الرئيسيةكتابات راي

دلالات زيارة رئيس أرض الصومال لواشنطن


تحاول جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) غير المعترف بها دوليًا، توظيف المُستجدات على الساحة الدولية المُتمثلة في العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، والتنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في القارة الإفريقية، لصالح تحقيق هدفها الكبير المُتمثل في الحصول على الاعتراف بها كدولة مُستقلة، فقد أعلنت انفصالها عن الأراضي الصومالية منذ عام 1991، وتُناضل من أجل الحصول على الاعتراف الدولي بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا. ومن أجل تحقيق ذلك، قام رئيس أرض الصومال موسى بيهي في الثالث عشر من مارس 2022، بأول زيارة رسمية له لعاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن، لإجراء مُحادثات مع صانعي القرار في الإدارة الأمريكية، بما سيساهم في تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأرض الصومال.

أجندة الزيارة


حاول رئيس أرض الصومال موسى بيهي جذب انتباه صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت شديد الحساسية، حيث تنشغل فيه الإدارة الأمريكية بمُتابعة الأزمة الأوكرانية الروسية وتداعياتها. فقد حرص رئيس أرض الصومال على عمل لقاءات رسمية مع مسئولين في الإدارة الأمريكية وعرض رؤيته لفرص التعاون بين بلاده والجانب الأمريكي. 
المؤسسات الفكرية الأمريكية: ففي الرابع عشر من مارس2022، القى موسى بيهي خطابًا رسميًا بمؤسسة “Heritage Foundation”، وهي مؤسسة فكرية أمريكية لها تأثير كبير في صنع السياسة العامة الأمريكية، وعمل على تسليط الضوء على الإمكانات العظيمة الموجودة لدى أرض الصومال، والدور الذي تلعبه في أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يمكن أن يُشكل ركيزة لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال. وفيما يلي يُمكن استعراض أهم ما جاء في خطاب رئيس أرض الصومال، على النحو التالي: 
الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي: تُعد منطقة دول القرن الإفريقي واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، وتستند هذه الأهمية إلى أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب الذي يُعد كحلقة وصل استراتيجية في طرق التجارة البحرية التي تربط المحيط الأطلسي والبحر المتوسط بالمحيط الهندي، كما يمر جزء كبير من نفط العالم عبر باب المندب، فضلًا عن تجارة كبيرة بين أوروبا وآسيا. وتُواجه تلك المنطقة تحديات بسبب الصراعات، فضلًا عن العمليات الإرهابية التي تزعزع الاستقرار في المنطقة. وقد لفت رئيس أرض الصومال إلى الدور الذي يُمكن أن تلعبه بلاده في الأمن العالمي والاقتصادي بمنطقة القرن الإفريقي، باعتبارها المنطقة الأكثر استقرارًا بين معظم دول شرق إفريقيا، فقد عملت أرض الصومال على تحديث ميناء بريرة وافتتاح مطار دولي، وهو ما سيعمل على ربط القرن الإفريقي بطرق التجارة العالمية، وتهدف أرض الصومال من التحديث في البنية التحتية إلى تحويلها كمركز للتجارة والشحن.
 مواجهة التهديدات الأمنية: عملت أرض الصومال على ردع التهديدات ومكافحة ظاهرة القرصنة في المياه الإقليمية، وذلك بفضل التعاون مع الشركاء الدوليين مثل المملكة المتحدة لضمان سلامة وأمن التجارة البحرية عبر البحر الأحمر وخليج عدن، والعمل مع المنظمات الدولية غير الحكومية لتقليل شبكات التهريب والاتجار غير المشروع. وتأمل أرض الصومال في التعاون بشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في المجال الأمني، وهو ما من شأنه تعزيز المصالح المُشتركة بين الجانبين. 
تعزيز الحكم الديمقراطي: أشار رئيس أرض الصومال إلى أن حكومة بلاده قد عملت على تعزيز معايير الحكم الديمقراطي، وقد تجلت مظاهر ذلك في إجراء منتظم للانتخابات، وهو ما يساهم في الانتقال السلمي للسلطة، وكذلك تعزيز المشاركة السياسية للمرأة. كما تضمن حكومة أرض الصومال نزاهة العملية الانتخابية من خلال تحديث أنظمة تسجيل الناخبين، وحيادية السلطات الانتخابية الوطنية، وتسهيل عمل مراقبي الانتخابات المستقلين. ويرحب رئيس أرض الصومال بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز المعايير الديمقراطية. 
جدلية العلاقة بين الصومال وأرض الصومال: على الرغم من تسع جولات من المُحادثات بين الصومال وأرض الصومال التي بدأت منذ عام 2012 حتى 2022، فإن هذه الجولات لم تسفر عن حل القضايا المُتنازع عليها، وتحديد وضع أرض الصومال، حيث ترفض الحكومة المركزية الصومالية مطالب أرض الصومال بالانفصال عنها، كما عملت الحكومة المركزية الصومالية على الحفاظ على تمثيل سياسي لأرض الصومال من خلال تخصيص مقاعد نيابية لها في مجلس الشعب والشيوخ، بحيث تكون جزءًا من النظام الفيدرالي الذي تتكون منه الصومال. وترى حكومة أرض الصومال أن الحلول التفاوضية مع الحكومة المركزية الصومالية لم تُحقق النتائج المرجوة، ولذلك تنادي حكومة أرض الصومال بأن المجتمع الدولي عليه التزام لدعم مساعي حكومة أرض الصومال لنيل الاعتراف الدولي. 
الكونجرس الأمريكي: حرص رئيس جمهورية أرض الصومال على إجراء مُباحثات مع كبار المسئولين في لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي، ففي الخامس عشر من مارس 2022، تمت مُناقشة أوجه التعاون بين الجانبين ومساهمات الكونجرس الأمريكي في تعزيز العلاقات بين البلدين. وقد أرسل نواب أمريكيون عقب اللقاء بيانًا يحث إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على زيادة وتعميق المشاركة مع جمهورية أرض الصومال فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية ذات الاهتمام المُشترك. كما أشار البيان إلى أنه على الإدارة الأمريكية استكشاف فرص إضافية للشراكة مع أرض الصومال، لما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي على خليج عدن، والتزامها بالديمقراطية، والفرص الاقتصادية المُتميزة التي تتمتع بها. كما نوه البيان إلى أن عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي يُحتم على الإدارة الأمريكية التعاون مع أرض الصومال لمُواجهة التهديدات الأمنية ومكافحة الإرهاب والقرصنة.

دلالات توقيت الزيارة


يتبادر إلى الذهن تساؤل بشأن ما هي الدوافع والمُحفزات التي دفعت أرض الصومال، الإقليم الذي لا يحظى باعتراف دولي، لأن يتواصل مع الإدارة الأمريكية في ذلك التوقيت. فهل التوقيت يُمثل فرصة للحصول على اعتراف أمريكي بهذا الإقليم الانفصالي؟ وهل هناك احتمالية لمنح الإدارة الأمريكية إقليم ارض الصومال الاعتراف الدولي؟ وما هي مكاسب واشنطن من استقبال رئيس أرض الصومال في هذا التوقيت؟. ويمكن الإجابة عن هذه التساؤلات على النحو التالي:
 بالنسبة لدوافع حكومة أرض الصومال: تهدف حكومة أرض الصومال للحصول على اعتراف دولي كدولة مستقلة واعتلاء مكانة في المجتمع الدولي، وهو ما يدفع حكومة أرض الصومال للانخراط في مُباحثات بشكل فعال مع الإدارة الأمريكية، بهدف نيل الاعتراف الدولي على المستوى السياسي، والوصول إلى المؤسسات المالية الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يُحفز الاستثمار الأجنبي في أرض الصومال، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية، مما يُمكن حكومة أرض الصومال من التمتع بالشرعية السياسية، والاستقرار السياسي والأمني. 
 بالنسبة لدوافع الإدارة الأمريكية: يتضح لنا أن هناك عددًا من المُحفزات التي دفعت الإدارة الأمريكية للتواصل مع حكومة أرض الصومال، ويمكن توضيحها على النحو التالي: 
استياء الإدارة الأمريكية من أداء الحكومة المركزية الصومالية: تتسم التفاعلات السياسية في الصومال بحالة من الجمود السياسي في ضوء تعثر المسار الانتخابي، نظرًا للتوتر السياسي بين رأسي السلطة التنفيذية الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ورئيس الحكومة الانتقالية محمد حسين روبلي، وقد انعكس ذلك على تباطؤ المسار الانتخابي. فعلى الرغم من انتهاء عملية انتخاب مجلس الشيوخ، إلا أن عملية انتخاب مجلس الشعب لا تزال تواجه عراقيل تؤثر على وتيرة استكمال المسار الانتخابي. كما تتسم الأوضاع الأمنية في الصومال بالتدهور، فقد زادت وتيرة العمليات الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب الإرهابية، مُستغلة تردي الأوضاع السياسية في الصومال. وفي ضوء ذلك، أعربت الإدارة الأمريكية عن استيائها من أداء الحكومة المركزية الصومالية، واتضح ذلك من خلال إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في التاسع من فبراير 2022، عن فرض عقوبات جديدة على مسئولين صوماليين، وقد تضمنت هذه العقوبات تقييد إصدار التأشيرات الأمريكية لعدد من المسئولين الصوماليين الحاليين والسابقين.
وعلى النقيض من أداء الحكومة المركزية الصومالية، نجد أن حكومة أرض الصومال تُحقق إنجازات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما يُحفز الإدارة الأمريكية للتعاون مع حكومة أرض الصومال. وهنا يجب توضيح نقطة في غاية الأهمية، وهي لا يمكن ترجمة استياء الإدارة الأمريكية من أداء حكومة الصومال المركزية، بأنه دافع لمنح حكومة أرض الصومال الاعتراف الدولي، حيث إن الإدارة الأمريكية لديها موقف راسخ يتمثل في وحدة الصومال، وأنها تتعاون مع حكومة أرض الصومال كما تتعاون مع الحكومة المركزية الصومالية لتحقيق الأهداف المشتركة، وتعتبر مسألة وضع أرض الصومال شأنًا داخليًا يقرره الشعب الصومالي، فالإدارة الأمريكية تتخوف من أنها إذا دعمت أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي، سيشجع الحركات الانفصالية في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في القارة. 
مواجهة النفوذ الصيني: تسعى الإدارة الأمريكية لتعزيز مصالحها في منطقة القرن الإفريقي ومواجهة النفوذ الصيني المُتصاعد في المنطقة الذي يرتكز على القيام بمشاريع تنموية، وضخ استثمارات في قطاع البنية التحتية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، كما عملت الصين على حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة من خلال افتتاحها أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في 2017، وتُعد تلك القاعدة مجاورة لأرض الصومال. ولذلك ترى الإدارة الأمريكية أن التعاون مع حكومة أرض الصومال سيمكنها من الوصول إلى مطار وميناء بربرة، الذي يطل على خليج عدن، وعلى مضيق باب المندب الذي يربط بين المحيط الهندي وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، ومن شأن ذلك حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية في منطقة القرن الإفريقي، وموازنة الاستثمارات الصينية في المنطقة.
وفي الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على امتلاك أوراق للضغط على الحكومة المركزية الصومالية لتسريع العملية الانتخابية، واستكمال المؤسسات السياسية، وإتمام عملية التحول الديمقراطي في هذا البلد، وإنهاء فترة الجمود السياسي؛ ولذلك تعمل على الإمساك بخيوط اللعبة من بعيد دون التورط في المستنقع الصومالي، من خلال أدوات العقوبات الاقتصادية، والتعاون مع حكومة أرض الصومال دون الاعتراف بهذا الإقليم الانفصالي، فهذا الأمر يُشكل خطورة على أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي التي تعد منطقة بالغة الأهمية، كما تعمل الإدارة الأمريكية على توظيف ورقة “أرض الصومال” لمواجهة النفوذ الصيني في منطقة القرن الإفريقي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق