هل سينجح رئيس الوزراء الجديد في هندسة سياسة جديدة في الصومال؟
صوت مجلس الشعب في جلسته المنعقدة بتاريخ 23/سبتمبر-أيلول/2020م، بالإجماع على منح الثقة لرئيس الوزراء الصومالي الجديد المهندس محمد حسين روبلي ليكون بذلك ثاني رئيس وزراء في عهد الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء العشرين للصومال.
وكان أعضاء البرلمان الّذين حضروا الجلسة والبالغ عددهم إلى 215 نائبا برلمانيا قد صوتوا جميعهم لصالح تعيين السيد محمد حسين روبلي رئيسا للوزراء، كما أعلن بذلك السيد محمد مرسل شيخ عبدالرحمن رئيس مجلس الشعب الصومالي.
لمحة تعريفية
ولد رئيس الوزراء الجديد المهندس محمد حسين روبلي في أكتوبر عام 1963م بمدينة هوبيا الساحلية في محافظة مذغ التابعة لولاية غلمذغ الإقليمية وسط الصومال، وتلقى معظم مراحله التعليمية في الصومال بدءا بتعليمه الأساسي والثانوي ووصولا إلى تعليمه الجامعي، حيث تخرج كلّية الهندسة بالجامعة الوطنية الصومالية عام 1990م، أي قبل عام واحد من إسقاط الحكومة العسكرية الصومالية على أيدي الجبهات والحركات المسلحة المناوئة لها.
كان السيد روبلي ضمن المهاجرين الصوماليين الّذين فروا من جحيم الحروب الأهلية التي اندلعت في الصومال عقب إسقاط الحكومة العسكرية، فكانت وجهته نحو السويد حيث استقر فيها وحصل على جنسيتها، كما واصل تعليمه الجامعي هناك فحصل على شهادة الماجستير من معهد رويل للتكنولوجيا في السويد عام 2000م.
عمل المهندس محمد حسين روبلي خلال 14 عاما الماضية في مجالات التنمية الاجتماعية وخاصة في مجالات: تمكين الشباب، خلق فرص عمل للعاطلين، تطوير القطاع التجاري، وإعادة بناء القطاع الإنتاجي في الصومال، كما عمل في تنزانيا وكينيا، ويجيد التحدّث بخمس لغات هي: الإنجليزية، العربية، السويدية، الإيطالية، والصومالية لغته الأم.
المهام الشاقة
تنتظر رئيس الوزراء الجديد محمد حسين روبلي مهاما وقضايا معقدة ، وبات السؤال الملح هل سيساعد تخصصه في هندسة سياسة جديدة في الصومال تساهم في مواجهة تلك القضايا ومعالجتها حتى ينجح في أداء مسؤولياته بكلّ جدارة واستحقاق ومن بين أبرز تلك المهام التي تنتظر رئيس الوزراء روبلي:
- تشكيل مجلس وزراء قادر على اجتياز المرحلة الانتقالية: إنّ تشكيل مجلس حكومي يساعده على تخطّي المرحلة الانتقالية يُعدّ من المهام الشاقة التي تنتظر رئيس الوزراء الصومالي الجديد، وهنا يقترح البعض عليه بأن يتحاشى اختيار وزرائه الجدد من المجلس التّشريعي كما كان الحال في ظل حكومة حسن علي خيري التي كان جلّ وزرائها أو كلّهم من المجلس التشريعي، مما عرقل أداء مهامها بحرية واستقلالية تامة، كما يعتقد البروفسور محمد حسن دوب الّذي أشار في حديثه مع إذاعة المستقبل في مقديشو إلى أنّ “الدمج بين المؤسسات التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الوزراء) واختيار الوزراء من أعضاء البرلمان لمن الأمور التي تجرح في استقلالية مؤسسات الدولة، لذا، فعلى رئيس الوزراء الجديد أن يتطلّع إلى خارج قبة البرلمان بعد حصوله على الثقة ويعين الحقائب الوزراية لمن يستحقونها خارج البرلمان الصومالي“.
- 2- طرح خطة سياسية تمهّد لتنفيذ بنود الاتفاقية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية: في 17/سبتمبر-أيلول/2020م توصل قادة الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية وإدارة إقليم بنادر إلى اتفاقية تتكون من 15 بندا حول الانتخابات الصومالية القادمة والمزمع إجراؤها أواخر هذا العام 2020م، وأوائل العام القادم 2021م، وبما أنه رئيس المؤسسة التنفيذية (مجلس الوزراء) كان طبيعيا أن يتحمل عبء تنفيذ هذه الاتفاقية وبالتعاون مع الأطراف والجهات المعنية بها، غير أن المشكل في الأمر قصر فترة ولايته التي لاتتعدّى لأكثر من 140 يوما هي أقصى مدة متبقية للمؤسسات الدستورية الحالية، إذ إنّه من المقرر تكوين برلمان صومالي جديد نهاية ديسمبر القادم، ليقوم هذا البرلمان الجديد هو الآخر بانتخاب رئيس جديد للصومال في 8/فبراير/2021م، حيث تنتهي في ذلك اليوم الفترة الدستورية للرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجو! وعليه فإنه من المحتمل جدّا أن يواجه رئيس الوزراء الصومالي تحدّيا كبيرا في التوفيق بين المهام التي تنتظره والفترة الزمنية التي لديه.
