قراءة في “النوايا الإرهابية” بالساحل الأفريقي
من المعروف في أدبيات الحروب أنه بعد كل عملية عسكرية يأتي رد فعل. هذا بالضبط هو ما يحدث للإرهابيين الذين ينشطون بوسط أفريقيا.
يواجه تنظيما داعش والقاعدة الإرهابيان ضغوطاً كبيرة من الجيوش المحلية بمساعدة القوات الأجنبية التي تصل إلى المنطقة تدريجياً لمحاربة هذه الآفة في بلدان غرب أفريقيا مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وكان ردّ فعل داعش هو البقاء في الأراضي الخاضعة لسيطرته، ولكن مع زيادة هجماته، وترجمتها إلى مذابح حقيقية. وبذلك يحقق التنظيم الإرهابي نتيجة مزدوجة: بث الرعب في نفوس السكان واستغلال ذلك لأغراض دعائية إعلامية، ليصل إلى كل وسائل الإعلام الأجنبية.
وبدأ داعش تكتيكه الإرهابي الجديد في مارس/آذار المنصرم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو من خلال فرعه في الصحراء الكبرى. وبعد أيام، فعل ذلك مع فرعه بوسط أفريقيا في موزمبيق، وفي اليوم الأخير من شهر مارس/آذار يُعيد الكرّة مجدداً مع فرعه بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث قتل 25 شخصاً في قرية بيو مانياما-موليسو الواقعة في منطقة بيني.
من جانبها، اختارت القاعدة في غرب أفريقيا محاولة التوسّع إلى مناطق أخرى، من ناحية، ومن جهة أخرى لتغيير نوعية هجماتها بمحاولة استهداف العاصمة المالية، باماكو. وعلى مدار أسبوعين، تداولت سفارات في العاصمة المالية أنباءً تفيد بوجود احتمال كبير لتنفيذ هجوم وشيك. ويرجع ذلك إلى أن المخابرات المالية تمتلك معلومات عن عنصر مالي وآخر باكستاني من أنصار الدين كانا يعتزمان تنفيذ هجوم في باماكو. هذان الشخصان كانا مقربين من زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، إياد أغ غالي.
إلى الجنوب، وفي دولة بنين، لم تتبنّ بعد أي جماعة إرهابية، اقتحام حديقة بندجاري أين قُتِل ثلاثة من مقاتليها في 25 مارس/آذار المنصرم. وبعد أربعة أيام، أي في 29 مارس/آذار، دخل ما يقرب من ستين إرهابياً من القاعدة ببوركينا فاسو إلى شمال ساحل العاج وشنّوا هجومين، أحدهما على معسكر للجيش في كافولو لقي فيه ثلاثة جنود حتفهم وأصيب سبعة بجراح، وعلى جانب الإرهابيين، قتل اثنان وتم القبض على أربعة. وخلال فرارهم، أطلق الإرهابيون النار على جندي آخر في تاهيني.
وبالتزامن مع ذلك، وقع هجوم ثانٍ في كولوبوغو، الواقعة على بُعد 60 كيلومتراً شمال غرب تاهيني، حيث هاجموا مخفراً للدرك وقتلوا أحد العناصر بالمركز.
لم تتوقف الهجمات في ساحل العاج، وفي دوروبو، على الحدود مع بوركينا فاسو، قُتل شرطي آخر في مواجهة مع الإرهابيين، وفي كافولو انفجرت سيارة مدنية بعد مرورها فوق لغم أرضي.
وفي مالي، أودى هجوم على قاعدة لقوات “مينومسا” الدولية في بلدة أغلهوك في 2 أبريل/نيسان الجاري بحياة أربعة جنود من قوات حفظ السلام التشادية. وفي اليوم التالي، تعرّض مركز الدرك في نيغيلا “60 كلم جنوب باماكو” لهجوم من قبل الإرهابيين. يجب أن نضع في الاعتبار أن هذه المنطقة المالية لم تكن تشهد هجمات من قبل، وأنها تقع على بُعد أقل من 50 كيلومتراً من ساحل العاج.
تنفذ القوات المسلحة المالية عمليات تطهير في جنوب البلاد ضد جماعة أنصار الدين، خاصة كتائب تحرير ماسينا بزعامة أمادو كوفا “القاعدة في الساحل” بعد تعرض مدنيين وجنود لهجمات في هذه المنطقة. ويُظهر لنا هذا المُعطى مدى تغلغل الإرهابيين في جنوب مالي وشمال ساحل العاج. وبالنسبة لتنظيم القاعدة، لا توجد حدود بين ساحل العاج ومالي وبوركينا فاسو. ولن تفكر الجماعة في وقف تقدمها جنوباً ما لم تواجه تصدياً قوياً من القوات الإيفوارية.
إذا حاولنا إجراء تحليل لنوايا الإرهابيين في وسط أفريقيا بناءً على أحدث النتائج، فيمكن استنتاج ما يلي:
– هناك مؤشرات على أن داعش قد قرر تكييف هجماته بما يضمن له إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا بهدف مزدوج واضح: إرهابي ترويعي ودعائي إعلامي.
– تقوم القاعدة بتقييم القدرة الدفاعية للجيوش في مناطق جديدة، وإذا تأكدت أنها هشة أمنياً، فستواصل الهجوم والتقدم، من دون أدنى شك.