كتابات راي

ما بين الواقع الإفريقي والعربي ثمة حقائق

“أجمل من التقيت به في إفريقيا هو “نفسي” فإذا بي أكتشف إلى أي مدى يتعاظم عنادي أمام الإجبار، وتتباهى نفسي شموخاً باصطحاب تمردي إلى كل مكان يجدد فيه الظلم نفسه فأسقطت “الحقيقة” كل شيء زائف يراه غيري ذو قيمة، فتصاغرت في عيني جميع المباهج وتضاءل في نفسي سباق الحياة وحدها الحقيقة من تعاظمت قدسيتها في نفسي وستبقى”.

 بتلك الكلمات الموجزة بدأت حديثي مع قناة إفريقيا العالمية عندما سألني المحاور حينها قائلاً: ما هي النقطة الفارقة التي ألقت بظلالها عمقاً على شخصكِ القادم من ذلك المجتمع المرفه إلى غياهب إفريقيا طوال عقد كامل لم تستسلمي فيه لعناء العيش في قارتنا ولم ترفعي الراية إلا أمام محراب الحقائق.

تزخر القارة الإفريقية بحقائق جمة لا تستطيع معظم وسائل الإعلام العالمية على تناولها بإسهاب ناهيك عن تلك الأقلام وأفواه أصحابها من التبحّر أو حتى الإشارة إليها.

 ولعل ذلك يقودني للحديث حول أهم تلك الحقائق، فأثناء لقائي مع أحد أقطاب الإعلام الإفريقي “الدكتور سونغو” حول كتابي الذي حمل عنوان “العلاقات الخليجية الإفريقية رؤية مستقبلية للقرن 21” والذي أثار التساؤل عن أهم نقاط الخلاف والالتقاء بين الواقع الإفريقي والواقع الخليجي.

نظرة على الانقلابات العسكرية التي حدثت في القارة الأفريقية في العام 2021.. خيار الفساد أو الجيش

وفي الحقيقة أرى بأن الواقعان يلتقيان في أربعة مواقع هي: كثرة القواعد العسكرية الأجنبية، كثرة المستشارين الغربيين، وتصاعد ملفات الفساد، وضبابية مستقبل العلاقات بين دوله، ولا أرى ثمة اختلاف “حقيقي” بين الواقعين، فالشعوب الإفريقية وإن كانت تعاني من تجذّر إشكالية “العرقية والأثنية” في مجتمعاتها فلا أرى أن الشعوب العربية أفضل حالاً وإن كانت ليست بذات الحدة التي شهدتها عياناً في إفريقيا والتي ساهمت إلى حد كبير في إحداث شرخ مجتمعي يحتاج للكثير حتى يلتئم.

كما أن النخب الفكرية الإفريقية في إفريقيا جنوب الصحراء صحيح أنها تتطلع إلى ضرورة انقشاع تلك الضبابية بين مستقبل دولها إلا إننا يجب أن ندرك حقيقة هامة مفادها أن رؤية تلك النخب يختلف عن رؤية النخب في دول الشمال الإفريقي ويعود ذلك إلى الوجدان الجمعي الذي أراه كما يراه غيري واضحاً ومتماسكاً في جنوب القارة أكثر من شمالها بدليل تنامي الموجات الشعبية لكسر ما أطلقت عليه تلك النخب “الاستقلال الشكلي” الذي تعاني منه منذ ستينات القرن الماضي حتى يومنا هذا والذي نجحت تلك النخب إلى حد كبير في توضيح تبعاته على مقدرات وأحلام الشعوب، أما الجانب العربي فالعقل العربي الجمعي لم يستطع حتى هذه اللحظة من وضع أبجدية “حقيقية” وموحدة لمستقبل العلاقات العربية العربية وإن اجتهد البعض في تبيان الإخفاقات ومحاولة رسم الطريق لتلافي المعوقات.

إلا أن تلك الجهود الفكرية للنخب العربية لم تؤتي ثمارها رغم كل الإمكانيات المتوفرة وهذا ما يُفسر حجم اللامبالاة وضعف التعاطي “الجوهري” مع الكثير من القضايا العربية المؤرقة لمستقبل تلك العلاقات.

ويبقى السؤال هنا هل هناك من بيننا ما زال يؤمن بأن الواقعان “الإفريقي والعربي” لا يلتقيان؟!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق