النفط في الصومال هل يشعل حرب اهلية قبيل الانتخابات الرئاسية؟
في تحالفه مع البرلمان يسارع الرئيس الصومالي فرماجوا الي تاسيس هيئة النفط واقرار القانون والاعلان عن فتح التعاقد مع الشركات العالمية الامر الذي يهدد بصراع جديد مع الولايات المعارضة ويتيح المحال لتوسع جماعة الشباب..
وأثار قانون البترول الصومالي الذي أقره البرلمان موجة جدل بين الأوساط السياسية الصومالية التي رأت انه سيجلب خلافات اكبر بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات.
هذه الصراعات تتغذى على تدخلات لاعبين إقليميين ودوليين يعتبرون أطرافاً فاعلة في هذا الصراع الذي يعد السبب الرئيسي في عدم إحراز تقدم في العملية السياسية.
بدأت عمليات استطلاع واكتشاف الموارد المعدنية والبترولية في الصومال ما قبل الاستقلال عام 1960 إلا أن تاريخ القوانين المنظمة لهذه الموارد تعود إلى نهاية الثمانينات، وقد سن أول قانون مستقل للبترول عام 1984، وبموجب هذا القانون وقّع نظام سياد بري اتفاقات امتياز مع العديد من شركات النفط الكبرى. وعندما اندلعت الحرب الأهلية وانهار النظام اضطرت شركات النفط إلى وقف أنشطتها والانسحاب من الصومال (2) غير أنها عادت هذه الشركات إلى الصومال من جديد مطلع عام 2000م ما دفع الحكومة الصومالية إلى إعادة النظر في قانون المعادن الذي كان معمولا به منذ عام 1984 وجرى طرح قانون جديد للبترول عام 2008 وكان معمولا به حتى مصادقة البرلمان للقانون الحديد في ٢٠ مايو٢٠١٩م ومن المتوقع ان يدخل حيز التنفيذ بعد مصادقته من قبل مجلس الشيوخ وتوقيع رئيس الجمهورية عليه.
أطراف الصراع:
الصراع في استغلال الثروة النفطية في الصومال هو بالأساس بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات داخلياً وبين العديد من الدول الإقليمية والدولية
وتتصدر تركيا وقطر وكينيا المشهد الإقليمي و الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومملكة النرويج وهولندا وفرنسا وإيطاليا المشهد الدولي وهي دول تمتلك شركات عملاقة عاملة في مجال استكشاف البترول واستخراجه، وقد أعاقت الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م أطماع تلك الدول فلم تجد فرصة لتحقيقها بسبب الأزمة الأمنية وغياب النظام إلا أنها حاولت قدر المستطاع أن تكون على صلة بمجريات الأحداث في الصومال سواء من خلال أخذ أدوار في تقديم الدعم الإنساني أو المشاركة في الجهود التي بذلت لانتشال الصومال من وحل الحرب الأهلية أو حتى من منظور محاربة الإرهاب والمساهمة في إعادة بناء الدولة الصومالية.
وبعد تبني الصومال النظام الفيدرالي أكدت تلك الدول علاقاتها مع الحكومة الفيدرالية أو الولايات الإقليمية للاحتفاظ بمصالحها، واستخدامهما في تحقيق مساعيها الرامية إلى الاستفادة من الثروة النفطية في الصومال، ولم تكتف تلك الدول بعلاقاتها مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو لضعف سلطتها في الأقاليم.
أهمية هذه القضية وأسباب الخلاف:
تمتلك الصومال ثروات نفطية ومعدنية كشفت عنها المسوحات الميدانية لشركات اجنبية امريكية وفرنسية ونرويجية وأسترالية حيث تصنف الصومال الثامن على مستوى العالم في المخزون النفطي لكن هذه الثروة بدلاً من استخراجها وتوظيف عائداتها بما يخدم الصوماليين الذين عانوا كثيراً من ويلات الصراعات والحرب الأهلية ليصلوا الي قيام شكل للدولة تحولت هذه الثروة الي بارود يمكن ان يعيدهم الي جحيم الصراعات والحرب الأهلية وتعميق الانقسام وتقويض الشكل الهش للدولة بسبب الصراع بين الحكومة المركزية الفيدرالية وسلطات الولايات .
وقد جاء قانون البترول الذي أقره البرلمان الصومالي في ٢٠ مايو ٢٠١٩ م ليكرس الخلافات ويعمق الصراعات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات.
