كتابات راي

لا مستقبل للعرب في ظل الإسلام السياسي

كان منظرو حزب البعث الأوائل وفي مقدمتهم مؤسسه ميشيل عفلق يأملون في أن يكون الصلح بين العروبة والإسلام عميقا إلى الدرجة التي تمكنهم من القول بيقين إن ذلك الصلح ينطوي على اشتباك مصيري لا يمكن أن يتم تفكيكه انطلاقا من كون العروبة هي الحاضنة الأولى للإسلام. 

غير أن أصحاب تلك الفكرة لم يأخذوا في الاعتبار أن الإسلام العربي صار مستضعفا بعد أفول الحضارة العربية وبعد أن انتشرت العقيدة الإسلامية بين أمم لا تتكلم العربية ولا تقيم وزنا للثقافة العربية لأنها لا تعرفها. بل إن بعض تلك الأمم كالأتراك والفرس ينظر إلى العرب بطريقة غير ودية، كونهم احتكروا التنزيل الإلهي بلغتهم وأقاموا على أساسه حضارتهم التي أثبتوا من خلالها تفوقهم على الأصعدة السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والثقافية. كان فجّر الإسلام مناسبة لظهور العرب أمة لها خصوصية ثقافية في التاريخ البشري. 

وحين نسلّط الضوء على الإسلام الفارسي على سبيل المثال نكتشف أن الممرات التي تصل بينه وبين العقيدة المحمدية تكاد لا تُرى. بل إن الفروع الفارسية طغت على الأصول الإسلامية حتى صار التعرف على الإسلام من خلال الدرس الديني الفارسي أمرا في غاية الصعوبة. أنت أمام دين آخر بطقوس هي مزيج من الغطاء الإسلامي والعادات والشعائر المحلية. يصح ذلك الحكم على الإسلام الهندي والإسلام الأفغاني بدرجات متفاوتة. 

لا أريد هنا أن أدخل في متاهة الإسلام الصحيح. فالدخول إلى تلك المتاهة بحثا عن أصول معروفة هو أيضا نوع من التعبير عن الاضطراب والارتباك في الرؤية والتفكير. فالدين ليس واحدا وهو أشبه بالسائل الذي يأخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه. ذلك ما يستنكره السلفيون وهم محقون غير أن الواقع يقره وهو ما فرض نفسه على التاريخ. 

هل هم مسلمون؟ ذلك ما يقررونه لأنفسهم بأنفسهم. فلا حكم لأحد على أحد في مسألة تتعلق بالعبادة. ولكنْ جماعات وأحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي المسلحة وغير المسلحة لها رأي آخر. رأي يفرض إسلاما بعينه على جميع المسلمين. ومن المؤكد أن ذلك الإسلام الذي تتبناه تلك الجماعات المتشددة لا علاقة له بالإسلام المحمدي الذي يتميز بالتسامح والذي استندت إليه دولتان شبه مدنيتين هما الدولة الأموية التي كان المسيحيون يديرون الكثير من شؤونها والدولة العباسية التي انفتحت على العالم ولم تعتبره دار حرب يقع عليها واجب شن الحرب عليه. 

ومنذ أن عاد المتأسلمون العرب إلى أفكار سيد قطب، التي هي ليست المنطلقات النظرية لا لجماعة الإخوان المسلمين وحدها بل لكل الأحزاب الشيعية وفي مقدمتها حزب الدعوة، فإنهم صاروا ينظرون بطريقة حاقدة إلى الحضارة العربية الإسلامية التي قامت في دمشق وبغداد والأندلس. لم يكن ذلك هو الإسلام الصحيح من وجهة نظرهم. كان إسلاما ليّنا ومرفها ورخوا وسياحيا في حين أن الإسلام الذي يسعون لفرضه على المجتمعات العربية المعاصرة هو إسلام الشدة والحرب والكراهية ومقاطعة العلم والعمل على نشر الخرافة والجهل والشعوذة. 

ذلك هو الإسلام الذي حملته وتحمله التنظيمات الجهادية في سوريا وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن وحركة النهضة في تونس. كل هذه الجماعات لا ترى في العروبة إلا عدوا. لقد تحوّل العالم العربي إلى دار حرب ما دام الإسلام وهو الموجه العقائدي يصدر من بيئة معادية للعرب. وإذا ما كان أعداء العرب التاريخيون قد نجحوا في إقامة سدّ بين الانتماء الثقافي العربي والانتماء العقائدي الإسلامي، فإنهم عن طريق ذلك السد قد جذبوا إليهم فئات من الشباب العربي صار عداء العروبة هدفها. 

فشل المشروع القومي العربي وسقطت الأنظمة التي كانت محتمية بذلك المشروع. كان المخطط أن يحل الإسلاميون بإسلامهم المنتصر محل القوميين بعروبتهم المهزومة. كانت الهجمة تهدف إلى اقتلاع العروبة. اقتلاع كل بلد عربي تتمكن منه من محيطه العربي. هي حرب الإسلام غير العربي على العرب بحجة عالمية الإسلام. وهي حجة منافقة يُراد من خلالها تغليب أي عنصر اثني غريب على العنصر العربي. 

ليس الإسلام السياسي في وجهه المعلن سوى أداة لتدمير العروبة من داخلها باعتبارها حاضنة للإسلام الذي تم الانحراف به عن مساره الصحيح. فالإسلام العربي المستضعف ليس هو الإسلام الصحيح. ولهذا فقد صار لزاما على العرب أن يتخلوا عن عروبتهم ليكونوا مسلمين. 

كل التنظيمات والأحزاب والجماعات التي تنادي بالإسلام السياسي لا تخفي عداءها للعروبة ثقافة وتاريخا ومجتمعات. 

*كاتب عراقي 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق