تطور الجهادية السلفية في شرق أفريقيا.. الجهاديون الصوماليون.. عين على إثيوبيا
عرض وترجمة: أحمد بركات
برغم أن إثيوبيا تمتلك حدودا مع الصومال يسهل اختراقها، وبرغم أنها تمثل عدوا تاريخيا للحركة الجهادية السلفية هناك، وبرغم وجود مقاتلين إثيوبيين في صفوف “حركة الشباب” الإسلامية الصومالية، إلا أنها نجحت – حتى الآن على أقل تقدير – في تجنب هجمات “حركة الشباب” التي عانت منها كينيا. كانت الحركة قريبة جدا من ضرب إثيوبيا في أكتوبر 2013، عندما فجر عدد من عناصرها أنفسهم بطريق الخطأ في مخبأ آمن في أديس أبابا قبل تنفيذ هجوم كان مخططا له في ملعب يستضيف مباراة في كرة القدم. في الشهر نفسه، أمر أحمد عبدي جودان، الأمير السابق للحركة، بإنشاء وحدة خاصة من المقاتلين الإثيوبيين حملت اسم “جيش الشورى” لتنفيذ عمليات داخل إثيوبيا، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الوحدة قد شنت أي هجمات حتى الآن. و في خريف عام 2014، أحبطت السلطات الإثيوبية مخططا آخر في أديس أبابا، كان مقررا أن تقوم به “أمنيات” (الجناح الأمني في “حركة الشباب”).
لا يسعنا سوى النظر في أسباب قلة عمليات “حركة الشباب” نسبيا في إثيوبيا. أحد الاحتمالات هو نجاح السلطات الإثيوبية في إحباط العديد من الهجمات منذ عام 2014، لكنها أبقت الأمر سرا. ربما يكون هذا الاحتمال مقنعا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الطبيعة الغامضة للدولة الأمنية في إثيوبيا، التي بدأت تنفتح مؤخرا، وبقدر من التردد، تحت قيادة رئيس الوزراء الإصلاحي، آبي أحمد. احتمال آخر هو أنه بعد فشل مخططات عامي 2013 و2014، قررت الحركة تعليق عملياتها في إثيوبيا، والتركيز على كينيا التي ربما كانت – لأسباب تتعلق بالجغرافيا، أو بالشبكات البشرية أو بالتغطية الصحفية الدولية – هدفا أكثر جاذبية.
كان الأمر مفاجئا إذن عندما أعلنت السلطات الإثيوبية في سبتمبر 2019 أنها اعتقلت عشرات من عناصر “حركة الشباب” و”تنظيم الدولة” في أديس أبابا، والمنطقة الصومالية التابعة لإثيوبيا، وولاية أوروميا (موطن الأورومو ذات الأغلبية المسلمة، وهي أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا). تمت عملية القبض على هذه العناصر بدعم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوربية، والسلطات في جيبوتي وصوماليلاند المجاورتين، واللتين دخلت بعض الخلايا إلى إثيوبيا من خلالهما – أو تم التخطيط لذلك على الأقل.
وكانت السلطات الإثيوبية قد ذكرت أن إحدى الخلايا التابعة لحركة الشباب كانت تستطلع مواقع في أديس أبابا، واعترفت بأن تنظيم الدولة الإسلامية “قام بتجنيد وتدريب وتسليح بعض الإثيوبيين”. رغم ذلك، فإنه في ضوء العداء الشديد بين “الشباب” و”تنظيم الدولة” في الصومال، فإن تعاون الجماعتين داخل إثيوبيا يظل أمرا مستبعدا.
قبل عمليات الاعتقال، حاولت “حركة الشباب” و”تنظيم الدولة الإسلامية” مجددا تجنيد عناصر من داخل إثيوبيا، ففي عام 2019، نشرت “الشباب” أول مقطع فيديو دعائي لها بلغة الأورومو، وفي يوليو 2019، أعلنت قناة تليجرام مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية أنها ستبدأ بث مواد باللغة الأمهرية (اللغة الرسمية في إثيوبيا). وفي فبراير 2020، نشر “تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال” مقطع فيديو باللغتين الأمهرية والسواحيلية. وتشير هذه الجهود الإعلامية إلى جانب الاعتقالات التي تمت مؤخرا إلى أن كلتا الجماعتين تعتقدان بإمكانية التوسع الجهادي السلفي في إثيوبيا.
