افريقيا و العالمالدفاع والامنالرئيسيةالصومال اليومالمجتمع الصومالي

تداعيات انسحاب القوات الأفريقية من الصومال

الصومال اليوم – تقرير

أعلنت القوات الأفريقية الانتقالية، السبت الماضي، سحب 400 جندي من قواتها من قاعدة “بيعدي” العسكرية بإقليم شبيلي الوسطى، على بعد 90 كيلومتراً شمال مدينة جوهر عاصمة ولاية هرشبيلي الفيدرالية.
وأدى هذا الانسحاب إلى بلبلة أمنية في صفوف الجيش الصومالي، فيما سارعت الحكومة الصومالية إلى توجيه طلب إلى الأمم المتحدة لتأجيل عملية سحب ثلاثة آلاف جندي، المقررة نهاية سبتمبر/أيلول الحالي، وذلك في خضم العمليات العسكرية الحكومية المتواصلة ضد حركة “الشباب” وسط البلاد.
وتحاول الحكومة الصومالية التنسيق مع القوات الأفريقية “أتميس” وشركائها الدوليين لتنفيذ خطة تقليص “أتميس”، وفق قرار أممي يوصي بتقليص 5 آلاف جندي بحلول نهاية العام الحالي. ووجهت الحكومة الفيدرالية طلباً إلى الأمم المتحدة بإرجاء سحب الدفعة الثانية من القوات الأفريقية “أتميس” من البلاد لمدة 90 يوماً، والتي من المقرر سحبها بحلول 30 سبتمبر الحالي.
وأعلنت بعثة “أتميس” تأييدها طلب الحكومة الصومالية بشأن تأجيل سحب الدفعة الثانية من قواتها لمدة ثلاثة أشهر. جاء ذلك في خطاب أرسلته “أتميس” لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وحمل توقيع وزراء خارجية الدول التي تعمل قواتها في الصومال وهي بروندي وإثيوبيا وجيبوتي ورواندا وكينيا.
ودشن هذا الطلب الحكومي علامات استفهام لدى الكثيرين حول مضمونه وتوقيته، بحيث اعتبر بعض المحللين أنه مجرد محاولة فنية لترتيب صف القوات الحكومية، فيما يرى آخرون أنه يأتي نتيجة نكسات عسكرية تلقاها الجيش من قبل مقاتلي “الشباب” وسط البلاد.
وبالإشارة للتحوّل غير المتوقع في الأحداث العسكرية الحكومية الذي ورد في رسالة مستشار الأمن القومي الصومالي حسين شيخ لمجلس الأمن الدولي، اعتبر بعض المحللين أنها تعكس نكسة الهجمات المميتة المتكررة التي تنفذها حركة “الشباب” ضد المناطق التي خسرتها سابقاً، وأن تنفيذ خطة سحب 3 آلاف جندي من قوات “أتميس” بحلول نهاية سبتمبر الحالي، من شأنه أن يخلي نحو 10 قواعد عسكرية، ما ينذر بفتح جبهات قتالية أمام الجيش الصومالي، وبعرقلة العمليات التي تستهدف تقليص نفوذ “الشباب” وسط البلاد.
وكانت بعثة “أتميس” أكملت، في يونيو/حزيران الماضي، المرحلة الأولى لسحب 2000 جندي من قواتها من الصومال بموجب قرار الأمم المتحدة، لتُسلم 7 قواعد عسكرية في الإجمال للقوات الصومالية.

مخاوف من فتح جبهات قتالية جديدة:

لا يختلف اثنان على أن الثقل العسكري الحكومي يتركز حالياً على مناطق تقع وسط البلاد بهدف تصفية الحركة من هذه المناطق، والتي أظهرت بدورها صموداً أمام العمليات العسكرية رغم خسارة أهم معاقلها الرئيسية في ولاية جلمدغ المحلية، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة مقديشو شافعي إبراهيم.
وقال إبراهيم، إن العمليات العسكرية الحكومية ضد “الشباب” في ولاية جلمدغ وسط البلاد شهدت بعض التحولات الاستراتيجية، مع وجود ارتدادات عكسية، بسبب الهجمات النوعية التي تنفذها الحركة، ليلقي التراجع بظلاله على الخطة الحكومية الأفريقية لسحب الدفعة الثانية من قوات “أتميس” بحلول نهاية سبتمبر الحالي.
وأضاف أن المعطيات على أرض الواقع، خصوصاً بطء وتيرة العمليات العسكرية للجيش وسط البلاد، لا تسمح للحكومة بتحمل فراغ أمني جديد قد يظهر فور سحب 3 آلاف من قوات “أتميس” وسط وجنوبي البلاد، وهو ما دفع الحكومة لإرسال طلبها للأمم المتحدة بتأجيل خطة سحب الدفعة الثانية لمدة 90 يوماً على الأقل.
وأوضح المحلل السياسي أن سحب 3 آلاف جندي من “أتميس” يعني إخلاء نحو 10 قواعد عسكرية جديدة، بعضها في مناطق حساسة أمنياً، ما قد يؤدي إلى فتح جبهات قتالية جديدة أمام الحكومة الصومالية، التي لا تستطيع سد هذا الفراغ الأمني. وتابع أن “الشباب” تحاول بكل ثقلها استهداف القواعد التي من المتوقع إخلاؤها نهاية سبتمبر الحالي، ما لم تستجب الأمم المتحدة لطلب الحكومة الصومالية، من أجل تشتيت العمليات العسكرية الحكومية وسط البلاد لتخفيف الضغط العسكري على مقاتليها في ولاية جلمدغ.
وتحمل بعض القواعد العسكرية التي قررت البعثة الانتقالية الأفريقية تسليمها للقوات الصومالية، قبيل سحب 3 آلاف من قوات “أتميس”، أهمية استراتيجية كبيرة، منها قاعدة “بيعدي” التي تشكل صمام أمان لمدينة جوهر حاضرة ولاية هيرشبيلي، الواقعة على بعد 90 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة مقديشو.

