كتابات راي

صناعة الهوية صومالية

من الأوراق العلمية القيّمة ، التي نُوقِشت في المؤتمر العلمي الثاني ، الذي عقده مركز المقاصد في مدينة مقديشو ، ورقة تحدثت عن دور المعاهد الشرعية في حفظ هوية الأمة الصومالية ، وكانت هذه الورقة من اعداد الفاضلين: الدكتور إبراهيم محمد والأستاذ عبد الولي حسن ، تفاصيل هذه الورقة تقاطعت ضمنياً مع أغلب الأوراق ، التي طرحت في المؤتمر ، والتي تحدثت عن التعليم الشرعي في الصومال ، ابتداء من الخلوة القرآنية ، إلى التعليم الشرعي العالي، وهذه سلسلة طويلة من التعليم الشرعي ، تصبُّ كلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى وصف أو صناعة الهوية الصومالية ، والمحافظة عليها ، باعتبار أنّ الدين منبع مؤسس للوعي الذاتي لدى الإنسان الصومالي ، بالإضافة إلى منبعين آخرين وهما: المورث التاريخي بكل حمولاته الإيجابية والسلبية ، والإنتاج الثقافي العقلي والعاطفي الأدبي.

نجح التعليم الشرعي إلى حدّ كبير في وضع أسس متينة للهوية الدينية للإنسان الصومالي، وفي خلقِ مناخٍ عقلانيٍّ ، يجد فيه الإنسان الصومالي معنىً لأفعاله وتصرفاته داخل اطار الهوية الدينية والثقافية ، والتي كانت ومازالت معياراً للتقارب والتباعد مع الآخر.

لم يجد الإنسان الصومالي إشكالية في مسألة الهوية لديه ، فكان ينظر إلى الآخر (الغير) من خلال مرآة هويته الدينية ، فيراه من خلالها ويعرف من يماثله – من الأمم والأفراد – في الدين والعقيدة. وحتى عند نضاله الوطني ضد الاستعمار ، فإنّ الصوماليَ قد استندَ في كفاحه على ركيزته الأولى والأساسية ، وهي الهوية الدينية ، وبذلك نجح الإنسان الصومالي في خلق حالةٍ من الاجماع الشعبي حول هذه الهوية عبر التاريخ، ولم تصبح في يوم الأيام محلَّ جدلٍ عنده.

إنّ إشكالية الهوية عند الإنسان الصوماليّ ، بدأت مع بداية مفهوم الدولة القُطرية ، والتي تطلبت نمطاً معيناً من الهوية تتماشى مع كونها تُمثل مجموعةً بشريةً تقطنُ على أرضٍ جغرافيةٍ معينةٍ ، هذا المفهوم يحتاج إلى كمٍّ غير قليل من المُسلّماتِ ( لا يُقرُّ الإنسان الصومالي بعضها) التي تُعزّز مصالحها ، وتخدم أهدافها – أي المجموعة البشرية – الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وتضمن لها سيادتها الداخلية، وتُؤمّن من التدخلات الخارجية ، سياسة واقتصاداً.

وهذه المفاهيم الجديدة للهوية ، والتي تتطلّبه الدولة الحديثة ، قادت الإنسانَ الصوماليَّ إلى البحث عن هوية شاملة له ، والتي تتمثّل بالنسبة إليه ، الهوية الوطنية الشاملة بكلّ حمولاتها ومضامينها العقدية والثقافية والتاريخية، والتي – بدورها – تتمخض عنها قيمٌ صومالية المنشئ ، تساهم في التماسك المجتمعي والاستقرار والوحدة أرضاً وشعباً ، وتستطيع تلك الهوية ، الإجابة عن هذا السؤال الجوهري “من هو الصومالي؟.

ومن هنا بدأ سجالٌ جديد من نوع أخر ، سجالٌ حول “تحديث الهوية الصومالية”، وإشكالية الثابت والمتغيّر فيها . وفي واقع الأمر لم يأخذ هذا السجال حظّه من التنظير الفكري ، الذي قد يسفر عن توليد وتطبيق معاييرَ متفقٍ عليها. وأغلب نقاشات مسألة الهوية الصومالية الجامعة، كانت نقاشات نُخبويّة مغلقة ، لا تخرج إلى العلن إلا بصورة نقاشات عاطفيةٍ عموميةٍ ، ولم تصل بعدُ إلى مرحلة النضج ، والذي عمّق عدمَ النضج هذا ، هو تهرّب او تجاهل التيارات الفاعلة داخل المجتمع الصومالي ، وعلى رأسها التيارات الإسلامية ، من إبداء مواقف علمية حقيقية تتبنّي فيها مسألة الهوية الجامعة ، مفاهيمياً وتطبيقياً.

والآن وبعد ما رأينا ثمرة فقدان أو تيه بوصلة الهويّة الصوماليّة الجامعة ، وما نتج عن ذلك من تفكّكٍ للنسيج الاجتماعي وصراعاته البَينيّة ، كان لزاماً على النخبة دفع المؤسسة لإسلامية في الصومال ، ومن خلال التعليم الشرعي ، على تشكيل هوية صومالية إسلامية ، لا تتصادم مع امداداتنا الإسلامية الأخرى ، لأنه، وبدون تحرُّك المؤسسة الإسلامية ، لا تستطيع بقية المؤسسات تكوين هوية صومالية شاملة تُحرّك المياه الرّاكدة في حياتنا إلى الاتجاه الصحيح لتسقيَ قواحلَ من جوانب الحياة المتعددة في بيئتنا الاجتماعية بكل أبعادها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق