الرئيسيةالصومال اليوم

اتهامات لتركيا باستغلال نزاع كينيا والصومال لتثبيت أقدامها في القرن الأفريقي

يربط محللون سياسيون صوماليون استقرار العلاقات بين بلادهم وكينيا في الأشهر الماضية بحسم ملف النزاع البحري بينهما، حتى وإن نجحت جهود الوساطة ولو مؤقتا في إذابة التصعيد السياسي الراهن، لكن التوتر الذي طفا على السطح فجأة يبدو أنه يتجاوز حدود حكومتيْ البلدين حيث تحركه من خلف الكواليس قوى لها مصلحة في القرن الأفريقي.

فالعلاقات بين الجارتين لن تستقر على أسس قوية ما دام لم يُعالج ملف النزاع القائم بينهما على مناطق في المحيط الهندي غنية بالنفط، وربما تشهد فترات تصعيد وتهدئة مع الوقت، بحكم مصالح السلطتين في مقديشو ونيروبي.

وبينما يفسّر البعض عودة الأزمة إلى الواجهة بمحاولة الحكومة الصومالية الحد من التدخل الكيني في الانتخابات المقبلة لاسيما الرئاسية والمقررة العام المقبل، يبدو أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير.

ويشير المراقبون السياسيون إلى أن من بين أسباب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مساعي تركيا إلى تعزيز نفوذها في الصومال، حيث ركزت الأنظار نحوه عبر بوابة التنقيب عن النفط والغاز مهما كانت التكاليف، وبالتالي ترسيخ أقدامها في القرن الأفريقي، ولذلك تريد قطع الطريق أمام كينيا المدعومة من دول وازنة في الخليج.

واستغلت تركيا حالة الفوضى والصراع السياسي في الصومال لغرس نفوذها الاقتصادي منذ عام 2011 بالتزامن مع تزايد خلافاتها مع الدول الغربية ودول الشرق الأوسط بسبب أجندات الرئيس رجب طيب أردوغان الداعمة للجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد اضطرت أنقرة إلى البحث عن مناطق نفوذ جديدة، وركزت على الصومال حيث تدفقت الشركات المرتبطة بحكومة حزب العدالة والتنمية عبر تحالفات مع فصائل سياسية وجماعات متشددة محلية ترتبط بأجندات أنقرة.

وحاول أردوغان في يناير الماضي تبرير أطماعه في احتياطات الطاقة الصومالية بالقول إن مقديشو دعت أنقرة إلى التنقيب عن النفط في مياهها. وقارن ذلك بالاتفاقية البحرية التي وقعتها بلاده في ديسمبر 2019 مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا والتي تعرضت لانتقادات دولية شديدة.

وفي الوقت الذي تتوالى فيه خطوات مقديشو التصعيدية تجاه جارتها، وأحدثها قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع نيروبي خلال منتصف ديسمبر الجاري، تنتهج كينيا سياسة المد والجزر، وترفع حاليا راية التهدئة، ضمن سياسة خارجية مدروسة.

وتصر نيروبي على توظيف كل ملفاتها للتأثير في الانتخابات الصومالية من خلال دعمها لرئيس إقليم جوبالاند جنوب الصومال، أحمد مدوبي، الذي لا تعترف به مقديشو، إضافة إلى تحول عاصمة الإقليم إلى منصة انطلاق لحملات المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، بحسب المحللين.

وفي عام 2009 وقعت كينيا مذكرة تفاهم مع الحكومة الصومالية الانتقالية لتمديد الجرف القاري الكيني، إلا أن البرلمان الصومالي ألغاها عام 2011، بدعوى عدم أحقية مؤسسات الحكم الانتقالي في إعادة النظر في ترسيم الحدود البرية والبحرية، ومنذ ذلك الحين انتهجت نيروبي سياسات معادية لمقديشو.

ويقول شافعي معلم، الأكاديمي الصومالي في العلوم السياسية، إن من هذه السياسات استخدام ورقة اللاجئين الصوماليين في مخيمات داداب في كينيا، وتدخل عسكري كيني في الأراضي الصومالية في عام 2011، بذريعة محاربة الإرهاب، لفرض سياسة الأمر الواقع على مقديشو، وتنفيذ مذكرة ترسيم الحدود التي تصب في صالحها.

وتزايدت ضغوط كينيا على أكثر من جبهة، وطرحها على شركات أجنبية عام 2012 ثمانية قطاعات بحرية للتنقيب عن النفط دفع الصومال إلى إحالة ملف النزاع إلى محكمة العدل الدولية، وهو ما اعتبرته نيروبي انتهاكا لسيادتها وردت بخطوات تصعيدية.

وتبادل الجانبان خطوات تصعيدية بلغت سحب السفيرين، بذريعة التشاور، ردا على ما يقول كل منهما إنه تجاوزات في مناطق بحرية ارتكبها الطرف الآخر. ورغم أن الصومال لديه حجج قانونية في قضية النزاع الحدودي، إلا أن كينيا تُصعد وتهدئ، مرة تلو الأخرى، بانتظار مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة في الصومال.

ويظل النزاع الحدودي، وفق مقديشو، مفتوحا في أروقة محكمة العدل الدولية، بسبب مراوغات كينيا وتأجيل الدعوى أكثر من مرة، بجانب قيود وباء كورونا. وتمتد جذور الأزمة بين البلدين إلى ما قبل الحكومة الصومالية الراهنة، إلا أن عودتها إلى الواجهة بوتيرة أشد ترجع إلى اعتقاد مقديشو بوجود بصمات كينية على الخلافات الراهنة بشأن الانتخابات المقبلة.

ويعتقد أحمد محمود، الأكاديمي في مجال الإعلام، أنه رغم توسع نطاق مبررات الحكومة الصومالية الحالية حول اختيار مسار التصعيد السياسي ضد كينيا، إلا أن قراراتها تشي بتعمد اتخاذ تلك الخطوة، بالرغم من توفر بدائل كثيرة للضغط على جارتها.

ورأى أن تأثير نيروبي في مجريات الانتخابات الحالية بدا واضحا حين تنصل أحمد مدوبي، رئيس ولاية جوبالاند الحدودية، من مخرجات المؤتمر التشاوري بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية حول الانتخابات، في سبتمبر الماضي، بعد عودته من نيروبي.

وتسعى كتلة تضم 15 مرشحا محتملا لانتخابات الرئاسة المقبلة إلى الضغط على الحكومة للتراجع والبحث عن قرارات أخف وطأة من القطيعة، التي قد تربك أركان العلاقات القديمة بين البلدين. ولا يتوقف الأمر على الداخل الصومالي، فخلال قمة الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرقي أفريقيا (إيغاد)، اتفق الصومال وكينيا، في جيبوتي الأحد الماضي، على التهدئة ومحاولة حل نزاعهما داخل إيغاد.

وذهب محمد ابتدون، المحلل بمركز مقديشو للدراسات، إلى القول إن قرار الصومال قطع العلاقات مع كينيا ربما لن يصمد طويلا، وقد يتغير لأسباب منها المعارضة السياسية في الداخل، حيث تعتبر أن موقف الحكومة لا يخدم مصلحة البلاد.

ورجح ابتدون ألا تتأثر العلاقات بين البلدين بالتوتر القائم حاليا، فحكومة نيروبي وأغلبية المعارضة السياسية الصومالية تريان أن قطع العلاقات هو قرار متسرع وغير دبلوماسي تم اتخاذه لاعتبارات خاصة بالإدارة الحالية في مقديشو لتحقيق أجندتها الانتخابية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق