عراب الثورة الصومالية
لو كنت كاتب كتابا عن تاريخ الصومال لكتبت عن ” سيد الدروايش ” إنه ظاهرة لم يتكرر مثلها في تاريخ العالم فهو لم يكن مجرد قائد ثوري ألهم نفوس الناس للتصدي للإحتلال الغاشم ومواجهة بريطانيا العظمى والطليان والحبشة في آن واحد وبأسلحة بدائية وإمكانيات متواضعة.
ولكن كان أكثر من قائد فهو شاعر لا كالشعراء ، إنه القائد الشاعر الذي يعوض عن قلة الإمكانيات بوفرة الهمم والنفوس الأبية عبر أشعاره الخالده في ذاكرة الزمان ، لم يكن شعره يلمع في مجال الحماسة وإعداد النفوس للمقاومة وحسب بل كان شاعرا وأديبا لا يشق له غبار في الفخر والهجاء ، في المدح وفي الحكمة ، وفي معرفة الرجال وأقدارهم ولهذا كان شاعرا أبدع بكل المقاييس وملك ناصية الكلمة كما ملك الأرض في وقت ما.
وكان سيدا في الحرب وعظيما في الشعر ، وكان مع هذا وذاك عالما بالدين وفقيها في أمورها ، فلم يكن مجرد قائد عادي بل كان مرجعية دينية وزعيم روحي ومنظر للأفكار والفلسفة ، وقد اشتهر أيضا بفراسته التي وصلت للآفاق وبسرعة البديهة التي اشتهر بها ، كان فارسا في ساحة الحرب ، وخطيبا ينهض الهمم والعزائم وشاعر يفحم خيرة الشعراء ، وشيخا يتصدى لأكبر المسائل وحكيما يحل الألغاز وأسطورة صومالية خلفت وراءها أبياتا تناقلتها الأجيال وأمثالا صارت في كل لسان ومكان وزمان ، وتاريخا نفتخر بها جميعا ، وكل إنسان مهما كان عظيما لا بد وأن يتعثر فهذا من طبع البشر.
غفر الله له وجعلنا أمة تليق بسيد نبيل مثله ، وأبقى شعلة الثورة التي أشعلها متوقدة على الدوام،رفع رؤوسنا شامخة وحمانا من ضياع الوطن والقيم ، حارب من أجلنا ومات في سبيل الله فليكن مثواه الجنة بإذن الله.
ذاك الرجل الذي عجزت عن هزيمته أكبر إمبراطورية في العالم آنداك،إمبراطورية بريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس وحكومة صاحبة الجلالة حاملة التاج البريطاني حتى إضطرت لإستخدام السلاج الجوي لأول مرة في إفريقيا وقصف معقل السيد ودراويشه الأبطال البواسل ، ذاك الرجل الذي كبد أعرق إمبراطورية في إفريقيا وأكبر مملكة في القارة السوداء حينها مملكة الحبشة خسائر فادحة وجعلها تولي الأدبار ، ذاك الرجل الذي تفاوض بحكمة السياسي وحنكة الدبلوماسي وبدهاء رجل الدولة مع إيطاليا ، أعرق جمهورية في العالم وجعلها تشهد له بالذكاء والقوة ، ذاك الرجل الذي قاد أول كفاح مسلح ضد الأوروبيين في القرن الإفريقي، ذاك الرجل هو غاندي الصومال وعمر المختار القومية الصومالية وعراب الثورة الإفريقية ، ذاك الرجل هو القائد الذي دفع البرلمان البريطاني بعقد جلسة لتبادل الآراء حول شخصيته وفهم سلوكه ، اعترف لعظمته القاصي والداني وشهد له الجميع سواء كان صديقا مقربا أو عدو لذودا بأنه أعظم فتى أنجبته الصومال بعد الإمام الغازي أحمد غري رحمهما الله