أسباب خفض العلاقات الدبلوماسية مع كينيا ودلالة التوقيت
الصومال اليوم – مقديشو
أعلنت الحكومة الصومالية في الـ 29/ نوفمبر/2020م، خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع دولة كينيا إحدى دول الجوار الصومالي، وذلك عندما قامت باستدعاء سفيرها لدى كينيا، ومطالبة السفير الكيني لديها بمغادرة الصومال لإجراء مشاورات مع حكومته الكينية.
وفي كلمة متلفزة له، بُثّت على شاشة التلفزيون الوطني الصومالي ذكر محمد علي نور السكرتير الدائم في الخارجية الصومالية، أن القرار جاء كنتيجة طبيعية لممارسات كينية خاطئة نالت من سيادة الصومال على أراضيه والاستقلال بقراراته الداخلية والمصيرية.
وأشار السكرتير في كلمته إلى أن كينيا اعتادت التدخل في الشأن الداخلي الصومالي، لا سيما، فيما يتعلّق بإدارة جوبالاند التي تتعرض لضغوط كينية تطالبها بنقض الاتفاقية الأخيرة بين الولايات الإقليمية والحكومة الفيدرالية حول الانتخابات، لعرقلة بناء مؤسسات الدولة الصومالية.
وفي مؤتمر صحفي عقده عثمان أبوبكر دوبي وزير الإعلام الصومالي يوم الأربعاء 2/ديسمبر/2020م، بمقديشو، توسع فيه الحديث بإسهاب عن الأسباب التي بأدت الصومال إلى اتخاذ قرار خفض علاقاته الدبلوماسية مع كينيا.
وقال السيد دوبي أثناء مؤتمره الصحفي: “إن نيروبي عاصمة كينيا تحوّلت إلى قاعدة للهجوم على الصومال … وأنها تتعامل مع الصومال كما كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تفعل عندما كانت تمسك بزمام الأمور في إثيوبيا”، موجها إليها –أي كينيا- عدّة اتهامات خطيرة أبرزها:
1.اهتمام كينيا وعزمها على تقويض وتخريب المصالح الصومالية وذلك باستضافتها على أراضيها لمجموعات وشخصيات معارضة للحكومة الصومالية.
2.سحب قواتها المنضوية تحت لواء الأميصوم من مواقع استراتيجية في غيذو دون التنسيق مع الجهات المعنية كالحكومة الفيدرالية وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
3.الضغط على قادة ولاية جوبالاند الصومالية بقبول سياسات كينية مهدّدة لمصالح البلاد ووحدتها.
4.المعاملة القاسية مع المسافرين الصوماليين إلى كينيا، وفرضها عليهم إجراءات سفر مشدّدة لإذلالهم بحجة الحفاظ على أمن كينيا وسلامة مواطنيها.
5.استهداف وتدمير أبراج شركات الاتصال الصومالية لشل حركة التجارة والاقتصاد في الصومال.
بالمقابل ذكر السيد الوزير، أن الصومال كانت تتعامل مع كينيا بعلاقات حسن الجوار واحترام سيادتها على أراضيها، وفتح قنوات التعاون والتواصل معها من فتح لمجالها الجوي للطائرات المتجهة إلى كينيا، واستقبال الأسواق الصومالية للمنتجات الكينية الزراعية منها والصناعية، غير أنّ كينيا أصرّت على مواصلة انتهاكاتها المستمرة للسيادة الصومالية، مما كان لا بدّ منه أخيرا من اتخاذ قرار كهذا.
أما كينيا فقد كان القرار بالنسبة لها مفاجئا ومؤسفا، حيث أعربت الخارجية الكينية في بيان صحفي أصدرته عقب هذا القرار عن مدى أسفها قائلة: “إن كينيا مؤسفة للغاية من تصرفات الحكومة الصومالية إزاء إعادة السفير الكيني لوكاسا تامبو وإرساله إلى بلاده، مؤكدة في الوقت ذاته سعيها نحو تسوية الخلاف مع الجارة الصومالية بطرق دبلوماسية“.
وقد اختلفت ردود أفعال الشارع الصومال حول القرار، فبينما يرى مناصرو الحكومة الفيدرالية وأتباعها بأن القرار يأتي في إطار جهود الحكومة الصومالية في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلاليتها، يرى منتقدو الحكومة الفيدرالية بأن القرار لا يعدو كونه دعاية سياسية وجزءا من الحملة الانتخابية لقيادة الحكومة الفيدرالية التي تريد أن تظهر نفسها وكأنها حارسة للسيادة الصومالية وراعية للمصالح الوطنية الكبرى.
ففي بيان صحفي أصدره مجلس اتّحاد المرشحين للسباق الرئاسي في 2021م، في الـ 1/ديسمبر/2020م أعرب عن قلقه المتزايد حيال قرار الحكومة الفيدرالية حول استدعاء سفيرها لدى كينيا ومطالبة السفير الكيني في مقديشو بمغادرة البلاد.
وعبّر المجلس عن قلقه إزاء التأثيرات السلبية التي قد يتركها هذا القرار على المواطنين الصوماليين المقيمين في كينيا من رجال أعمال وطلبة علم ولاجئين فرّوا من جحيم الأوضاع المأساوية في الصومال!.
وحذّر المجلس في بيانه الرّئيس فرماجو من استخدام السياسة الخارجية الصومالية كورقة رابحة له في حملته الانتخابية، لما لها من نتائج كارثية قد تسبب في خلق علاقات قائمة على العداء والكراهية بين الدولتين.
وأشار البيان إلى أن الرئيس فرماجو نفسه اختار نيروبي في 2016م مقرّا لحملته الانتخابية حاملا شعار معاداة إثيوبيا ومحاباة كينيا، إلاّ أنه يبدو أن الأمر قد انعكس عليه الآن، فأصبحت إثيوبيا مقرّبة منه وكينيا تمثل عدو الصومال!
ولكي يعيش الصومال مع جيرانه وأصدقائه من الدول الخارجية بعلاقات طيبة يدعو المجلس إلى إقامة العلاقات مع الدول على أساس المصالح الوطنية، وليس على الرغبات الشخصية وتقلبات الظروف السياسية للسلطة الحاكمة.
إنّ توقيت اتخاذ القرار وتزامنه مع مرحلة زمنية حساسة تمر بها البلاد، حيث إن القرار جاء قبل يوم واحد من موعد بدء عملية انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي وفقا للجدول الزمني للانتخابات رغم تأخرها عنه، كما جاء أيضا بعد أيام قليلة من رفض أحمد مذوبي رئيس جوبالاند لتشكيل اللجنة الانتخابية على المستوى الإقليمي، واشتراطه سحب القوات الحكومية من محافظة غيذو التابعة لجوبالاند، وتقديم ذلك على تشكيل هذه اللجنة، يدلّ كلّ هذا على أن القرار رغم ما قدّمت الحكومة الفيدرالية من مسبباته لا يخلو – عند بعض المتابعين- كونه أحد نتائج الخلافات السياسية حول الانتخابات، خاصة أنه جاء بعد أيام قليلة من اختتام المؤتمر التشاوري لمجلس اتّحاد المرشحين الّذين جاء معظمهم من نيروبي قبل يوم واحد من انطلاق فعاليات مؤتمرهم التشاوري في مقديشو، وهذا ما يدعو بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن الحكومة الفيدرالية تسعى من وراء هذا القرار إلى قطع العلاقات بين الحكومة الكينية والقوى السياسية الصومالية المعارضة – على الأقل- في الموسم الانتخابي الحالي.