ويحظى استغلال الثروة النفطية في الصومال بأهمية كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، الأطراف الخارجية تريد الاستفادة من تلك الثروة اقتصاديا بينما تسعى الأطراف الداخلية إلى الاستفادة منها اقتصاديا وسياسيا، خاصة مع إقبال البلاد على الانتخابات التي ستجرى نهاية العام المقبل٢٠٢٠، فهذا هو من أسباب حرص القيادة الصومالية على إبرام عقود مع الشركات النفطية لأخذ مبالغ مالية منها لاستخدامها في حملاتها الانتخابية حسب ما كشفه مقربون من الرئيس محمد عبدالله” فرماجوا”.
الامر الآخر فإن هذا القانون لا يعترف سوى بالاتفاقيات النفطية المبرمة بين الصومال والشركات النفطية ما قبل انهيار الحكومة المركزية عام 1990 وبالتالي يجعل عدد من الاتفاقيات بين الحكومات الإقليمية والشركات الأجنبية في السنوات القليلة الماضية – مثل الاتفاقية مع شركة أفريقيا أويل الكندية التي تملك الامتياز الحصري لتنقيب البترول في مناطق وادي طرور ووادي نجال في بونت لاند شرق البلاد والتي بدأت عملياتها عام 2007م بموجب عقد مع جنرال عدي موسي رئيس بونت لاند الأسبق- يجعلها هذا القانون لاغية وغير قانونية وهذا ما يثير حفيظة رؤساء الولايات في الصومال.
والأمر الثالث فإن هذا القانون يكشف تاثيرات قوى دوليه إحداها الولايات المتحدة الامريكية في صياغة هذا القانون الذي يحفظ الحق لشركات كانت قد وقعت عقود قبل إنهيار نظام سياد بري ومن هذه الشركات على سبيل المثال شركة شيل أكسون موبيل الهولندية- الأمريكية، عملت الشركة في الصومال قبل انهيار الدولة وتعاقدت مع الحكومة الصومالية في تنقيب البترول في المياه الصومالية عام 1988 وخاصة في المناطق مابين بندر بيله في الشمال، ومركة في الجنوب، هذه الشركة عادت إلى البلاد وتعد من الشركات التي تدعم الحكومة الصومالية.
والأمر الرابع يتعلق بهيئة البترول الصومالية (HBS): يمنح هذا القانون صلاحية إنشاء هذه الهيئة المسؤولة عن وضع السياسات النفطية الاتحادية وخطط التنقيب وتطوير الحقول وعزل أعضائها متى رأت ذلك ضرورية ودون التشاور مع الحكومات الإقليمية. كما أنها أخذت النصيب الأكبر من مجلس الهئية المكون من 9 أعضاء ثلاثة من الحكومة الاتحادية 6 من الحكومات الإقليمية ( لكل إقليم عضو واحد) يعملون لفترة ولاية تستمر 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وقرارات الهيئة تكون نافذة بموافقة 5 أعضاء. وهذا الاستحواذ لم يعجب الحكومات الإقليمية ورأوا أن القانون يهمش دورها .
خيارات الأطرف المتصارعة:
خيارات الدول الغربية الساعية إلى الاستفادة من الثروة النفطية في البلاد محدودة فليس أمامها إلا استمالة السلطات الصومالية وإقناعها بمنحها عقود استكشاف واستخراج البترول في البلاد، إلا أن هناك تحديات تواجه الجهات الراغبة في استغلال تلك الثروة بسبب الصراع القائم بين الصوماليين أنفسهم في هذا المجال، فالحكومة الفيدرالية المعترف بها دوليا ضعيفة لا تتجاوز سلطتها العاصمة مقديشو وهناك العديد من الولايات الإقليمية التي تتمتع بشبه حكم ذاتي إضافة إلى أرض الصومال (الأقاليم الشمالية في الصومال) التي أعلنت انفصالها من طرف واحد عام 1998 والتي تدير أمرها بشكل مستقل وإن لم تحصل على اعتراف المجتمع الدولي ولا ترجع إلى الحكومة الفيدرالية في الاتفاقيات التي تبرمها مع الشركات والدول.
هذه الإشكالية أصبحت عقبة أمام الجهات الطامعة في استغلال الثروة النفطية وانقسمت على نفسها حيث اتجه بعضها إلى الحكومة الفيدرالية بصفتها الممثل الشرعي للبلاد بينما اتجه البعض الآخر نحو الولايات الإقليمية فقد كشف أحمد دعالي حاف ال رئيس السابق لولاية غلمدوج وسط الصومال مؤخرا عن اتفاقية أبرمها مع شركات أجنبية لم يكشف عن أسمائها في العاصمة الكينية نيروبي لاستخراج النفط في ولايته خلال 18 شهراً كما قامت شركات بنفييب البترول في ولاية بونت لاند قبل بضع سنوات دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية في مقديشو الأمر الذي أدى إلى استمرار الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية حيث تجادل الأولى بأن إبرام العقود مع الشركات من اختصاصها بينما ترفض الولايات الإقليمية ذلك ويفسر كل طرف الدستور الانتقالي بما يناسبه.
استراتيجية الأطراف في تحقيق أهدافها:
تنوعت الاستراتيجيات التي انتهجتها الدول في الفوز بقعود التنقيب عن البترول في الصومال وتغلغلها في الساحة الصومالية، فقد دخلت بعض الدول من باب المشاريع الإنسانية مثل النرويج التي بدأت العمل في الصومال من خلال المجلس النرويجي للاجئين الذي كان ممن يعملون فيه رئيس الوزراء الصومالي الحالي حسن علي خيري الذي يحمل الجنسية النروجية كما ارتبطت الحكومتان الفرنسية والإيطالية بالصراع الدائر بين الصومال كينيا في مناطق الحدود البحرية بين البلدين، حيث يعتقد أنهما كانتا تدعمان كينيا في ادعاءها أجزاء من المناطق البحرية الصومالية يقال إنها غنية بالنفط الأمر الذي كان السبب الحقيقي لدخول القوات الكينية إلى الصومال عام 2011 ولم يكن هدفها محاربة حركة الشباب الأمر الذي اتخذته ذريعة لاجتياح الصومال دون استئذان الحكومة الصومالية الانتقالية في ذلك الوقت.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فدخلت إلى الصومال من باب مكافحة الإرهاب لحماية مصالحها فلم تحرز أمريكا أي تقدم في الحرب على حركة الشباب والجماعات المتطرفة الأخرى التي لن تهزم بتوجيه ضربة أو ضربتين إليها بعد كل فترة وإنما تتخذ مكافحة الإرهاب ذريعة لبقاءها في الصومال فقد عززت الإدارة الامريكية باتخاذ مطار بلي دوقلي العسكري الواقع على بعد 100 كم إلى الشمال من العاصمة مقديشو قاعدة عسكرية يتمركز بها مئات الجنود الأمريكيين وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية اختارت التمركز في إقليم شبيلي السفلى المجاور للعاصمة لما في مناطقه الساحلية من احتياطات نفطية كبيرة.
وبدأت بريطانيا محاولات للهيمنة على المشهد في الصومال واستضافت على مدار السنوات الماضية مؤتمرات دولية بشأن الصومال في عاصمتها لندن كان آخرها مؤتمر عقد في شهر فبراير ٢٠١٩ لبيع حقول نفطية في البحر الصومالي ما أثار معارضة شديدة من جانب الحكومة الكينية التي اتهمت الصومال بعرض مناطق تابعة لها للبيع في مزاد علني في مؤتمر لندن وفجر ذلك أزمة دبلوماسية بين الدولتين الجارتين في أعقاب استدعاء كينيا سفيرها لدى الصومال ومطالبة السفير الصومالي بالعودة إلى بلاده ولم تنجح الوساطة التي قامت بها الحكومة الإثيوبية في احتواء تلك الأزمة ما دعا كينيا إلى تشديد الضغوط على الصومال، إلا أن تلك الحكومة الصومالية لم ترضخ لتلك الضغوط.
وكشف النزاع الدبلوماسي بين الصومال وكينيا في الحدود البحرية عن علاقة بعض الدول العربية بمشروع استغلال النفط في الصومال، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي ساعدت الصومال في رفع دعوى قضائية ضد كينيا إلى محكمة العدل الدولية ولم يظهر السبب وراء التحرك الإماراتي في هذا الصدد إلا أن الأمور اتضحت في وقت لاحق بعد أن تحدثت بعض المصادر عن أن دولة قطر لها أسهم في شركة “إيني” الإيطالية التي تنقب البترول في المناطق المتنازع عليها بين الصومال وكينيا، وقد أعلنت شركة قطر للبترول رسمياً في الـ 24 من يوليو الماضي أنها اشترت 25 % من أسهم الشركة الإيطالية المذكورة وشركة “توتال” الفرنسية وكانت حكومة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود هددت بمقاضاة شركة أيني الإيطالية لقيامها بالتنقيب عن البترول في مناطق من المياه الصومالية.
