هيئة الأمم ودورها المسلوب في الصومال والقارة الأفريقية
شهدت دول العالم في العام المنصرم العديد من الكوارث الاجتماعية والحروب الأهلية المرعبة التي ما زالت قائمة إلى وقتنا هذا.
بالرغم من انهيار الحرب الباردة، فالجوع والموت في الصومال والأمراض والمجاعات والفقر والجفاف في القارة الأفريقية وعمليات العنصرية والمآسي والجرائم وقتل الأبرياء وتوسيع إطار التدخلات الخارجية في شمال العراق وسوريا وليبيا.. كل ذلك يجري على مرأى من الأمم المتحدة، وأمام النظام الدولي الذي يزحف في كل مكان ويرى قضايا الشعوب من خلال منظارين، ويحمل في ثناياه ازدواجية في المعايير المتناقضة، وأدت الصراعات القائمة إلى فرض واقع جديد وخارطة جديدة، تنبئ بأحداث خطيرة تقوم على سفك الدماء والحروب الأهلية والإرهاب العابر للقارات.
وفي ظل التبدلات الكبرى التي جرت في بقاع شتى من العالم لم تتحقق ملامح النظام العالمي الجديد، بل على العكس اشتعلت بؤر ساخنة وملتهبة وأزمات مخيفة وطغيان العمليات الإرهابية وحروب إقليمية طاحنة، ولكن أمام هذا الواقع ماذا عملت الأمم المتحدة؟
الأمم المتحدة ما زالت موجودة لكنها في عالم متغير، وتفتقر إلى القدرة على خدمة مصالحها بشكل فعال، فالدول الغربية تستغلها لصالحها، ويمكن لنا أن نلمس ذلك من خلال قراراتها غير الفاعلة، والدول العربية والإسلامية تدرك أن الغرب غير حريص مثلاً على مساعدتها، وعلى وضع حد للصراعات القائمة، وبدورها، فإن واشنطن ممثلة للنظام الدولي الجديد تكيل بمكيالين، ومراراً عطلت قرارات فرض عقوبات على إسرائيل، وإزاء ذلك يدور جدل كبير حول إمكانية إقدام الغرب على عمل عسكري أو عمل ذي طبيعة أخرى في معالجة أزمة ما، ودون الحصول على مباركة الأمم المتحدة، وتنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م على الحق الطبيعي لأي دولة عضو في الأمم المتحدة الدفاع عن نفسها بشكل فردي أو جماعي إذا تعرضت لهجوم ما أو أخطار جسيمة.
وتعالج الهيئة الدولية دائماً القضايا العالمية الساخنة بعد وقوعها وتبدأ المناقشات فيها وتأخذ حيزاً واسعاً لكن دون اتخاذ قرارات فعالة، ودون الوصول لأي حلول موضوعية بسبب استخدام حق الفيتو من قبل الدولة التي بإمكانها استخدامه لاعتبارات تخصها ودون الأخذ بعين الاعتبار بمصلحة الشعب صاحب القضية الأساسية، وليس له أي معانٍ طالما استخدامه لا يفيد القضايا الأساسية حين معالجتها.
وفي هذا الإطار، كيف تتطور الأمم المتحدة على ضوء التحولات السياسية؟ فهناك من يرى ضرورة توسيع إطار حق النقض ليشمل مثلاً اليابان وألمانيا، وآخرون يرون أن الهند والمكسيك ومصر يجب أن تتمتع به أيضاً، تعبيراً عن دور الدول النامية، ومن يرى أيضاً تطوير مجلس الأمن، خاصة في مجال إقامة جيش للأمم المتحدة، خصوصاً مع ازدياد دورها في حل النزاعات الإقليمية، وهناك مشروع مقدم من الدول الإسكندنافية لتطوير الدور التنموي للأمم المتحدة ودعم مؤسساتها العاملة، وليس من السهولة بمكان إصلاح المنظمة الدولية في وقت قصير، خاصة أن مؤسساتها تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية، وتعديل ميثاق سان فرانسيسكو الموقع عام 1945م لا يمكن أن يتم إلا بمبادرة جماعية من مجلس الأمن وموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة، ومن شأن تحديد الإصلاح بتنسيب ألمانيا واليابان إلى عضوية مجلس الأمن أن يثير سخط دول العالم الثالث الكبيرة التي تطرح هي الأخرى عضويتها، ولم يعد مجلس الأمن يلبي تطلعات هذه الدول، وفرص نجاح الإصلاحات الموسعة للهيئة الدولية معدومة لأنها تعني خسارة الدول الأعضاء الخمس لنفوذها وسيطرتها على الهيئة الدولية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس إن “العديد من البلدان الأفريقية لم تكن موجودة حتى كدول مستقلة قبل 75 عاماً، فهي تستحق مكانها الصحيح حول طاولة العالم، وعلى نطاق أوسع يحتاج العالم النامي إلى أن يكون له صوت أقوى بكثير في عملية صنع القرارات العالمية”.
واستغل قادة دول عدة فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، للتشديد على الضرورة الملحة لإصلاح مجلس الأمن الدولي، ليعكس بطريقة أفضل حال العالم اليوم، وعقب اجتماع مغلق بتاريخ 9 ديسمبر طالبت الهند واليابان والبرازيل وألمانيا، جميعها مرشحة لنيل مقعد دائم، بتوسيع المجلس من أجل جعله أكثر تمثيلاً وأكثر شرعية وفاعلية، وإلا فيوجد خطر بأن يتحول إلى هيئة بالية، وتدعم فرنسا انضمام هذه الدول سالفة الذكر، فضلاً عن تعزيز الوجود الأفريقي، معتبرة أن مجلس الأمن يمكن أن يستوعب 25 عضواً دائماً.
وبالنسبة لموقع أفريقيا، فإنها تستحق العضوية الدائمة، وفي عام 2005 جاء في موقف أفريقي مشترك أن القارة الأفريقية ينبغي أن تحصل على ما لا يقل عن مقعدين دائمين في المجلس مع كامل الصلاحيات، من بينها حق الفيتو، لكن منذ ذلك الحين لم تفضِ المحادثات إلى أي نتيجة بشأن الدولتين اللتين ستشغلان هذين المقعدين.
والمطلوب تفعيل دور الأمم المتحدة وتنشيط مهماتها وتغيير طبيعة عملها من منظمة تعالج نتائج القضايا والمشاكل بعد حدوثها إلى هيئة قادرة على التعامل مع المقدمات والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع مثل هذه القضايا ومعالجتها لمنع حدوث مزيد من الكوارث والحروب الأهلية الطاحنة، وترتفع بشكل متكرر أصوات تطالب بتوسيع هذه الهيئة التي يمكنها اتخاذ قرار بفرض عقوبات دولية واستخدام القوة في العالم، ولكن هذه الدعوات تذهب أدراج الرياح، لأن الأعضاء الخمسة الكبار ليسوا متحمسين لإلغاء امتيازاتهم.