ماذا حدث خلال 4 سنوات على انتخاب فرماجو رئيسا للصومال؟
تولى محمد عبدالله فرماجو رئاسة الصومال في الـ 8/فبراير/2017م لفترة دستورية مدّتها 4 سنوات تنتهي اليوم الاثنين الـ 8/فبراير/2021م.
وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن تتم الإجراءات الانتخابية البرلمانية والرئاسية قبل هذا اليوم، إلاّ أن الخلافات السياسية بشأنها حالت دون إجرائها حتى هذه اللحظة، ولا يلوح في الأفق حتى الآن أي إرهاصات بإمكانية إجراء انتخابات توافقية حرّة ونزيهة في قابل الأيام.
في هذا التقرير نسلّط الضوء على الأحداث والوقائع السياسية والأمنية والدبلوماسية التي شهدتها الصومال خلال السنوات الأربع الماضية سواء على الصعيد الداخلي والخارجي.
فداخليا شهدت الصومال خلال فترة الرئيس فرماجو أحداثا جساما أهمها:
1.تدهور علاقات الحكومة الفيدرالية بالولايات الإقليمية:
يمكن القول بأن فترة رئاسة فرماجو، كانت من أكثر الفترات اضطرابا في العلاقات بين المركز والأطراف، ذلك أن الخلافات كانت سيّدة الموقف، حتى وصلت بعض المرّات إلى قطيعة تامة بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات الإقليمية، كما انخفض مستوى التعاون والتنسيق بينها وبين البعض الآخر، مما زاد الأمور تعقيدا، خاصة عند محاولة كل طرف القضاء على الطرف الآخر، فأعلن مجلس تعاون الولايات الإقليمية في 2018م، قطع علاقاته التعاونية مع الحكومة الفيدرالية، في حين سعت الحكومة الفيدرالية إلى استعطاف البعض من رؤساء الولايات الإقليمية، وتضييق الخناق على الآخرين من أجل إزاحتهم من المشهد، وقد تجلت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في النقاط الآتية:
-الانتخابات الرئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال: في الـ 7/نوفمبر/2018م، وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية في الولاية، أعلن شريف حسن شيخ آدم رئيس الولاية استقالته عن منصبه وعدم ترشحه لولاية ثانية مسببا ذلك بالتدخلات الحكومية في الشؤون الانتخابية المحلية للولاية، قائلا: “قرّرت الاستقالة عقب نقل أعضاء البرلمان الإقليمي إلى مقديشو والّذين عملنا معا لفترة طويلة، من أجل التأليب عليّ”. إن استقالة شريف حسن بسبب ضغوط من الحكومة الفيدرالية أنتجت حالة من الاضطراب السياسي والأمني في مدينة بيدوة حاضرة ولاية جنوب غرب الصومال حيث شهدت المدينة أعمال شغب نتيجة اعتقال أحد أبرز المرشحين لرئاسة الولاية، مما تسبب في مقتل متظاهرين سلميين مناهضين لسياسات الحكومة الفيدرالية في التعامل مع الانتخابات، غير أن الحكومة واصلت مخططها لتنصيب موال لها على الولاية، وهو ما تحقق لها في الـ 19/ديسمبر/2018م، عندما تم انتخاب عبد العزيز لفتاغرين رئيسا للولاية في عملية انتخابية شابتها انتقادات لاذعة حول شفافيتها ونزاهتها.
-الانتخابات البرلمانية والرئاسية في غلمذغ: من الأحداث الجسام التي حدثت في ظل حكم الرئيس محمد عبدالله فرماجو، طريقة إدارة الانتخابات الرئاسيىة والبرلمانية في غلمذغ، حيث يصفها البعض بأنها كانت أكثر فسادا وأسوأ إدارة من سابقتها، بدليل أنها رغم مساواتها مع نظيرتها في جنوب غرب الصومال من حيث إراقة الدماء، إلاّ أن انتخابات غلمذغ أحدثت شرخا واسعا في النسيج الاجتماعي والسياسي لسكّان غلمذغ، إذ ادّعى كثيرون من شركاء السياسة فيها رئاسة الولاية، فاختار تنظيم أهل السنة والجماعة الشيخ محمد شاكر رئيسا للولاية، في حين أعاد برلمان شكّله أنصار أحمد دعالي انتخابه رئيسا لغلمذغ، بينما تم انتخاب أحمد قورقور الموالي للحكومة الفيدرالية في انتخابات وصفها البعض بالمسرحية بسبب انسحاب المرشحين المعتبرين من السباق الرئاسي احتجاجا على الفساد الّذي أحاط العملية بالانتخابية.