وبالرغم من الجهود الكبيرة والمضنية التي بذلتها الدول الأجنبية ومعها حلفاؤها في الصومال في استغلال الثروة النفطية في الصومال، إلا أن تحديات كبيرة تواجه مشاريعها ناجمة عن الأوضاع الداخلية المعقدة، فبعض الدول عولت على الحكومة الفيدرالية التي هي الممثل الشرعي للصومال، إلا أن الحكومة ليست لها سلطة فعلية على الأرض حيث إن غالبية مناطق البلاد لا تخضع لسيطرتها فهي إما تحت حكم حركة الشباب أو بعض الولايات الإقليمية المعارضة لها أو إدارة أرض الصومال (صومالي لاند) المعلنة لانفصالها كما أن تعويل بعض الدول على الولايات الإقليمية لن يأتي بنتيجة لأن من المستبعد نجاح محاولات تلك الدول في ظل معارضة الحكومة الفيدرالية الصومالية وتكون المحصلة النهائية استمرار الصراع بين الأطراف الطامعة على الساحة الصومالية مما سيكون له انعكاسات خطيرة على الوضعين الأمني والسياسي في البلاد.
• العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات:
تتسم العلاقة بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والولايات الإقليمية بأهمية كبيرة في الساحة السياسية الصومالية منذ تبني البلاد النظام الفيدرالي في عام 2004 فمنذ ذلك الحين ظهر صراع على السلطة بين الجانبين خاصة في ظل غياب دستور يفصل في صلاحيات كل من المركز والأطراف بشكل محدد وتركت هذه القضية آثارا سيئة على مسيرة بناء الدولة الصومالية.
الأطراف الفاعلة:
الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الإقليمية هما الطرفان الرئيسيان الفاعلان في هذه القضية إلا أن هناك علاقة لأطراف خارجية تدعم الحكومة الفيدرالية أو الولايات الإقليمية بعدما رأت تلك الأطراف مصلحتها مع الحكومة أو مع الولايات، وواضح أن الحكومة الفيدرالية تحصل على الدعم المطلق من الحكومتين التركية والقطرية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت الآن من الداعمين الأساسيين للحكومة الصومالية الحالية كما أن الولايات الإقليمية تحصل على الدعم من العديد من الدول مثل الإمارات وكينيا.
أهمية هذه القضية وأسباب الخلاف:
تحظى قضية العلاقة بين الحكومة الصومالية والولايات الإقليمية بأهمية كبيرة في النظام السياسي الحالي خاصة بعد أن عجزت الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ تشكيل الحكومة الانتقالية في منتجع عرتا في جيبوتي عام 2000 عن بسط سيطرتها على التراب الصومالي والتغلب على المشاكل الأمنية والسياسية التي تعج بها الساحة الصومالية والتي كانت تتمثل في وجود أمراء حرب يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد بما فيها العاصمة مقديشو، ثم ظهور المتشددين الإسلاميين الذين قضوا على أمراء الحرب لكنهم أصبحوا عقبة ليس أمام الصومال فحسب بل أمام دول المنطقة بأسرها لما يقومون به من أعمال إرهابية في الصومال وبعض الدول المجاورة، فشل الحكومات السابقة أعطى دوراً بارزاً للولايات الإقليمية خاصة تلك التي تتمتع مناطقها باستقرار نسبي مثل ولاية بونت لاند الواقعة في شمال شرق الصومال مما تسبب في ظهور صراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في إدارة شئون البلاد وفرض كل طرف رؤيته على الطرف الآخر.
