صوماليلاند.. أبناؤها يفخرون باعتبارها واحة للاستقرار وآخرون يقارنون بين ضحالة الأحزاب وتراجع الحريات
الصومال اليوم – محمود محمد عبدي
يفخر أبناء صوماليلاند باعتبارها واحة للاستقرار، والكيان السياسي الوحيد في القرن الأفريقي، الذي توالى عليه خمسة رؤساء يمثلون تيارات حزبية متعددة، على مدى تسعة وعشرين عاماً، في نموذج للتداول السلمي للسلطة، في حين أن دولاً إقليمية عدة ما زالت تحت حكم الرجل الواحد، أو انتقلت السلطة فيها بطرق أبعد ما تكون عن صناديق الاقتراع، إما بانقلابات بيضاء، أو عبر تجهيز مسبق للخليفة، أو حتى عبر إملاءات أجنبية وشراء الذمم والأصوات.
فمنذ إعلان صوماليلاند عن نفسها جمهورية مستقلة في 18 مايو (أيار)، بانفصالها من طرف واحد عن الوحدة التي تمت عام 1960 مع الصومال الإيطالي، استطاع الشعب عبر معادلة جمعت بين القيادات القبلية والسياسية والاقتصادية، بسط الأمن والسلم الأهلي في معظم رقعة المحمية البريطانية. وهو ما يدعو أبناء الجمهورية التي لم تحظ بالاعتراف الدولي إلى الشعور بالزهو، لكون جميع مكونات الشعب قد التزمت بمخرجات مؤتمرات السلام التي عقدت في عدد من المدن مع بدايات التسعينيات من القرن العشرين.
إلا أن التطور الذي حققته البلاد، خلال العقود الماضية، يواجه مخاطر كبيرة، نظراً لممارسات حكومية تزداد عنفاً في وجه المعارضة والناشطين السياسيين والحقوقيين، ما يؤثر سلباً في تطور الوعي السياسي للشعب الصوماليلاندي، ويرشح الأوضاع إلى تدهور قد يؤثر في مستقبل السلم.
عدم نضج الأحزاب
خلال العقود الثلاثة الماضية نجحت صوماليلاند في خلق بيئة سياسية، تعتمد التعددية الحزبية وسيلة للوصول إلى السلطة. إلا أن الظروف التي أدت إلى نشأة صوماليلاند، بعد حرب أهلية كان طرفاها النظام العسكري في مقديشو ومكونات قبلية رئيسة في الشمال الصومالي، أدت إلى ترسيخ تقليد الانكفاء نحو القبيلة أو العشيرة، خصوصاً في القضايا المصيرية، ومن بينها مسائل تداول السلطة واقتسام الثروة.
ويقول السياسي المعارض المستقل نور الدين إبراهيم “نواجه معضلة كبيرة لدى النظر إلى الأحزاب السياسية الموجودة في البلاد، إذ نلحظ أنها تكاد تكون محض غطاء لتكتلات وتحالفات قبلية”.
ويلاحظ أنه “كلما كان الحزب أشد ضحالة في خطابه الفكري، برزت إلى السطح ملامح الكتلة القبلية التي تدعمه، وأنا هنا لست أناقض ما طرحه ابن خلدون في مقدمته عن العصبة والعصبية، لكن الحالة السياسية في صوماليلاند تعيش تناقضاً مثيراً للإحباط، بين ما تم إنجازه من وسائل التداول السلمي للسلطة، والتجنيد القبلي داخل الأحزاب، والتحشيد العشائري الذي تمارسه أطراف مؤيدة لهذا الحزب أو ذاك، نحن السياسيون الشباب نشعر بقلق حقيقي على مستقبل الوطن بسبب تراكمات ذلك”.
ويلفت إلى حالة التدهور التي يشهدها ذلك الخطاب، وانكفائه نحو الفرقة بين فئات شعبية مختلفة ورئيسة في البلاد، خصوصاً في خطب قادة في هرم السلطة الصوماليلاندية وأحاديثهم عن القضايا الكبرى والرئيسة في البلاد، ومنها العلاقة مع مقديشو شريكة الوحدة المنتهية من طرف واحد، وما تم تحقيقه في ملف الاعتراف الدولي والعلاقات مع دول الجوار والمحيط الأفريقي والآسيوي.
وعن هذا يقول السياسي برخد جامع بتون، الذي يجمع بين كونه ناطقاً رسمياً للحزب الوطني المعارض والانتماء إلى واحدة من فئات المجتمع الأكثر تعرضاً للتهميش “يؤسفني أن يتولى خريجون من مدرسة ماما مليون مناصب مهمة في رئاسة الجمهورية”. ويشير في هذا إلى مقولة درجت على لسان “السيدة مليون” إحدى شخصيات التواصل الاجتماعي الفكاهية والمثيرة للجدل.
ويتطرق بتون إلى تدني المستوى الفكري والشعور بالمسؤولية المُتفشيين في قادة حزب التضامن الحاكم (كولميه).
تصاعد ممارسات قمعية
ويتصاعد مع إدارة الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي الشعور العام لدى الناشطين السياسيين والحقوقيين، بتردي أوضاع حرية الرأي والتعبير في البلاد. وكتب الرئيس السابق لمركز صوماليلاند لحقوق الإنسان، غوليد أحمد جامع، على مواقع التواصل الاجتماعي “أنفقت الحكومة نحو سبعين ألف دولار في عام 2019، من أجل ما سمته الدفاع عن مصالح صوماليلاند في وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فليس مستغرباً ما يقوم به البعض في وسائل التواصل الاجتماعي من الهجوم والإساءة إلى الآخرين، فما يبدو لي هو أنهم يتلقون أموالاً لقاء ذلك، ولماذا يتم تبديد أموال الشعب المسكين للتسلية هكذا؟”.
وقد أشار صحفيون إلى اشتداد التضييق على وسائل الإعلام وإغلاق عدد من القنوات وتغريمها. وفي هذا السياق، كان فوز مرشحي وزارة الإعلام والثقافة والتوعية في انتخابات اتحاد الصحافة، وهو ما اعتبرته فئات واسعة من العاملين في الصحافة تزويراً في الانتخابات. وتعالت دعوات إلى مقاطعة المؤسسة النقابية وإنشاء مظلة أخرى تمثلهم.
*كاتب وصحفي صومالي