“براوى” مدينة صومالية تنفض الغبار عن مفاتنها الساحرة
المبادرات الشبابية لها دور أساسي في الكشف عن مواطن أوجاع المدينة ومشاكلها وتطوير سائر المدن الصومالية "مدينة دمرها التطرف"
مقديشو – الصومال اليوم
نفضت مدينة “براوى” العتيقة في الصومال غبار دمارها لتكشف عن سحر جمالها الممزوج بالعراقة التاريخية التي توارثتها عبر عدة إمبراطوريات صومالية وعربية.
هي مدينة ساحلية على خليج عدن، وهي مرفأ مهم لتصدير الصمغ العربي والجلود والماشية إلى عدد من بلدان العالم.. ومؤخرا انطلقت مبادرة شبابية لاقت دعما حكوميا وشعبيا لتطوير المدينة العتيقة وإظهار جوانبها السياحية حيث الجبال الشاهقة والسواحل الخلابة والأراضي الزراعية الوفيرة، ضمن مشروع شبابي لإحياء الأماكن والمدن التاريخية في الصومال.
وقد نالت مدينة براوى نصيبها من دمار البنى التحتية والمرافق الرئيسية منذ سقوط الحكومة المركزية في عام 1991، ووقوعها في قبضة حركة “الشباب” الانفصالية المسلحة قبل تحريرها في عام 2014.
وعقد منتدى تطوير مدينة براوى خلال الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر الماضي، ومن المقرر أن تشمل المبادرة الشبابية تطوير سائر المدن الصومالية، وفق القائمين عليها.
يقول عبدالمجيد عمر، رئيس منتدى الشباب لتطوير المدينة، إن المبادرة الشبابية تستهدف تطوير وإحياء المدينة عبر تشجيع الاستثمار السياحي وتوفير فرص العمل لسكانها عقب سنوات طويلة من الإهمال والدمار.
ويضيف “خلال منتدى استمر 3 أيام طرح المشاركون أفكارا ورؤى تساهم في تطوير القطاع التعليمي والصحي في المدينة، لبناء جسر تواصل بينها وبين المدن الصومالية الأخرى”.
بدوره يقول علي سعيد فقي، رئيس برلمان ولاية جنوب غرب الصومال، إن تلك المبادرات الشبابية لها دور أساسي في الكشف عن مواطن أوجاع المدينة ومشاكلها، كما تلفت إليها أنظار المستثمرين أيضا، لاسيما من عشاق التاريخ والآثار القديمة.
مدينة براوى العتيقة تحتاج إلى حماية وترميم دون المساس بالقيمة التراثية للآثار التي تميزها عن سائر المدن الصومالية الأخرى
ولم تسترد براوى عافيتها في مختلف القطاعات رغم استتباب الأوضاع الأمنية فيها نسبيا بعد تحريرها من مسلحي حركة “الشباب” الانفصالية، إذ نحتت الصراعات آثارها على جدران شوارع وطرقات المدينة.
وتزخر مدينة براوى بمعالم أثرية مميزة من حيث الشكل والبناء نظرًا لتنوع الحضارات والإمبراطوريات التي حكمتها، وهو ما يميزها عن سائر المدن الصومالية الأخرى.
ومن أبرز معالم براوى الأثرية قصر سيد برغش، وهو الابن السابع للسلطان سعيد بن سلطان وحاكم زنجبار وسواحل الصومال في القرن الثامن عشر، ورغم أن القصر آيل إلى السقوط إلا أنه ما زال يحتفظ بجزء من تاريخ سلطنة عمان التي حكمت سواحل شرق أفريقيا. يقول سيد أحمد محمد، أحد أعيان مدينة براوى، إن “براوى عاصرت حضارات مختلفة لترث إرثا تاريخيا ثقيلا يحتاج إلى حماية وترميم دون المساس بالقيمة التراثية للآثار القديمة في المدينة الساحلية”.
كما تضم أيضا برج جيلاني الذي شيده الإيطاليون قبل نحو 360 عاما، وبحسب الروايات المتداولة كان يستخدمه الإيطاليون للتحكم في السفن التجارية التي تنتقل عبر الموانئ الصومالية إلى خليج عدن.
إلى جانب الآثار تزخر مدينة براوى بالمعالم الدينية، إذ تتزين بمآذن المساجد البالغ عددها حوالي 80 مسجدا والتي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 3000 عام.
ففي حي دراولي القديم تتجلى العمارة العثمانية في معالمه وملامحه العتيقة، إذ تتحدث أزقّة الحي ونوافذه وأبوابه عن نفسها، فيما تسرد القباب والمآذن بأقواسها الهندسية الجميلة حكاية عثمانيين مرّوا تاركين إرثًا يغوص في أعماق التاريخ.
لبراوى دور مهم في اقتصاد “أرض الصومال” ويُصدِّر ميناؤها الصمغ العربي والجلود والماشية لجميع أنحاء العالم، وبذلك تُعد الميناء التجاري الأول في المنطقة، وتستخدم إثيوبيا وفق اتفاق مع حكومة أرض الصومال ميناء براوى في حركتها التجارية مستفيدة من قرب المدينة من باب المندب.
وحتى عام 1990 كانت شبكة الطرق تمتد من ميناء براوى شمالًا مرورًا بالعاصمة مقديشو إلى ميناء كيسمايو على مسافة تقدر بـ21 ألف كيلومتر، 2600 كيلومتر منها معبدة، إلا أن هذه الشبكة تعرضت للإتلاف بسبب الحرب وعدم الصيانة.
وبتنظيم جولة سياحية، لفتت المبادرة الشبابية أنظار المشاركين إلى عشرات المناطق الأثرية المنتشرة في المدينة، لكشف مواطن القوة والجمال والسحر التاريخي في المدينة الساحلية العتيقة.
ويقول ياسر بافو، مستشار وزارة الإعلام والسياحة، إن مدينة براوى تستحق الاكتشاف والتمعن في معالمها السياحية والتاريخية، فهي إرث حضاري لجميع الأجيال.
وتابع أن “براوى تتميز بالطقس الرائع والهدوء والمباني التاريخية ذات التصميمات المعمارية العربية، ما يؤهلها لأن تكون واجهة سياحية للكبار والصغار طوال العام”، فيما يؤكد محمد فقي، أحد زوار مدينة براوى ، أنها “تحوي سحر الطبيعة وعبق التاريخ، ما يجعلها موقعا مريحا بعيدا عن الصخب ومكانا مناسبا للصوماليين لمحو الذكريات المؤلمة الناتجة عن الصراعات القبلية الممتدة عبر عقود”.
تزخر المدينة بالتنوع العرقي، حيث تنتمي إليها بجانب القبائل الصومالية أقلية عربية وأخرى معروفة برير براوى والتي يقال إنها ذات أصول برتغالية. تمتاز هذه الأقلية بلهجتها الخاصة الشهيرة بلهجة رير براوى، كما أن لبعض القبائل القاطنة هناك لهجاتها الخاصّة كلهجة قبيلة تُنِّي.
تنوعها الثقافي جعلها تشتهر بالمأكولات والحلويات الشهية والمعروفة باسم “المأكولات البراوية” والتي تمنحها تميزا خاصا عن غيرها من المدن الصومالية.