2.إخفاقات أمنية واسعة:
على الرغم من القيام بخطوات واحترازات أمنية واسعة بما فيها إغلاق الطرقات الرئيسة في العاصمة مقديشو، إلاّ أن العاصمة شهدت خلال هذه الفترة أشد الهجمات التفجيرية دموية، حيث سجّل التاريخ 3 من أكبر التفجيرات دموية على الإطلاق في تاريخ التفجيرات الصومالية ومن هذه التفجيرات:
-تفجير زوبي: في الـ 14/أكتوبر/2017م، شهدت مقديشو أكبر تفجير دموي على الإطلاق، حيث تشير الإحصاءات الأخيرة حول ضحايا هذا التفجير إلى أنها تصل لأكثر من 1000 ضحية ما بين قتيل وجريح ومفقود. وعلى الرغم من أنه لم تتبن أي جهة مسؤولية هذا التفجير الضخم، إلاّ أن الحكومة أشارت بأصابع الاتهام إلى حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما لم تتخذ الحكومة إجراءات أبعد من الشجب والإدانات والدعوة إلى التعاون، بمعنى آخر لم تتم محاسبة الجهات والمؤسسات الأمنية على تقصيرها في التصدي لمثل هذا الهجوم.
– تفجير بلدية مقديشو: في الـ 24/يوليو/2019م، حدث تفجير ضخم في مقرّ بلدية مقديشو خلال الاجتماع الأسبوعي لإدارة إقليم بنادر، مما خلّف خسائر فادحة في صفوف الطاقم الإداري للإقليم، حيث راح ضحية هذا التفجير مسؤولون كبار في إدارة إقليم بنادر على رأسهم المهندس عبدالرحمن عمر عثمان يريسو محافظ الإقليم وعمدة العاصمة مقديشو آنذاك، وآخرون من زملائه من محافظي بعض مديريات العاصمة مقديشو، كما جرح العديد منهم. وتبنت حركة الشباب هذا التفجير.
– تفجير إكس كنترول أفجويي: في الـ 28/ديسمبر/2019م، شهدت مقديشو تفجيرا ضخما، خلّف خسائر ضخمة في صفوف المدنيين، حيث راح ضحيته أكثر من 100 قتيل، غالبهم طلبة الجامعات والمدارس، وبعض المدنيين الآخرين الّذين كانوا يمرّون الطريق أثناء التفجير أو كانوا يمارسون أعمالهم التجارية على جنبات الطريق، وكانت حركة الشباب قد تحملت مسؤولية هذا التفجير .
انتهاج سياسة إقصائية في التعامل مع الآخر المخالف سياسيا: يعتقد منتقدوا الرئيس فرماجو بأنه انتهج سياسية إقصائية للطرف الآخر، مستدلّين ذلك بعدّة قضايا أبرزها:
– تسليم قلب طغح لإثيوبيا: في الـ 31/أغسطس/2017م، تم تسليم المناضل عبدالكريم شيخ موسى قلب طغح إلى السفارة الإثيوبية في مقديشو، في خطوة اعتبرها الكثير بأنها خروج على المألوف السياسي والأمني في العلاقات الإثيوبية الصومالية، كما أن قرار المجلس الوزاري الصّادر في سبتمبر 2017م والقاضي باعتراف الجبهة الوطنية لتحرير أوغادينيا كمنظمة إرهابية قد صدم الكثير من أبناء الصومال، لكونه سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الصومالية مع الجبهة الوطنية لتحرير أوغادينيا!