ترتيبات في صفوف الجيش الصومالي:

وحقق الجيش الصومالي، بالتعاون مع السكان المحليين، مكاسب أمنية كبيرة خلال عملياته العسكرية وسط البلاد، حيث استعاد أكثر من 30 منطقة ما بين مدن وبلدات وقرى من قبضة “الشباب”، لكنه تلقى منذ أغسطس/آب الماضي نكسات عسكرية كادت أن تفقده توازنه العسكري، بحسب المحلل السياسي حسن سومني.
وأضاف سومني، أنه بعد الهجوم الإرهابي على مركز عسكري في بلدة عوس ويني وسط البلاد في أغسطس الماضي، أخلت القوات الحكومية الجبهات القتالية، ومن ثم تراجعت عن بعض المناطق التي خسرتها الحركة سابقاً، خوفاً من تكرار سيناريو هجوم عوس ويني، الأمر الذي أظهر بعض نقاط الضعف للعملية العسكرية الحكومية.
ولفت إلى أن طلب تأجيل خطة سحب الدفعة الثانية من قوات “أتميس” ليس إلا محاولة حكومية من أجل إعادة ترتيب صفوف الجيش لتعزيز مسار العمليات العسكرية الحكومية، إلى جانب تجهيز قوات عسكرية حكومية لتسلم مهام أمن القواعد التي ستخليها قوات “أتميس” بحلول نهاية سبتمبر.
وأشار سومني إلى أن الحكومة الصومالية تحتاج إلى إجراء ترتيبات فنية لتسلم مهام هذه القواعد العسكرية، حيث جهزت قوات، لم تكشف عن قوامها بعد، لكنها معدة لتحل محل قوات “أتميس”، وأن طلب التأجيل يأتي في سياق هذا الأمر بالدرجة الأولى، لأنها لا تريد خفض عديد القوات الحكومية التي تخوض عمليات عسكرية وسط البلاد.
وكان رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري أكد، في تصريح صحفي مؤخراً، أن الحكومة الصومالية مستعدة لاستلام مهام أمن القواعد العسكرية التي ستخليها قوات “أتميس” جنوب ووسط البلاد، موضحاً أن الحكومة أعدت 10 آلاف جندي، بكامل التجهيزات العسكرية، مضيفاً أن “تولي ملف أمن بلادنا أمر ضروري في الوقت الراهن، وفق الاتفاق الثلاثي بين الحكومة الصومالية والاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليين”.

تصاعد هجمات مقاتلي “الشباب”:

وترفع حركة “الشباب” وتيرة هجماتها الانتحارية في الآونة الأخيرة بولاية جلمدغ وسط البلاد، في محاولة للحد من زحف الجيش الصومالي بالتعاون مع مليشيات العشائر المسلحة، واستعادة المناطق التي خسرتها في العمليات العسكرية الحكومية، بحسب المحللين.
وفي هذا السياق، قال المحلل في مركز الصومال للدراسات (مستقل) محمد عبدي الشيخ، إن الهجمات المميتة بمنزلة السلاح الأخير لحركة “الشباب”، التي غالباً ما تنفذ هجمات من خلال قنابل بشرية، أي عناصر تقاتل ومن ثم تفجر نفسها، مثلما حصل في الهجوم الذي شنه مقاتلو الحركة على بلدة عوس ويني نهاية أغسطس الماضي، والذي غيّر مجرى العمليات العسكرية الحكومية وسط البلاد.
ولفت إلى أن الحركة تتجنب غالباً خوض المواجهات المباشرة، ولهذا تحرص على الانسحاب من مناطق نفوذها لتلجأ إلى الأدغال، منطلقاً لهجماتها الانتحارية، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً أمام مساعي الحكومة لدحر نفوذ “الشباب” وسط البلاد.
وفي ما يخص إمكانية اتخاذ “الشباب” القواعد العسكرية التي ستخليها قوات “أتميس” ضمن بنك أهدافها، قال عبدي الشيخ إن الحركة ستحاول عرقلة العمليات العسكرية الحكومية، والقواعد العسكرية التي ستُسلم إلى القوات الحكومية ستكون عرضة لهجمات إرهابية محتملة.
واعتبر أن سحب 3 آلاف عنصر من “أتميس” من البلاد نهاية سبتمبر الحالي، سيرفع عدد القواعد العسكرية التي تسلمتها القوات الصومالية إلى 17 في وسط البلاد وجنوبها، ما يجعل مهمة تأمين تلك المساحة الشاسعة أمراً صعباً بالنسبة للقوات الحكومية، في ظل مخاوف من تصعيد الحركة هجماتها ضد هذه القواعد من أجل تخفيف الضغط العسكري الذي تواجهه وسط البلاد.
ورغم نجاح القوات الحكومية في تأمين 7 قواعد عسكرية استلمتها، في يونيو/حزيران الماضي، من قوات “أتميس”، إلا أن الأهم يبقى حالياً معرفة ما إذا كانت الحكومة الصومالية ستنجح في تأمين القواعد العسكرية الـ10 التي ستنسحب منها الدفعة الثانية من “أتميس”، وسط احتمال تصعيد الحركة هجماتها ضد هذه القواعد.
وفي إبريل/نيسان 2022، وافق مجلس الأمن على أن تحل “أتميس” محل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، التي جرى تشكيلها في العام 2007، تمهيداً لخفض عديد القوات الأفريقية في الصومال تدريجياً لغاية الانسحاب الكامل من البلد في ديسمبر/كانون الأول 2024.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق