هل فشل المجتمع الدولي في الصومال؟
لم يعد خافيا أن المجتمع الدولي كان يلعب في العقود الماضية دورا محوريا في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الصومال، وبالرغم من أن البلاد خرجت من المرحلة الانتقالية في عام 2012 إلا أنها ما زالت تعتمد على الأمم المتحدة والاتحادين الإفريقي والأوروبي والشركاء الدوليين الآخرين في مختلف شئونها، حيث إن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” ما تزال تلعب الدور الرئيسي في أمن البلاد منذ عام 2007 وتقوم بحراسة المؤسسات الحكومية والمرافق الحيوية كما تساعد الحكومات الصومالية في محاربة حركة لشباب وتحرير مدن استراتيجية منها، كما كانت الجهات الدولية المعول عليها في تجاوز الأزمات السياسية والخلافات بين الأطراف الصومالية المتكررة بين الحين والآخر.
ولكن لوحظ في السنوات الأخيرة تراجع التأثير الدولي في الصومال خصوصا بعد اتخاذ الحكومة الفيدرالية الحالية قرارا بطرد مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى الصومال نيكلوس هايسوم في مطلع عام 2019 بعد أن اتهمته بالتدخل في الشئون الداخلية للصومال وذلك في أعقاب استنكاره لتدخل الحكومة السافر في الانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب الغرب ما أدى إلى أعمال عنف قتل فيها كثيرون على أيدي القوات الحكومية والقوات الإثيوبية الداعمة لها، وإلى اعتقال مختار روبو الذي كان من أبرز المرشحين لرئاسة الولاية، وأوصلت الحكومة الفيدرالية الرئيس الحالي لجنوب الغرب عبد العزيز حسن محمد لفتاغرين إلى السلطة.
ويبدو أن الأمم المتحدة استوعبت الدرس، فقد ابتعد مبعوثها إلى الصومال جيمس سوان الذي عينته بعد طرد هايسوم عن التدخل في القضايا السياسية العالقة والخلاف بين الأطراف الصومالية بشكل قوي، كما كان يفعله المبعوثون السابقون، واكتفى بإصدار تصريحات مشتركة مع جهات دولية أخرى تدعو الصوماليين دائما إلى حل خلافاتهم، كما أغضى الطرف عن تدخلات الحكومة الصومالية المكشوفة في انتخابات ولاية غلمدغ مطلع العام الماضي ونصب أحمد عبدي كاريه “قور قور” رئيسا للولاية، وإرسالها قواتها إلى مدينة “دوسمريب” عاصمة الولاية لخوض حرب ضد تنظيم أهل السنة والجماعة الذي عارض الرئيس الجديد لغمدغ، كما لم يأخذ سوان الدور المطلوب في النزاع الذي نشب بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للولاية التي أجريت في كسمايو في أغسطس 2019 وكذلك الصراع السياسي والعسكري بين الطرفين في إقليم غدو بالولاية بعد أن أرسلت الحكومة الصومالية قوات من مقديشو إلى الإقليم انتزعت السيطرة عليه من القوات التابعة لجوبالاند، ولم يقل أيضا شيئا عن الفساد الذي شاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ولاية هيرشبيلي أواخر العام الماضي.
ولم يكن دور الجهات الدولية الأخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يختلف كثيرا عن دور الأمم المتحدة فقد ظل بعضها يتفرج على اتنهاكات الحكومة الصومالية المستمرة للدستور وقمعها للسياسيين المعارضين واعتدائها على الصحفيين، كما كان البعض الآخر يدعم الحكومة الفيدرالية في سياساتها.
وقد ظهر فشل الجهات الدولية في الصومال بعد نشوب خلاف في قضية الانتخابات الفيدرالية التي ما تزال المشاورات بشأنها التي بدأت في يوليو من العام الماضي عقيمة باستثناء الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حول الانتخابات الفيدرالية في 17 سبتمبر 2020 رغم أن الطرفين فشلا في تنفيذها حتى هذه اللحظة مع انتهاء ولاية مؤسسات الدولة الصومالية، وانحصر دور تلك الجهات في الدعوة إلى تنفيذ اتفاقية سبتمبر وإجراء انتخابات شاملة في البلاد، وحتى الاجتماع الخاص الذي عقده مجلس الأمن الدولي بشأن الصومال في وقت سابق من شهر فبراير الجاري دعا الصوماليين إلى التوصل اتفاق سريع وإجراء الانتخابات مع أن الأطراف الصومالية المعنية فشلت في تحقيق ذلك في الأشهر الثمانية الماضية.
ومن الملفت للنظر أن الأمم المتحدة والجهات الغربية التي كانت تتحدث دائما عن الديمقراطية والحرية، لم تقف موقفا صريحا من الخلاف بين الحكومة والمعارضة في المظاهرات التي دعا إليها اتحاد المرشحين الرئاسيين للمطالبة بإجراء الانتخابات الفيدرالية والتعبير عن رفض بقاء فرماجو الذي انتهت ولايته في السلطة، وكان رد تلك الجهات على استخدام الحكومة القوة- لإلغاء تلك المظاهرات التي هي حق يكفله الدستور ومهاجمتها مقر رؤساء سابقين وإطلاق النار على مسئولين آخرين على رأسهم رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري كانوا يتقدمون مظاهرات يتم بثها على الهواء-دعوة الطرفين إلى ضبط النفس والعودة إلى المفاوضات رغم أن الجهات الدولية تدعو باستمرار إلى منح المرأة الصومالية 30% في المقاعد البرلمانية مع أن ذلك عرف سياسي وليس منصوصا عليه في الدستور الفيدرالي الانتقالي.
ويبدو أن سياسات الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة في الصومال التي تعمل في المجالات الإنسانية والتنموية فاشلة بكل المقاييس، أما الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية فإنها دخلت إلى الصومال تحت مسميات مختلفة للحفاظ على مصالحها في البلاد، ويبقى نقل الصومال من دولة فاشلة إلى دولة لها مؤسسات فاعلة تمكّن الشعب من اختيار قادته آخر ما تفكر به الجهات الموجودة في الساحة الصومالية وما أكثرها !