نفط الصومال وفُرَص توسيع دائرة الأعمال وتحقيق الازدهار
في السنوات الماضية انتقل الاهتمام بالصومال من نقاشات “الحرب الأهلية” إلى أنشطة حركة العنف المسلح أو “حركة الشباب”، ومن الجميل أن العامَيْن الماضيين شهدَا تحوّلاً إيجابيًّا في الاهتمام؛ رغم محاولات ربط النجاحات الحالية مع التحديات السابقة.
وإذا كان المشهد السياسي يغلب عليه حاليًا استعدادات الحكومة الفدرالية والمرشحين للانتخابات الرئاسية التي يُتوقع إجراؤها في فبراير 2021م؛ فإن البلاد تُحْرِز تقدمًا آخر في صناعة النفط؛ وقد أشارت المسوحات السيزمية التي أجرتها شركتان بريطانيتان “سوما” للنفط والغاز، و”سبكتروم جيو”، إلى أن الصومال تمتلك احتياطيات نفطية واعدة على طول ساحل المحيط الهندي، بين مدينتي جاراد وكيسمايو, وأن إجمالي الودائع البحرية قد يصل إلى 100 مليار برميل.
إضافةً إلى دراسات استكشاف أخرى في السنوات الأخيرة أُجْرِيَتْ على المناطق اليابسة في أرض الصومال (صوماليلاند) في 2018م و2019م مِن قِبَل شركتيGenel وRAK Gas.
وفي عام 2019م أعلنت الحكومة الفدرالية الصومالية عزمها منح تراخيص استكشاف لشركات النفط الأجنبية. وأشار الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في يناير الماضي (2020م) إلى أن الصومال دعت بلاده للتنقيب عن النفط في مياهها. وهو ما يعكس قوة العلاقة بينهما, خاصةً وأن تركيا عزّزت دعمها للصومال منذ عام 2011م، وساعد المهندسون الأتراك في بناء البنية التحتية في البلاد، كما استثمرت الشركات التركية فيها، وشارك الضباط الأتراك في تدريب الجنود الصوماليين في محاولة لإعادة بناء جيش البلاد.
أما شركة البيانات الجوفية TGS, فهي تقول: إن حقول النفط الصومالية البالغة خمسة عشر حقلاً تمتلك إمكانات موارد تبلغ 30 مليار برميل من النفط. وقد خفَّضت الحكومة الفدرالية الصومالية عدد الكتل التي ستُجْرَى فيها عمليات الاستكشاف من 15 كتلة إلى سبعة فقط, وذلك لتتمكَّن البلاد من إدارتها بشكل أفضل.
فرصة اقتصادية للازدهار:
إنَّ وجود احتياطات النفط في الصومال يُتيح فرصًا جديدة للحكومة الصومالية لتمويل مشاريعها التنموية، وتعزيز برامجها الاجتماعية؛ حيث قال “إبراهيم علي حسين” رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لهيئة البترول الصومالية (SPA) التي أُنشِئتْ حديثًا، في حديثه مع مجلة “دي أفريكا ريبورت”: إن الصومال ستصبح في السنوات القادمة دولة مُنْتِجَة للنفط، وستبني صناعة تخلق فرص عمل وتدعم النمو الاقتصادي.
وفي 4 أغسطس الماضي افتتحت الحكومة الفدرالية الصومالية أولى جولات التراخيص (2020م Somali Bid Round)-والتي تُجْرَى افتراضيًّا بسبب أزمة كورونا المستجد-؛ لما يصل إلى سبع مناطق استكشاف, وما زالت تستمر حتى 12 مارس 2021م. بل وأصدرت هيئة البترول شروط الإنتاج، مع التصديق على قانون البترول واتفاقية تقاسم عائدات الموارد، واتفاقية تقاسم الإنتاج.
يُضَاف إلى ما سبق أن الهيئة البترولية قدمت لشركات النفط حوافز “جذابة للغاية”؛ من حيث الضرائب. وتُحدّد توقعات الهيئة البترولية -في حالة سير خطتها بسلاسة- أن تبدأ اكتشافات النفط البحرية في غضون ستّ أو سبع سنوات.
تأمين الأمن وضمان الاستقرار السياسي:
في ثمانينيات القرن الماضي, أثار وجود أنظمة هيدروكربونية على الشاطئ في شمال الصومال اندفاعًا صناعيًّا إلى البلاد قبل أن تضطر شركات النفط والغاز إلى مغادرته بسبب “الحرب الأهلية” في عام 1991م.
واليوم بعد التحركات الجديدة للحكومة الفدرالية مع شروط وقوانين محدثة, من المحتمل أن تكون المخاوف الرئيسية للمستثمرين المحتملين تتعلق بأنشطة “حركة الشباب” والاستقرار السياسي, خاصةً وأنَّ هناك مَن يرى أن تأمين استقرار البلاد يجب أن يسبق إصدار تراخيص البترول؛ وأن عمر الحكومة الفيدرالية الجديدة لا يتجاوز 10 سنوات فقط, والهدوء الذي تشهده الصومال حاليًا بعد الاحتدام السياسي في الشهور الأخيرة كان نتيجة موافقة الفاعلين وأصحاب المصلحة السياسيين في سبتمبر الماضي على بدء عملية إجراء الانتخابات في نوفمبر الحالي حتى فبراير القادم، وذلك بعد أسابيع من سلسلة اجتماعات تَوَسَّط فيها الجهات الفاعلة المحلية وأعضاء من المجتمع الدولي.
يُضاف إلى ما سبق أن الأطراف السياسية لا تزال توجِّه إلى بعضها البعض أصابع التُّهم التي قد تؤثر في المشهد السياسي بالبلاد, وهو ما يُؤشِّر على وجود اختلافات كبيرة وضرورة استفادة الصومال من تجارب دول أخرى منتجة للنفط, مثل نيجيريا التي خاضت “حربًا أهلية” فيما بين 1967م و1970م, وساهم النفط في تأجيج أزمتها في منطقة “دلتا النيجر”، بل وأدَّى دورًا كبيرًا في الانقسامات بين أقاليم البلاد وتراجع الاهتمام بقطاعات أخرى كالزراعة.
وقد نصح رؤساء منظمات دولية مهتمة بالفساد والانتهاكات البيئية حكومة الصومال بأن تضع أوّلاً الإطار القانوني والتنظيمي للتعامل مع صفقات النفط والمشاكل التي يمكن أن تسبِّبها، كالانتهاكات البيئية, والفساد والمعارك السياسية على الإيرادات.
من جانب آخر, يوجد من السياسيين الصوماليين من أعربوا عن قلقهم حيال التحرك السريع والاندفاع مِن قِبَل الحكومة نحو الاكتشافات النفطية. ويوجد منهم مَن يرى أن عمليات الاستثمار في الاكتشاف والتنقيب عن النفط حاليًا لا تتماشى مع حقيقة تراجع أسعار النفط وعدم استقرارها؛ حيث وجدت الدول المُصدِّرة للنفط صعوبة في تمويل ميزانيتها, كما أن ميزانيات التنقيب عن النفط تتأثر بالأسعار الذي يؤثر فيها وباء كورونا في الوقت الراهن.
على أن الرئيس التنفيذي لهيئة البترول الصومالية قد أجابت على تلك المخاوف السابقة بأن إنتاج النفط في الصومال سيكون مربحًا عند 40 دولارًا للبرميل؛ لأن موارد الصومال واعدة بما يكفي لإجراء الخفض في السعر. إضافة إلى أن أزمة كورونا لن تدوم إلى الأبد, وشركات النفط هي التي ستخصِّص ميزانية للتنقيب في الصومال.
ومما قد يدعم موقف الحكومة الصومالية أن كلا المسحين الزلزاليين الأخيرين ثنائي الأبعاد اللذين يغطيان منطقة بحرية تزيد عن 120 ألف كيلو متر مربع، يشيران إلى وجود احتياطي بعدة مليارات من البراميل، وكانا قد اكتملا بأمان دون وقوع أيّ حادثة. كما أن سنّ القوانين المتعلقة بالنفط وإيجاد البنية التحتية التشريعية اللازمة لتحقيق نموّ عادل ومتَّسق تجعل الحكومة الفدرالية الجديدة تبدو مصمِّمة على بناء دولة مدنية شاملة.
وعلى حدّ تعبير “مارك هندرسون” -المدير المالي لشركة “سيريوس للبترول”-؛ فإن التأمين الجيد لمشاركة الشركات، وضمان أكبر قدر ممكن من المشاركة المحلية سيكمل أُسُس صناعة النفط والغاز، والتي يمكن أن توفِّر ازدهارًا طويل الأجل للشعب الصومالي.