– مداهمة منزل عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي: في الـ 17/ديسمبر/2017م، داهمت قوات أمنية منزل السياسي عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض، مما أدى إلى مقتل 5 من حرس المنزل وإصابة آخرين واعتقال البعض بما فيهم السيد عبدالشكور نفسه إثر إصابته بجروح، غير أنه تم الإفراج عنه بقرار قضائي برّأه من التهم الموجهة إليه. وقد شكلت هذه الحادثة مع حادثة تسليم قلب طغح تصورا سلبيا لدى الرأي العام إزاء تصرفات الحكومة مع كل من يخالفها في الرأي والفكر السياسي، مما أنتج حالة من الاحتقان السياسي في البلاد.
– محاصرة جوبالاند: وصلت الخلافات السياسية بين الحكومة الفيدرالية وولاية جوبالاند إلى أبعد حدودها حيث وصلت إلى درجة القطيعة التامة، وذلك عندما احتدم الخلاف بين الطرفين حول إدارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المحلية لجوبالاند، فبينما كانت الحكومة تسعى إلى إدارة هذه الانتخابات، كانت جوبالاند ترى أن إدارة هذه الانتخابات أمر داخلي يمنحها الدستور، فمنعت وفدا من الوزارة الداخلية الفيدرالية من الدخول إلى كسمايو، وتولت اللجنة المستقلة للحدود والانتخابات في جوبالاند إدارة الانتخابات التي تم فيها إعادة انتخاب الرئيس أحمد مذوبي لولاية ثانية، مما أثار سخط الحكومة الفيدرالية التي أصدرت قرارا بفرض حصار جوي على المدينة بهدف منع السياسيين المعارضين من السفر إلى كسمايو للمشاركة في حفل تنصيب أحمد مذوبي، إلاّ أنه وبعد فترة شاركت القوى المعارضة في حفل تنصيب أحمد مذوبي.
– منع السفر من رؤساء سابقين: في الـ 22/سبتمبر/2019م، منعت سلطات مطار آدم عدي الدولي الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد من السفر إلى كسمايو، مما أدى إلى سخط سياسي واسع ضدّ الحكومة الفيدرالية، ليس فقط، لأنها أساءت التعامل مع رئيس صومالي سابق، بل لما كان لدى البعض من اعتقاد سابق بأن شريف شيخ أحمد كان حتى قبل تلك اللحظة من القوى المعارضة المحايدة التي لا تتمادى في معارضة الحكومة الفيدرالية، بل كان البعض يعتقد بأن شريف من السياسيين المقرّبين من الحكومة الفيدرالية! غير أن هذه الخطوة كشفت عن مدى ممارسة الحكومة الفيدرالية لإقصاء الطرف الآخر. وفي الـ 10/نوفمبر/2019م، تلقى وفد يتزعمه شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود المتجه إلى بلدويني لأسباب إنسانية في مطار آدم عدي بمقديشو محاولات لعرقلة رحلته تلك، كما أنهم تلقوا اتصالا، وهم في الجو من جهاز التحكم بالطائرات في مطار بلدويني يخبرهم بتعذر هبوط طائرتهم في المطار بسبب سوء الأحوال الجوية إلاّ أنهم أصروا على مواصلة مسيرهم!
– طرد المبعوث الأممي: وعلى الرّغم من أن هذا البند يدخل في إطار السياسة الخارجية، إلاّ أن حيثيات اتخاذ قرار طرد نيكلاس هايسوم لها علاقة بالسياسة الداخلية، حيث إن قرار طرد السفير الأممي جاء نتيجة إعراب المسؤول عن قلقه إزاء تصرّفات الأجهزة الأمنيّة الصوماليّة التي تدعمها الأمم المتحدة، خلال أعمال العنف التي أسفرت عن مقتل عدد من المدنيين في بيدوة خلال أعمال الشغب التي رافقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ولاية جنوب غرب الصومال.
أما خارجيا فيلاحظ ازدواجية المعايير في التعامل مع دول الجوار والأصدقاء والأشقاء، حيث يتهم الكثير الحكومة الفيدرالية بعدم وضوح رؤية سياستها الخارجية، وهنا بعض النقاط المهمة التي تبرز تخبط السياسة الخارجية في الصومال إبان عهد الرئيس فرماجو:
1.التعامل مع الأزمة الخليجية:
في الـ 5/يونيو/2017م، اندلعت أزمة الخليج التي قاطعت بسببها 3 دول خليجية مع مصر دولة قطر، حينها أعلنت الصومال موقفها المحايد إزاء هذه الأزمة، دون الانحياز لأحد المعسكرين، غير أن الأيام كشفت عن انحياز الحكومة الصومالية للجانب القطري.
