشبيلي، محمد عبد واري، ورئيس ولاية جنوب غربي الصومال، عبد العزيز محمد حسن)، ودعت الأطراف المشاركة في هذا المؤتمر إلى توسيع قاعدة المشاركين فيه، وخاصة الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، ورئيس حكومته المقال، حسن علي خيري.
أما الجولة الثانية فانطلقت في الـ23 من يوليو 2020، بمشاركة الرئيس الصومالي ورئيس حكومته، واتُّفق على إجراء الانتخابات في موعدها، لتبديد مخاوف المعارضة ورؤساء الولايات من التمديد، والقفز على بنود الدستور، وأكدت الأطراف، تنظيم جولة ثالثة من المفاوضات في الـ15 من أغسطس الماضي (2020)، إلا أن الخلافات السياسية دفعت رئيسي بونتلاند وجوبالاند إلى مقاطعة المشاركة في النسخة الثالثة من المفاوضات، ولم تسفر اللقاءات الجانبية التي خاضها فرماجو، مع رؤساء الولايات الفيدرالية لإقناعهم بتمديد فترة الحكومة وتمكينها من تنظيم انتخابات مباشرة، عن نتائج تُذكر، كما انتهت إلى طريق مسدود، حيث تمسَّك رؤساء الأقاليم الفيدرالية بمواقفهم حول تنظيم انتخابات غير مباشرة في موعدها المحدد، مطلع فبراير 2021، ما اعتبره البعض فشلًا سياسيًّا ذريعًا وسابقة تحذِّر من تفكك بنية النظام السياسي في البلاد.
ثانيًا: مؤتمر مقديشو
وبعد خيبة فشل كادت أن تفكك عملية التفاوض السياسي برمتها، دعا الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، إلى تنظيم مؤتمر سياسي جديد في مقديشو، لاحتواء الأزمة السياسية وكبح جماح الخلافات بينه وبين رؤساء الولايات الفيدرالية، وهي خلافات اتسعت هويتها بعد عزل رئيس الحكومة الصومالية، حسن علي خيري، في الـ25 من يونيو 2020، بصفة عدَّها المراقبون غير قانونية؛ حيث أعلن رئيس البرلمان وهو في منزله سحب الثقة من رئيس الحكومة؛ الأمر الذي عزز مخاوف المعارضة من إمكانية توسع نفوذ الرئيس الصومالي، فرماجو، مستقبلًا على مسار عملية الانتخابات، فضلًا عن انقسامات عارضة داخل الترويكا الحاكمة، وخلافات بين المجالس التشريعية (مجلس الشعب والشيوخ) في البلاد.
ولاستكمال أعمال مؤتمر طوسمريب، وحل الخلافات العالقة، انطلق قطار المفاوضات في مقديشو، في الـ13 من سبتمبر الماضي، ليضم كافة رؤساء الولايات الفيدرالية، والرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، وانتهت المشاورات إلى اتفاق تاريخي في الـ15 من سبتمبر الماضي، يمهد لمرحلة جديدة يسودها التفاهم السياسي بين الأطراف الصومالية، واختُتم المؤتمر باتفاقية مكونة من 15 بندًا، أكدت الأطراف المشاركة فيها على تنظيم انتخابات غير مباشرة مطلع عام 2021 وحل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتشكيل لجنة فيدرالية للانتخابات.
كما أصدرت الرئاسة الصومالية، مطلع أكتوبر الجاري، جدولًا زمنيًّا، تتحدد فيه المواعيد الانتخابية والدوائر الانتخابية في الولايات الفيدرالية الخمسة، إلى جانب تحديد مقاعد نواب جمهورية ما يُسمى بأرض الصومال وقبيلة البنادري (من أصول عربية) في العاصمة مقديشو؛ ما يعكس رغبة صومالية لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في موعدها، لتقطع الشك باليقين في إجراء الانتخابات في جدولها المبرمج.
قراءة في مخرجات التوافق السياسي
على الرغم من أن اتفاقية مقديشو كانت إجماعًا صوماليًّا أوصد أبواب الخلافات السياسية، إلا أن هناك عدة أمور أهملتها الأطراف الصومالية، إلى جانب بنود تضمنتها الاتقاقية، والتي أثارت حساسية بعض الأطراف السياسية، خاصة منتدى الأحزاب السياسي المعارض، والأحزاب المستقلة؛ فضلًا عن حشوها بمطالب أساسية كان يتبناها عدد من رؤساء الولايات الفيدرالية، واشترطوا حلَّها للمساومة في دخول مفاوضات مع الرئاسة الصومالية، إلى جانب مسائل أخرى يمكن حصرها في النقاط التالية:
أولًا: تهميش دور الأحزاب السياسية
لم يتطرق الشركاء السياسيون في كل من مقديشو وطوسمريب إلى دور الأحزاب السياسي في العملية السياسية المقبلة، خاصة الانتخابات النيابية والرئاسية؛ حيث جرى تهميش المؤسسات الحزبية المسجلة رسميًّا لدى الدوائر الانتخابية الرسمية، ما يعكس رغبة الأطراف التي اجتمعت في تلك المؤتمرات في استبعاد الأحزاب السياسية كمنظومة فاعلة في المشهد الانتخابي المرتقب، وهو ما سيقوِّي في المقابل، مكانة ودور رجال القبائل في الانتخابات القادمة، ولا يمكِّن البلاد من تجاوز أغلال القبلية إلى منظمات حزبية سياسية للحد من نفوذ القبيلة الطاغي في العملية السياسية لمدة عقود.
أولًا: أعضاء بلدية مقديشو في مجلس الشيوخ
بحكم ثقل ووزن العاصمة، مقديشو، السياسي، إلا أن تمثيلها السياسي في المجالس المنتخبة ظل محدودا بحجة أنها عاصمة البلاد، ومركز الحكومة الفيدرالية، إلا أن البرلمان وافق على تخصيص 13 مقعدًا لبلدية مقديشو في مجلس الشيوخ، لكن الاتفاقية الأخيرة لم تناقش مقاعد أعضاء بلدية مقديشو، كما لم تظهر في جدول الانتخابات؛ ما يؤكد عدم جدية الساسة الصوماليين في تمثيل بلدية مقديشو ودورها السياسي في الدوائر التشريعية والتنفيذية في البلاد، كما أن موافقة البرلمان على أعضاء بلدية مقديشو، لم يكن مشروعًا ولا أجندة برلمانية تم النقاش حولها، وصادق عليها مجلس الشيوخ والشعب؛ ما يجعل مقديشو بلا تمثيل سياسي مستقبلًا، وعرضة للنزاعات السياسية والقلاقل الأمنية والكثافة السكانية المفرطة.
ثانيًا: اللجنة الوطنية
المستقلة للانتخابات
واجهت اللجنة الوطنية للانتخابات شكاوى وتهمًا بالانحياز للرئاسة الصومالية من قبل الأحزاب السياسية ورؤساء الولايات الفيدرالية؛ مما جعل تلك الهيئة تطفو في صدارة النقاشات الحادة بين الشركاء السياسيين، وأدى في نهاية المطاف إلى حلها، خضوعًا لرغبة رؤساء الولايات الذين يشكِّكون في نزاهة الهيئة، وتشكيل لجنة انتخابية فيدرالية مشتركة، مما يوحي بأن الحكومة الصومالية فشلت في تأسيس جهاز يدير الانتخابات ويحظى بتأييد السياسيين، على عكس الحكومات السابقة التي لم تشكِّك الأطراف الصومالية في نزاهة الهيئة الوطنية للانتخابات، وخاصة عامي 2012 و2016، والتي أفرزت رؤساء صوماليين كانت حظوظ فوزهم غير متوقعة.
