خارطة المشروع العربي
على هامش الفعل السياسي وتحقيقا لمصلحة العرب وتوافقا مع قرارات أممية، تمضي الإمارات بثبات في علاقاتها الدولية، خاصة في مستجدات ملف سوريا.
فزيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات، لدمشق، ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد، لا تحيد عن التوجه الإماراتي نحو ترميم الصدْع ومحاولة إعادة المشروع العربي الكبير إلى الحياة، لمواجهة أي تهديدات خارجية، مستفيدة من سُمعتها المشهود لها في مجال التسوية، التي تصبُّ في صالح الأطراف كافة، وعدم الانخراط في تكتلات وتحالفات مهما كان نوعها، خاصة في سوريا.
فالموقف الإماراتي المتوازن من الأزمة السورية كان واضحاً منذ البداية ومتوافقاً مع القرارات الأممية.
خطوة غير مسبوقة في الوقت الراهن خطتها الإمارات تجاه سوريا، لتضع يدها في يد هذا البلد الذي فقد ما فقد وعانى ما عانى حتى اليوم، لتعيده نحو المسار العربي بثقله التاريخي المعهود.. فالبيت المتوحّد يقوم بأركانه كافة، وإن اشتكى في جسده عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى.. هذه الحمّى لا تأتي إلا من أطماع خارجية معروفة تقودها اليوم في منطقتنا كل من تركيا وإيران.. وهنا يرنُّ جرس إنذار عند الدول، التي تقود المنطقة العربية نحو مزيد من الاستقرار والأمن، ومنها دولة الإمارات، بما تملكه من حكمة سياسية وسمعة دولية إيجابية ودعم تنموي وإنساني مشهود له دوليا.
لا شك أن أصوات المشككين تتغذى على هكذا تحركات، ولكنها لا تعيق، بل هي غبار متناثر يُحدثه وثْب الخيول الأصيلة.. فكل فعل إنساني يُغلَّف بنوايا سياسية كما يعتقد البعض.. فليكن ذلك، طالما كانت النية السياسية متجهة نحو البناء وليس الهدم.. نحو إعادة التعمير ورصف الصف وإعادة دولة كسوريا إلى مقاعد جامعة الدول العربية، وليس تقسيم الكعكة على المتربصين.. فليكن ذلك، أليس السلم والأمن مَطلبَيْن مُلحَّيْن في منطقة الشرق الأوسط بعد كل ما ذاقته من ويلات على مدار السنوات العشر الأخيرة؟!
الحرب والسلاح والتدخل العسكري لم تعد خيارات أُولى لدى الدول ذات النهج الحكيم والقرارات المتوازنة.. فتجد كل الحلول الدبلوماسية تتجه نحو “المنطق”، وهو ما يتضح كذلك في الفعل الإماراتي، الذي يتخذ خطوطاً واضحة خلال مسيرته ما بعد الخمسين عاماً الأولى، لتنطلق دورة جديدة من دورات النمو الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فالمبدأ الثالث ضمن المبادئ العشرة في وثيقة الخمسين الإماراتية ينص صراحة على أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات.. فهدف السياسة هو خدمة الاقتصاد.. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات.
وفي العلاقات الاقتصادية، تُعد الإمارات من أهم الشركاء التجاريين لسوريا -تحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً وتستحوذ على 14% من تجارة سوريا الخارجية- وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال العام الماضي نحو 2.6 مليار درهم، وخلال النصف الأول من العام الجاري نحو مليار درهم، فيما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 1.5 مليار درهم بنهاية 2019.