2.تعزيز علاقات سياسية ودبلوماسية مع إثيوبيا وإرتيريا مقابل خفض العلاقات مع جيبوتي وكينيا:
من التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الصومالية إبان عهد فرماجو انفتاح ملحوظ على إثيوبيا التي لا يزال البعض يعتقد بأنها العدو التاريخي للصومال، لكن حكومة فرماجو، حاولت إزالة هذا الاعتقاد عن طريق التقارب بين القيادتين وذلك بإقامة علاقات قوية مع إثيوبيا، وخاصة بعد تولى آبي أحمد مقاليد الأمور فيها، وسجّلت خلال هذه الفترة الرحلات والزيارات الرسمية المتبادلة بين قيادة البلدين، إلى جانب توقيع عدّة اتفاقيات منها اتفاقية تسمح لإثيوبيا بالاستفادة من 4 موانئ في الصومال دون تحديد أسمائها ومواقعها في الصومال، كما أصبحت الصومال خلال هذه الفترة ضمن مشروع آبي أحمد الرامي إلى وجود رؤية مشتركة لدول المنطقة، مما أدى إلى أن يلعب آبي دور العراب في التقريب بين الصومال وإرتيريا التي أصبحت فيما بعد حليفا استراتيجيا للرئيس فرماجو الذي زارها عدّة مرات، كما استقبل هو في الصومال مسؤولين إريتريين أبرزهم الرئيس أفورقي الذي جاء إلى الصومال بزيارة رسمية في الـ13/ديسمبر/2018م، وتوثقت عرى العلاقات بين البلدين (الصومال وإرتيريا) حتى وصلت إلى درجة التعاون العسكري والأمني، إذ إن هناك تقارير تشير إلى أن الحكومة الفيدرالية أرسلت سرا عناصر شبابية إلى إرتيريا لتلقي التدريبات العسكرية هناك. في المقابل، شهدت العلاقات الجيبوتية الصومالية فتورا ملحوظا في عهد الرئيس فرماجو، وخاصة عندما طالب الرئيس فرماجو رفع حظر السلاح المفروض على إرتيريا التي تحتل أجزاء من جمهورية جيبوتي الشقيقة، وازدادت العلاقات الصومالية الجيبوتية تدهورا عندما أعلنت اللجنة الإقليمية المكلّفة بتقصي أزمة الحدود بين الصومال وكينيا الشهر الماضي عدم حصولها على أدلة تثبت تدريب أو إيواء السلطات الكينية لجبهة مسلحة معارضة للحكومة الصومالية في الحدود بين البلدين، حيث اعتبرت الصومال هذه الخطوة خذلانا من الأشقاء واصطفاف جيبوتي مع كينيا! أما العلاقات الصومالية الكينية فقد شهدت تدهورا دراماتيا حيث قررت الصومال قطع علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا في الـ 15/ديسمبر/2020م، بسبب تدخلاتها السافرة بالشأن الداخلي الصومالي حسب بيان القطيعة الّذي أصدرته الحكومة الصومالية. غير أن محللين أشاروا إلى أن القرار الحكومي قد يؤثر سلبا على مصالح مختلف شرائح المجتمع الصومالي الّذين تربطهم علاقات متعدّدة ومتنوعة مع كينيا.
إن الفترة الدّستورية للرئيس فرماجو تنتهي في وقت تشهد فيه الأوضاع الداخلية في البلاد اضطرابات سياسية بشأن الخلافات حول الانتخابات القادمة، وأخرى أمنية، إذ ضاعفت حركة الشباب من تنفيذ هجماتها ضدّ مصالح الحكومة الفيدرالية ومسؤوليها المدنيين والعسكريين في مختلف مناطق الصومال، في حين تنتهي فترته الدستورية في وقت يمكن الوصف بأنه من أكثر العصور التاريخية الصومالية هشاشة لعلاقات البلاد الخارجية بسبب عدم وضوح مرتكزاتها الأساسية!.