مع الأسف، ربما تكون “الشباب” و”تنظيم الدولة” على حق، ففي أكثر من مناسبة، وجدت الجماعات الموالية لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” في جميع أنحاء أفريقيا الطريقة المناسبة لإقحام نفسيهما في الصراعات الإثنية، أو الاستفادة منها على أقل تقدير. وتواجه إثيوبيا هذه الصراعات إلى درجة مفزعة، وتقبع اليوم بين أكثر دول العالم في النزوح الداخلي للسكان بسبب الصراعات الإثنية، والتي تنشأ في الغالب من التحول المضطرب للبلاد تحت قيادة آبي أحمد.
وقعت الإنقسامات السياسية في إثيوبيا – التي تضم تركيبة سكانية ثلثها من المسلمين – على أسس عرقية، وليست دينية (العديد من المجموعات العرقية لديها أعداد كبيرة من المسلمين والمسيحين على حد سواء). لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير، وفي مدى زمني غير بعيد. وتوجد بالفعل العديد من المؤشرات على أن العنف اتخذ شكلا طائفيا بدرجة أكبر في مناطق معينة، مع زياة هجمات الحرق العمد ضد الكنائس والمساجد منذ عام 2018. وفي بلد تضم هذا العدد الهائل من الشباب الساخطين، وتنطوي على هذه التوترات الإثنية المتفاقمة، قد يرى مزيد من المسلمين الإثيوبيين في الجماعات السلفية الجهادية الوسيلة المثلى للشعور بالأمن، واستعادة كرامة الفرد والأسرة، وتحقيق الكسب المادي، وإشباع الرغبة فى المغامرة.
حتى وإن راقت الجهادية السلفية لأقلية قليلة من المسلمين الإثيوبيين، إلا أنها ستفرض تحديا إضافيا على الدولة الإثيوبية في وقت لا يمكنها فيه مجابهته، ففي حقيقة الأمر، لا يمكن الجزم بأن حكومة آبي أحمد تمارس فعليا سيطرة كاملة على قطاع الأمن الإثيوبي، كما يتضح من سلوك قوات الشرطة الإقليمية، والتمرد، ومحاولة الانقلاب منذ عام 2018. وفي أسوأ الحالات، تواجه إثيوبيا خطر حدوث إنهيار أكبر للدولة، الذي ربما يكون مدفوعا جزئيا بالتنافس الجيوسياسي على المستوى الإقليمي، والتداعيات الاقتصادية والسياسية لكوفيد – 19، حيث أجبر هذا الوباء إثيوبيا على تأجيل انتخاباتها، وهو ما يهدد بوضع حكومة آبي أحمد في مأزق دستوري بحلول الخريف القادم. سيكون هذا السيناريو على الأرجح ميزة كبرى للجماعات السلفية الجهادية في شرق أفريقيا.
وختاما فإن ضعف الدولة والاضطرابات الاجتماعية في أغلب أنحاء شرق أفريقيا يوفران تربة خصبة لتمدد الجماعات الجهادية السلفية. وإضافة إلى الدول التي عرضت لها هذه الدراسة، تواجه السودان احتمال تواجد أكبر من قبل الجماعات السلفية الجهادية في الوقت الذي تمر فيه بمرحلة انتقال سياسي متعثر وغير مؤكد. وفي جنوب شرق أفريقيا، اندلع تمرد سلفي جهادي في شمال موزمبيق يبدو أنه يستقطب مقاتلين من جميع أنحاء وسط وشرق أفريقيا، وبخاصة من تنزانيا، التي لديها تاريخ طويل مع النشاط التجنيدي من قبل حركة الشباب، ويعمل هذا التمرد تحت راية “ولاية وسط أفريقيا”، أحدث الولايات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، التي تزعم أيضا مسئوليتها عن هجمات نفذتها جماعة كانت موجودة في السابق في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولا يزال الكثير عن هؤلاء المتمردين، وعلاقاتهم بتنظيم الدولة الإسلامية غير معروف حتى يومنا هذا.
في جميع أنحاء العالم، أصبحت الجماعات السلفية الجهادية أكثر عددا وفتكا عما كانت عليه في مطلع هذا القرن. شهد شرق أفريقيا ثلاثة أجيال على الأقل من الجهاديين السلفيين الذين شاركوا في الجهاد ضد السوفيت، أمثال صالح نبهان، الذي أشرف على الهجمات في مسقط رأسه في مومباسا وهو في عمر 23 عاما، وأمثال الجنود الشباب الذين يعملون اليوم ضمن صفوف “حركة الشباب”، وفي ضوء الاتجاهات الحالية، قد يكون الجيل القادم أكثر عددا وأعظم تنوعا من أي جيل آخر سبقه.
*جيمس بارنيت – باحث وكاتب مستقل ومحرر في مجلة The American Interest
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية على هذا الرابط:
https://www.hudson.org/research/16075-the-evolution-of-east-african-salafi-jihadism