خيارات الأطراف المتصارعة:
يوجد لطرفي الصراع العديد من الخيارات لكسب المعركة السياسية، فالحكومة الفيدرالية بصفتها الممثلة للبلاد بما فيها الولايات الإقليمية التي تنافسها لجأت إلى الاستفادة من صلاحياتها الدستورية فقدمت العديد من المشاريع التي تخدم رؤيتها إلى البرلمان الفيدرالي للمصادقة عليها، كما حاولت التغلغل في الشأن الداخلي للولايات من خلال حلفاءها المنحدرين من تلك الولايات للتأثير عليها وكان المال السياسي من الخيارات التي لجأت إليها الحكومة الفيدرالية، إلا أن الولايات الإقليمية من جانبها استخدمت خيارات عدة لمواجهة الحكومة الصومالية وكان من بينها إنشاء مجلس تعاون الولايات الإقليمية الذي تم تأسيسه في أكتوبر 2017 في مدينة كسمايو عاصمة ولاية جوبالاند، فقد وضع المجلس الذي كان يضم جميع رؤساء الولايات الإقليمية عراقيل أمام الحكومة الفيدرالية، وتصدت الولايات أيضا لمحاولات الحكومة الفيدرالية التدخل في شئونها فقد قامت سلطات بونت لاند في يونيو ٢٠١٩م باعتقال رئيس وأعضاء من لجنة تشرف على مشروع بناء طريق مدينة بوصاصو بتهمة أخذ أموال من الحكومة الفيدرالية دون علم الحكومة الإقليمية كما رفضت الولايات مشاريع القوانين التي صادق عليها البرلمان الصومالي بحجة أن الحكومة الفيدرالية لم تستشر معها قبل طرحها إلى البرلمان، والجدل في هذه القضية كان سبب فشل مؤتمر “جروي” التشاوري بين القيادة الفيدرالية وقيادة الولايات في مايو الماضي.
استراتيجية الأطراف في تحقيق أهدافها:
انتهج كل من الحكومة الصومالية والولايات الإقليمية استراتيجية حشد الدعم الخارجي لتحقيق أهدافه وتعزيز موقعه في الصراع الداخلي وحظي كل طرف بحلفاء إقليميين ودوليين أبدوا استعدادهم للدعم مقابل ضمان مصالحهم السياسية والاقتصادية في الصومال، فالحكومة التركية- التي لها مصالح اقتصادية كبيرة في الصومال لإدارة شركاتها بعض المرافق الحيوية في البلاد مثل ميناء ومطار مقديشو الدوليين- تدعم الحكومة الصومالية في الجانب العسكري فقد أنشأت في مقديشو قاعدة عسكرية ودربت دفعات من الجيش الصومالي كما دربت ضباطا صوماليين في تركيا، أما قطر التي حظيت بدعم سياسي مهم في الصومال الذي رفضت حكومته الضغوط التي مورست عليها لقطع علاقاتها مع الدوحة بعد نشوب الأزمة الخليجية فإنها تدعم الحكومة الصومالية في الجانب المالي وبفضل هذا الدعم استطاعت الحكومة هزيمة بعض خصومها من رؤساء الولايات الإقليمية مثل رئيس ولاية جنوب غرب الصومال السابق شريف حسن شيخ آدم ورئيس ولاية قل مدق أحمد دعالي حاف وأعادت البعض الآخر مثل رئيس ولاية هيرشبيلي محمد عبدي واري إلى طاعتها.
كما نجحت الحكومة الفيدرالية في كسب تأييد الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تقدم الدعم الدبلوماسي لها كما تساعدها في الحرب على مسلحي حركة الشباب وداعش، وقد كشف الخلاف القائم حالياً في انتخابات ولاية جوبالاند عن الدعم الأمريكي للحكومة الصومالية التي تخوض صراعاً ضد خصمها اللدود رئيس الولاية أحمد مدوبي الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية ثالثة فقد طالب مساعد وزير الخارجية الأمريكي في الشئون السياسية ديفيد هالي الذي زار مقديشو في الخامس من شهر أغسطس ٢٠١٩ والتقى برئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في جوبالاند في إشارة إلى عدم رضاء واشنطن عن سير العملية الانتخابية في تلك الولاية، بينما لم تقل واشنطن كلمة في انتخابات ولاية جنوب غرب الصومال التي أجريت في ديسمبر من العام الماضي في مدينة بيدوا والتي تدخلت فيها الحكومة الفيدرالية الصومالية بشكل مكشوف مستخدمة المال وقوة السلاح لفرض مرشحها على الولاية.
وفي الجانب الآخر تحصل الولايات الإقليمية على دعم بعض الدول لتعزيز موقعها في مواجهة الحكومة الفيدرالية، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة الحليف الاستراتيجي للولايات الإقليمية في الصومال فقد كانت في أيام الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود تقدم دعماً متعدد الأوجه إلى ولايات جوبالاند وبونت لاند وجنوب غرب الصومال، إلا أن الأمر تغير بعد وصول الرئيس محمد عبد الله فرماجو إلى السلطة مطلع عام 2017 والذي رفض قطع العلاقة مع قطر التي مولت حملته عندما كان مرشحاً لرئاسة البلاد وذلك بعد ظهور الأزمة الخليجية ما أدى إلى توتر العلاقات بينه وبين دولة الإمارات التي لم تستطع الدفاع عن حلفائها الاستراتيحيين من رؤساء الولايات الإقليمية مثل رئيس ولاية جنوب غرب الصومال السابق شريف حسن شيخ آدم الذي أطاحت به الحكومة الصومالية نهاية العام لكن الإمارات مع ذلك لا تزال مؤثرة في الساحة الصومالية بحكم علاقاتها مع ولاية بونت لاند وإدارة أرض الصومال “صومالي لاند”.
كما تحظى ولاية جوبالاند بدعم خاص من كينيا التي كانت في الأصل صاحبة فكر إنشاء تلك الولاية التي تحكم المناطق المحاذية لحدودها مع الصومال، وتقدم الحكومة الكينية المال والسلاح لرئيس الولاية أحمد مدوبي ليبقى في السلطة رغم المحاولات التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية للحيلولة دون عودته في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من شهر اغسطس وتعتبر كينيا عودة مدوبي مهماً خاصة في ظل تفاقم النزاع الحدودي بينها وبين الحكومة الفيدرالية الصومالية، أما إثيوبيا فتتمتع بعلاقات طيبة مع الحكومة الصومالية الحالية كما أنها في نفس الوقت تحاول الاحتفاظ بعلاقات مماثلة مع بعض الولايات الصومالية، ومعلوم أن القوات الإثيوبية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي هي التي ساعدت الحكومة الفيدرالية في نصب عبد العزيز حسن محمد لفتاغرين رئيساً لولاية جنوب غرب الصومال بعد اعتقالها الشيخ أبي منصور مختار روبو المنشق من حركة الشباب والذي كان من أبرز المرشحين لرئاسة الولاية، إلا أن أديس أبابا مع ذلك تتمتع بعلاقات وطيدة مع أرض الصومال الانفصالية حيث إنها تساهم بـ 19% في مشروع تطوير منياء بربرا الذي تنفذه شركة موانئ دبي العالمية كما أن لها علاقات طيبة مع ولاية بونت لاند التي افتتحت فيها قنصلية وبدأت شركة الخطوط الجوية الإثيوبية تسيير رحلات إلى كل من قروي وبوصاصو في بونت لاند.
ومهما يكن من أمر فإن الصراع بين الحكومة والولايات لم ينته بعد ويتوقع أن يشتد مع اقتراب البلاد من الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل وبداية العام الذي يليه، فالحكومة الصومالية حققت بعض الإنجازات في الصراع مع الولايات الإقليمية وأطاحت باثنين من رؤسائها المعارضين لها وتصالحت مع آخر، إلا أنها لم تنجح في التأثير على ولاية بونت لاند التي تلعب دوراً رئيسياً في الخلاف بينها وبين الولايات حيث فشلت محاولاتها في دعم مرشح لها في الانتخابات التي شهدتها الولاية مطلع عام 2019 الجاري، كما يبدو أن مشروعها في ولاية جوبالاند هو الآخر في طريقه إلى الفشل حيث يتوقع أن يستمر التوتر والصراع مع الحكومة بعد اعلان البرلمان فوز أحمد إسلام مدوبي في انتخابات قاطعتها المعارضة التي بدورها اجرت انتخابات مستقلة بدعم من الحكومة الفيدرالية الامر الذي دفع الحكومة الي رفض النتيجتين للانتخابات واعتبارها غير دستورية.
وفي المقابل مازال هناك غموض يكتنف مستقبل ولاية قل مدق التي تحرص الحكومة الفيدرالية على ترتيب أوضاعها حسب أجندتها فقد أمضى رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري 45 يوما في الولاية في خلال شهري يونيو ويوليو ٢٠١٩م إلا أن التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة فيها ما زالت كبيرة رغم استسلام رئيسها أحمد دعالي حاف إلى الحكومة الفيدرالية وإعلانه أنه لن يترشح في الانتخابات المقبلة.