- 3- تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية: اتّسمت العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية خلال السنوات الماضية بالتوتّر والتصعيد الّذي وصل بعض الأوقات إلى القطيعة التامة بينهما، وخاصة فيما يتعلّق بعلاقة الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وجوبالاند اللتان كوّنتا حلفا سياسيا لمجابهة سياسات الحكومة الفيدرالية لإدارة شؤون البلاد عامة وشؤون الولايات الإقليمية خاصة، واستمرّت هذه العلاقات السيئة بين الطرفين إلى أن تتدخّل المجتمع الدولي، وحث جميع الأطراف على الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات، فكانت جولات مؤتمر طوسمريب الثلاث، والمؤتمر التشاوري في مقديشو الّذي جمع بين قادة الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية وإدارة إقليم بنادر، والّذي انبثقت عنه بنود الاتفاقية 15 حول الانتخابات، كما تم فيه حلّ الخلافات السياسية الخاصة بين الولايات الإقليمية فيما بينها وبينها وبين الحكومة الفيدرالية، وعليه فإن أمام رئيس الوزراء الجديد تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، أو إبقائها – على الأقل- كما هي عليه الآن من التفاهم المبني على اتفاقية مقديشو الأخيرة.
- معالجة القضايا الأمنية والاجتماعية التي تشهدها البلاد: ازداد في الآونة الأخيرة وخصوصا فيما بعد سحب الثقة عن رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال وخاصة في مقديشو، حيث ارتفعت وتيرة الهجمات التي تنفذها حركة الشباب، ففي تقرير أعدته إذاعة المستقبل في مقديشو بعنوان: ما أسباب ارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة والتفجيرات المنظمة بعد سحب الثقة عن رئيس الوزراء؟ جاء فيه سردا لأحداث ووقائع لتفجيرات وهجمات منظمة تنفذها حركة الشباب كان من بينها: اقتحام سيارة مفخخة في 8/أغسطس-آب/ 2020م، لقاعدة للكتيبة 27 للجيش في مقديشو، تلاه تمردّ سجناء في السجن المركزي بمقديشو في 11/أغسطس-آب/2020م، مما أدى إلى قتل العشرات من السجناء وفرار عدد آخر منهم متهمون بالانتماء إلى حركة الشباب، وفي اليوم التالي لهذا الهجوم أي في 12/أغسطس-آب/2020م، شنّ مقاتلون من حركة الشباب هجوما على منطقة بعادوين في محافظة مذغ مما أسفر عن مقتل 5 أشخاص، أما الحادثة الأمنية الأكبر تأثيرا فقد كانت في 16/أغسطس-آب/2020م، وذلك عندما تعرّض فندق إليت بمقديشو لهجوم مزدوج بدأ بتفجير انتحاري أعقبه هجوم مسلح استمر لـ 5 ساعات تقريبا، كانت حصيلته مقتل 16 شخصا من نزلاء الفندق وزواره وإصابة 30 آخرين! الجدير بالذكر أن الفندق يقع في منطقة ذات إجراءات أمنية مشدّدة حيث يتعذّر على المارة اجتيازها بسهولة ويسر فضلا عن سيارات مفخخة ومسلحين مجهولين!، إلى جانب ذلك تعاني بعض أحياء العاصمة مقديشو من انفلات أمني يتمثل في عمليات السطو والنهب المنظم الّذي تنفذه جماعات مسلحة بالمسدّسات والمدى والخناجر تنشط أثناء الليل وأوقات الظهيرة عندما تهدأ حركة الحياة في الأحياء الشعبية فيسطون على ممتلكات الشعب وخاصة على أجهزة الحواسيب المحمولة (اللابتوب) والهواتف النقالة (الجوال) المنتشرة في الأوساط الصومالية بكثرة، كما أنّه يلاحظ في الآونة الآخرة ارتفاع وتيرة القضايا الاجتماعية المقلقة كازدياد عمليات الاغتصاب وقتل الضحية أو إخفائها وسرقة الأولاد، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة والأوضاع المأساوية الناجمة عن استمرار إغلاق طرقات العاصمة مقديشو مما شلّ حركة التنقل بين سكان العاصمة ونمو اقتصادهم المتعثّر أصلا بسبب الأزمات الأمنية والسياسية الخانقة.
كلّ هذه القضايا وغيرها أمور تنتظر حلاّ من رئيس الوزراء الجديد وحكومته التي سيشكّلها الأيام القليلة القادمة عقب حصوله يوم الأربعاء 23/سبتمبر-أيلول/ 2020م، على ثقة مجلس الشعب الصومالي وأعتقد أن مادة الهندسة التي درسها في الجامعة الوطنية والمعهد الملكي في السويد، وعمل فيها خلال العقود الثلاثة الماضية ستسعفه في تفكيك المعضلة السياسية في الصومال والتي عجز أسلافه عن فك طلاسمها، واقتراح قالب سياسي جديد يسهل له أن ينجح في المهمة الصعبة التي تحملها والمتمثلة في اجراء انتخابات شاملة وتوافقية تنهي أربعة أعوام من الاحتقان السياسي وتقود البلاد نحو الاستقرار والإزدهار.