ثالثًا: انتخابات غير مباشرة
بحسب مخرجات الاتفاقيات السابقة بين الصوماليين منذ عقد تقريبًا، كان تنظيم انتخاب مباشرة مطلبًا صوماليًّا وحلمًا يراود الشعب الصومالي، إلى جانب كونة رغبة جامحة من الأطراف الدولية الداعمة للصومال، وخاصة الأمم المتحدة، التي دعت في الاجتماعات الأخيرة، إلى تبني نموذج انتخاب موحد، لكن لم يعجبها مقترح تنظيم انتخابات غير مباشرة، ورأت في هذه الاختيار تراجعًا إلى الوراء، وعدم المضي قدمًا نحو تنظيم انتخابات مباشرة في البلاد، وهو ما يعكس أن العملية السياسية في الصومال، ما زالت معقدة وتخضع لحسابات سياسية داخلية وخارجية، على عكس تحقيق تطلعات السواد الأعظم من الصوماليين.
رابعًا: الحسابات الداخلية
قبل انطلاق جولات الوفاق السياسي في البلاد، كان قِدر الخلافات يغلي بين الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، ورؤساء الولايات الفيدرالية، وخاصة رئيسي بونتلاند وجوبالاند؛ الأمر الذي دفعهما إلى اشتراط حل عدد من المسائل والحسابات الداخلية قبل الجلوس إلى طاولة الجلسات العلاجية، للتفاوض مع الحكومة المركزية، فالرئاسة الصومالية اعترضت على سير عملية انتخاب رئيس جوبالاند، عام 2019، ولم تعترف بنتائج الانتخابات، وفرضت حصارًا جويًّا على كسمايو، وأرسلت فرقة عسكرية من الجيش الصومالي إلى هذا الإقليم، للإطاحة بـ«أحمد مدوبي»، أما بونتلاند، فالخلافات مع حكومة مقديشو أمر شائع ومتكرر، وتلوِّح بالانفصال، والسير على خطى صومالي لاند، كورقة ضغط سياسية تُمارس في حال عدم تنفيذ شروطها أو رغباتها من قبل الحكومة الفيدرالية؛ ما جعل تلك الحسابات الضيقة، حاضرة قبل الوفاق السياسي في الصومال؛ حيث أبدت حكومة مقديشو تنازلات وتفاهمات، للتوصل إلى حلٍّ شامل، حسبما صرَّح الرئيس الصومالي، فرماجو، الذي أعلن تنازله عن بعض القضايا، حفاظًا على تماسك ووحدة البلاد.
المشهد السياسي الراهن
«إذا عُرِف السبب بطل العجب» لسبر أغوار تجليات المشهد السياسي في الصومال، لابد من تناول بعض القضايا على سبيل الحصر لا الذكر، للوقوف على مآلات الوضع السياسي في البلاد قبل وبعد عملية الانتخابات، التي تعد حالة نادرة في إفريقيا؛ حيث تقفز مكونات سياسية جديدة إلى الصدارة، من دون سابق تحليل أو توقعات تستند إلى استطلاعات رأي ترجح كفة طبقة سياسية دون غيرها؛ ما يصعب مهمة التكهن حول من سيفوز بالرئاسيات القادمة بدل الفجائيات والأحداث غير المتوقعة.
في البنود التالية، نتناول طبيعة المشهد السياسي الحزبي في الصومال وتأثيرات وأبعاد النفوذ الأجنبي وسياقات التكتلات الانتخابية والحزبية في البلاد:
أولًا: هشاشة المكون الحزبي المحلي
في فترة حكم الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ (2012-2017)، صادق البرلمان الصومالي على قانون الأحزاب، وأصبح شيخ محمود أول رئيس صومالي بعد ربع قرن من الزمن يفتح الباب أمام تعددية حزبية سياسية في البلاد، وتم تأجيل مقترح مشاركة الأحزاب السياسية لانتخابات عام 2021، وأن يكون نواب البرلمان أعضاء في الأحزاب السياسية، لتكون مشاركتهم من خلال مؤسسات حزبية، عوضًا عن ترشيحهم من قبل رجال القبائل. هذا فضلًا عن تفعيل دور المؤسسات الحزبية، لكن شيءًا من هذا القبيل لم ولن يحدث على أرض الواقع، بل واستُبعدت المشاركة الحزبية في الانتخابات القادمة، وفقًا للتوافقات السياسية الراهنة، وتطالب أحزاب سياسية معارضة بضمان حقها في المشاركة ومراقبة سير عملية الانتخابات، لكن مطالبها لم تلق آذانًا مصغية بعد.
