روسيا توسع نفوذها في القرن الأفريقي من بوابة السودان
تتطلع روسيا إلى التحول إلى لاعب رئيسي في معادلات الصراع في منطقة القرن الأفريقي من بوابة السودان، معتمدة على إرث سياسي وتاريخي في المنطقة لكنها تواجه عقبة استراتيجية تتمثل في نفوذ لاعبين كبار في مقدمتهم الولايات المتحدة والصين وأيضا تركيا وفرنسا، بالإضافة إلى انتشار استراتيجي في جنوب الجزيرة العربية.
زتطمح روسيا للعودة مرة أخرى إلى منطقة نفوذ قديمة تركها الاتحاد السوفييتي بعد انهياره في مطلع تسعينات القرن الماضي، من خلال إنشاء شبكة قواعد بحرية تخلق تواجدا روسيا بين منطقتي القرن الأفريقي ومنطقة خليج عدن.
وتزايدت المؤشرات على عزم روسيا دخول السباق العالمي إلى أفريقيا بهدف اللحاق بركب القوى الكبرى الناشطة هناك في ظل تأكيد الخبراء على أن أفريقيا أصبحت قبلة لأولئك الذين يسعون إلى تعزيز نفوذهم العسكري في المنطقة، مع تقديم الدعم المالي إن تطلب الأمر لكسب علاقات مستمرة.
وبعد أن تسلّمت قوات البحرية السودانية سفينة حربية هدية من روسيا، مطلع أكتوبر الماضي، ذكرت وكالة تاس للأنباء الاثنين أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزارة الدفاع بالتوصل إلى اتفاق مع السودان لإقامة منشأة بحرية روسية فيه، حيث تعتزم موسكو إنشاء مركز لوجيستي لقواتها البحرية في السودان ليستوعب ما يصل إلى 300 من الجنود والموظفين.
ويقول المحللون إن روسيا تبدأ أعمالها في هذا الإطار من خلال تعزيز تواجدها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ويأتي اختيارها للسودان للأهمية الجيوسياسية، إلى جانب أسباب أخرى كثيرة، بالنظر إلى انتشار قوى أخرى في دول المنطقة.
وستعزز روسيا بهذه القاعدة البحرية تواجدها في المنطقة كإحدى البلدان السبع التي لها قواعد عسكرية في القارة السمراء وبالتحديد في القرن الأفريقي بعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان والصين وتركيا.
ورغم المساعي الروسية الحثيثة باتجاه عقد روابط أكثر انفتاحا وقوة مع دول أفريقيا، وخاصة دول القرن الأفريقي، إلا أن خبراء يشككون في فرص نجاح موسكو في ذلك لأن طريقها لمنافسة الصين أو الغربيين طويل.
ولن تكون هذه القاعدة الأولى للروس، فقد دأبوا خلال السنوات القليلة الماضية على تكريس انتشارهم في أفريقيا وذلك في اتساق مع تواجدهم في الشرق الأوسط وتحديدا في سوريا، ولكن يبدو أن تعاونهم مع السودان سيعود لكلا الطرفين بمنافع كثيرة.
وتسعى الخرطوم منذ فترة إلى عقد علاقات دبلوماسية وسياسية وعسكرية مع العديد من القوى الفاعلة على الساحة الدولية من خلال مبدأ تنويع الشركاء، حيث أنها تنتظر قطف ثمار شطبها من القائمة الأميركية للإرهاب بشكل جدي عندما يتولى الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه في يناير المقبل.
ولكن التقارب السوداني-الروسي قد يثير حفيظة الإدارة الأميركية الجديدة التي ترى في موسكو تهديدا لتواجدها في مناطق النفوذ وخاصة في أفريقيا، كما أنه قد يحرك مواقف فرنسية ترفض مثل هذا التوسع رغم العلاقات الودية التي تحتفظ بها باريس مع موسكو على عكس ما هي عليه بين واشنطن وموسكو.
وكان السودان قد أبرم في ديسمبر 2017 مجموعة من الاتفاقيات مع روسيا في المجال النووي، في خطوة تأتي بعد أسابيع قليلة من إلغاء الحظر الاقتصادي الأميركي على الخرطوم. وأعلنت المؤسسة الروسية العامة للطاقة الذرية روساتوم حينها أنها وقعت اتفاقا لبناء محطة نووية في السودان.
ويبدو أن مقترح بناء القاعدة اللوجستية الروسية الجديدة في السودان كان ضمن المشاورات بين رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان والرئيس بوتين خلال لقائهما على هامش منتدى “روسيا-أفريقيا” الذي احتضنته مدينة سوتشي في أكتوبر العام الماضي.
وفي أبريل 2018، أبرمت روسيا اتفاقا مع حكومة أرض الصومال غير المعترف بها دوليا لإنشاء قاعدة عسكرية روسية في ميناء زيلا الواقع بالقرب من الحدود مع جيبوتي المجاورة، التي تحتضن قواعد عسكرية أميركية وصينية وغربية عدة.
وستضم القاعدة الروسية في أرض الصومال 1500 جندي روسي، ضمن اتفاق يشمل قيام الجيش الروسي بتدريب قوات أرض الصومال حديثة العهد بالتشكيلات المسلحة المحترفة واشترطت السلطات المحلية في أرض الصومال حينها اعتراف موسكو بها كدولة مستقلة، مقابل الموافقة على السماح لها ببناء قاعدة على أراضيها.
كما توصلت الكرملين في سبتمبر من نفس ذلك العام، إلى اتفاق مع إريتريا لإنشاء مركز دعم لوجيستي وعسكري. وتحاول القيادة الروسية ربط هذه المنشآت الجديدة لبناء شبكة نفوذ على البحر الأحمر.
ويقول محللون سياسيون إن هذا الأمر يؤشّر على مرحلة جديدة تتسم باحتدام المنافسة بين القوى الناشطة في أفريقيا، مع انضمام موسكو إلى السباق. ولدى البعض قناعة بأن الخطوة تشكل نقطة تدارك بالنسبة لروسيا، التي تمر بمرحلة تذبذب بسبب مجموعة من العوامل، في مجال التعاون متعدد الجوانب مع دول القارة.
وخلال حقبة الاتحاد السوفييتي، كان السياسيون الروس ينظرون إلى دولة اليمن الجنوبي كحليف استراتيجي في جامعة الدول العربية، كما امتلكت موسكو قواعد عسكرية ومنشآت بحثية في كل من مدينة عدن وجزيرة سقطرى اليمنية. واليوم يطمح بوتين لاستعادة الإرث السوفييتي في المنطقة.
لكن المعادلة الجيوسياسية تغيرت بشكل حاسم، منذ استيلاء ميليشيا الحوثيين على مدينة عدن، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي عام 2015 ومنذ ذلك الحين شكلت الإمارات والسعودية اللاعبين المؤثرين الوحيدين، اللذين بمقدورهما التحكم في معادلة القوة في محافظات اليمن الجنوبية.