من المثير للاهتمام، أن حالة الأحزاب السياسية تتسم بالهشاشة وغياب الرؤية الاستراتيجية، وضعف التنسيق فيما بينها، وافتقارها لقاعدة شعبية لتكريس مبادئها السياسية، وأصبحت بمنزلة أحزاب تنمو كالفطر في فترة الانتخابات وتتلاشى مع انتهاء موسم الانتخابات، بينما بعض الأحزاب لا قاعدة شعبية ولا أعضاء ولا مكاتب لها، فهي مجرد عبارة عن أحزاب في الجيب (Parties in the pocket).
ثانيًا: النفوذ السياسي الخارجي
يعكس التدخل الخارجي في دولةٍ ما ضعف تلك الدولة واضطراباتها الداخلية، سياسيًّا وأمنيًّا، ويزداد حجم هذا التدخل إذا كانت هذه الدولة لا توظِّف مواردها البشرية والطبيعية على النحو المطلوب، ففي الصومال، يتزايد حجم هذا التدخل الأجنبي حينًا بعد الآخر، وأصبح طغيان القوى الأجنبية مسيطرًا على زمام الأمور من خلال بعثاتها الدبلوماسية في مقديشو، وأصبح هذا لافتًا من خلال الضغوط السياسية التي مارسها السفير الأميركي لدى الصومال، دونالد يماموتو، والذي طالب الرئاسة الصومالية بالتفاوض مع رؤساء الولايات الفيدرالية، وحل القضايا الشائكة قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية؛ الأمر الذي يفسره المحللون تدخلًا إيجابيًّا، لكن في نظر البعض، يعد تدخلًا مزدوجًا في الشأن السياسي الداخلي، وأن البعثة الأميركية في مقديشو، لها تحالف وثيق مع رؤساء الولايات الفيدرالية، من أجل تنصيب رجل جديد في المرحلة القادمة من الانتخابات، كسياسة أجنبية تهدف لعدم استقرار الصومال سياسيًّا وأمنيًّا، فضلًا عن إضعاف دور المؤسسة العسكرية الصومالية، ومنح القوات الإفريقية في البلاد، غطاء شرعيًّا لوجودها في جنوب البلاد، بدل تعزيز دور الجيش الصومالي في المساهمة في القضاء على حركة الشباب، وتمكين الصومال من الاستقرار.
ويتفاوت حجم التدخل الأجنبي من دولة لأخرى في الصومال؛ فالدول الإقليمية (إثيوبيا، كينيا) أصبح تأثيرهما محدودًا، لكن الدول الغربية وأميركا، أصبح نفوذها يتعاظم شيءًا فشيئًا، نظرًا لأطماعها التاريخية والمستقبلية في القرن الإفريقي. أما عربيًّا، فالاهتمام الخليجي بالصومال ما زال يحتل مركز الأحداث، إلى جانب تركيا التي يتوسع نفوذها في إفريقيا عبر استراتيجية الهلال التركي من الصومال والسودان وليبيا، فهذه التدخلات الأجنبية، العسكرية والسياسية، ستعيق تحول الصومال من ثكنة عسكرية إفريقية ومقلب سياسة دولية إلى دولة صومالية حديثة في القرن الإفريقي.
ثالثًا: السباق الانتخابي والتحالفات الجارية
مع قرب موعد الاستحقاق الانتخابي في الصومال، تحتدم المنافسات بين الطبقات السياسية في البلاد، وخاصة رؤساء البلاد السابقين ونواب البرلمان والرئاسة الصومالية، وهو مشهد اعتادت عليه البلاد منذ انتخابات عام 2012، وأصبحت تنتظم هذه التكتلات في نيروبي، التي تحتضن اجتماعات الصوماليين، من السياسيين وأعضاء الحكومة وشيوخ القبائل، وشخصيات من المجتمع المدني، كونهم اللاعبين والفاعلين في الانتخابات الصومالية المرتقبة.
في انتخابات عام 2021، والتي ستنطلق مع بداية شهر نوفمبر القادم، هناك تحديات كثيرة تواجهها الحكومة الصومالية الحالية، ومن أهمها تنظيم انتخابات في طرف زمني محدود وفي غضون أربعة أشهر فقط، وهو ما يضغط على الأعصاب ويفتح أبواب معركة كسر العظام بين الطبقات السياسية، فضلًا عن حسابات الدول الإقليمية والدولية، إلى جانب التحديات الأمنية التي يعيش مع تقلباتها الصومال منذ عقدين.
وفقًا لمراقبين، فإن السباق الانتخابي سيكون محمومًا بين عدة جهات سياسية، وخاصة الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، والرئيسين السابقين، حسن شيخ محمود وشريف شيخ محمود، إلى جانب مرشحين مستقلين، أبرزهم: طاهر محمود جيلي (سفير الصومال السابق لدى الرياض)، وعبد الكريم حسين جوليد (رئيس ولاية جلمدغ الأسبق)، وحسن علي خيري (رئيس الوزراء السابق) الذي أعلن عن خوض السباق الانتخابي، وعبد الرحمن عبد الشكور (رئيس حزب ودجر المعارض)
وتشير المعطيات الراهنة، إلى أن التحالفات الجارية، لا تصب في مصلحة الرئاسة الصومالية، التي تواجه معارضة شديدة من قبل الأحزاب السياسية، هذا فضلًا عن دور رؤساء الولايات الفيدرالية الضاغط والرئيسين السابقين في المشهد السياسي المناوئ لتحالفات الترويكا الحاكمة، وهذا ما سيؤدي إلى بروز فاعلين جدد في الانتخابات القادمة، وإنتاج طبقة جديدة من السياسيين، فإذا لم تغير الرئاسة الصومالية قواعد اللعبة، وتشرع في البحث عن تكتلات داخلية قوية بدل الارتهان للاعب الخارجي، فإن إمكانية العودة إلى القصر الرئاسي ستذبل أوراقها مع مرور الزمن.
خلاصة
يتعقد المشهد في الصومال عادة أثناء الانتخابات وبعدها أمنيًّا وسياسيًّا، فالحكومة الصومالية مشغولة بتوفير متطلبات الانتقال الآمن عبر صناديق الاقتراع، تفاديًا لحدوث فوضى سياسية وأمنية تهدد مصير ومسار الانتخابات. وضعٌ مربك يفرض تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية على هذا القُطر العربي، ولا شك في أن الصومال قطع شوطًا كبيرًا بعد تحقيق وفاق داخلي جمع الأطراف الصومالية الفاعلة على طاولة واحدة، للتباحث بقضايا مصيرية تمس بوحدة وتماسك البلاد، وربما سيؤطر هذا الوفاق منهجًا جديدًا لوأد النزاعات والخلافات بين الصوماليين، كمشروع صلب بدل الفرقة والتمزق السياسي طولًا وعرضًا، وقد يحتاج هذا النموذج من الوفاق السياسي ما يثبِّته على أرض الواقع من دعائم ومشاريع وثقافة سياسية متوارثة، من حقبة لأخرى، لثني إرث دوامة الخلافات جانبًا ودفع الصومال في العشرية المقبلة إلى مستقبل آمن وسلام أكيد.
* باحث صومالي مهتم بقضايا القرن الإفريقي