هل تحقق العملية العسكرية ضد حركة “الشباب” في الصومال أهدافها؟
تُواجه الحكومة الصومالية تحدي القضاء على حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية وتحرير المناطق التي تخضع لسيطرتها. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في 18 أغسطس الجاري، عن عملية عسكرية جديدة للقضاء على حركة “الشباب” خلال الأشهر الخمسة المقبلة.
ويبدو أن الحكومة أمامها العديد من الفرص التي يمكن اغتنامها حتى تحقق العملية العسكرية أهدافها، ولا سيما مع تطور قدرات الجيش والقوات الخاصة في مكافحة الإرهاب، والتحالف بين قوات الجيش والمليشيات العشائرية، وانقسامات الحركة وتعرضها لعمليات اختراق في صفوفها، والحملة الإعلامية ضدها، والدعم الإقليمي والدولي للعملية العسكرية الجديد، دون أن ينفي ذلك أن ثمة تحديات قد لا تكون هينة ترتبط بقدرة الحركة على استيعاب الضربات السابقة، واستمرار الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات.
مرحلة جديدة:
أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في 18 أغسطس الجاري، إطلاق المرحلة الثانية من الحملة العسكرية ضد حركة “الشباب”، من بلدة طوس مريب وسط البلاد، وهي موقع يتجمع فيه آلاف الجنود قبل نشرهم على جبهات القتال، حيث بدأت المرحلة الأولى في أغسطس من العام الماضي، بمساندة الجيش لجماعات مسلحة من العشائر في وسط البلاد، وركزت على طرد الحركة من هيرشابيل ثم توسعت إلى ولاية غالمودوغ.
ويبدو أنه بعد توسيع العملية العسكرية ضد حركة “الشباب” إلى ولاية غالمودوغ في أوائل عام 2023، لم تعد ولاية هيرشابيل هدفاً رئيسياً لهجمات الحركة، وقد أجبرت نقاط الضعف قوات الأمن الصومالية على الاستمرار في التركيز على منطقتي شبيلي الوسطى وهيران في المرحلة الثانية من الهجوم بدلاً من التوسع في ولايتي جوبالاند والجنوب الغربي وذلك خلال الفترة من 18 مارس إلى 14 أبريل الماضي.
وتستهدف المرحلة الثانية جنوب الصومال، وهي تعد المعقل التقليدي للحركة، حيث أكد الرئيس شيخ محمود في لقاء في طوس مريب على أن البلاد تريد القضاء على الحركة خلال الأشهر الخمسة القبلة. وتُشير التقارير إلى أن المرحلة الجديدة تهدف إلى طرد الحركة من الأجزاء المتبقية من البلاد، والتوسع في المناطق الجنوبية والجنوب الغربي وجوبالاند.
فرص متعددة:
يبدو أن أمام الحكومة الصومالية فرصاً متعددة للقضاء على الحركة، يتمثل أهمها في:
1- تطور قدرات الجيش في مكافحة الإرهاب: استفادت قوات الجيش الصومالي بشكل كبير من التدريب العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لوحدات الكوماندوز الخاصة، والتي تقود العمليات الحالية للجيش الصومالي ضد حركة “الشباب” بالتعاون مع قوات العشائر المتحالفة معها.
2- التحالف بين قوات الجيش والعشائر: توصّلت الحكومة إلى اتفاقات مع العشائر حول التعامل مع الحركة، واستغلت الأولى تصاعد الانتفاضات العشائرية ضد الأخيرة في هيران بولاية هيرشابيل بسبب ممارساتها، وتلقت المليشيات المحلية دعماً عسكرياً من الحكومة. ويُشير هذا إلى أنّ العديد من القوى المعارضة للتنظيم الإرهابي قد نسّقت أهدافها وجهودها، وانتقلت الجهود العسكرية المشتركة إلى المزيد من المناطق في ولايات غالمودوغ وجنوب غرب وجوبالاند.
لذلك، يرى مراقبون أن التعاون بين القوات الصومالية والعشائر قد أسفر عن دفع الحركة إلى التراجع، أو على الأقل إجبارها على الانسحاب التكتيكي. وقد لعبت المليشيات العشائرية دوراً حيوياً في العملية العسكرية ودعم ما يقرب من 60% من الضربات العسكرية، حيث استعادت القوات الحكومية مساحات واسعة من الأراضي من “الشباب”، وسيطرت على أكثر من 215 موقعاً كانت في السابق تحت هيمنة الحركة، معظمها في ولايتي هيرشابيل وغالمودوغ.
3- انقسامات الحركة وتعرضها للاختراق: كشفت العديد من التقارير أن الحركة تواجه عمليات اختراق وتجسس، وأشارت إلى أنه في 17 يونيو الماضي أعدمت الحركة خمسة أشخاص في مديرية تييغلو بمحافظة بكول جنوب البلاد. وقالت مواقع إخبارية تابعة للحركة، إنها اتهمت العناصر الذين أعدمتهم بالعمل لصالح المخابرات الصومالية والأمريكية والإثيوبية لفترة طويلة، مشيرة إلى أن هؤلاء كانوا أعضاء في صفوفها لفترات طويلة.
وتنفذ الحركة إعدامات جماعية في كل فترة، إلا أن الوضع يختلف حالياً، فالذين أُدينوا بالتجسس كانوا أعضاء في الجماعة الإرهابية. لذلك، يرى خبراء أمنيون أن ثمة شكوكاً في قدرة الحركة على الصمود في ظل المحاولات المستمرة لاختراق صفوفها.
4- الحملة الإعلامية المستمرة ضد “الشباب”: تواجه الحركة حملة إعلامية للرد على دعايتها، ولا سيما بعد انشقاق مختار روبو “أبو منصور”، العضو المؤسس للحركة والذي انشق في أغسطس 2017، وهو الآن وزير الشئون الدينية في الحكومة الصومالية، كما شرعت الدولة في التحرك على أكثر من مستوى لإضعاف الحركة. ويجري مختار روبو محادثات مع علماء وسلطات دينية حول كيفية مواجهة أيديولوجيا “الشباب” المتطرفة، وتقول الحكومة أيضاً إنها جمدت 250 حساباً مصرفياً.
5- الدعم الإقليمي والدولي للعملية العسكرية: تراهن الحكومة خلال المرحلة الثانية على مزيد من الدعم العسكري واللوجيستي من دول الجوار. وقد كشفت تقارير عديدة أن جيبوتي وإثيوبيا وكينيا قد وعدت بإرسال أكثر من 30 ألف جندي لدعم العملية العسكرية الصومالية خلال الأشهر المقبلة. كما تراهن الحكومة على دعم شركاء آخرين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا للعملية العسكرية من خلال توفير الدعم الجوي والمعدات العسكرية. وأعرب شركاء دوليون آخرون عن دعمهم واستعدادهم للمساعدة في تحقيق الاستقرار للمناطق المحررة مؤخراً.
تحديات مختلفة:
رغم ذلك، تواجه العملية العسكرية للقضاء على الحركة العديد من التحديات، التي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- الجذور العميقة للحركة واستقطاب العشائر: تواصلحركة “الشباب” إجراءاتها لإنهاء التحالف بين القوات الحكومية وعشيرة الهاوادل في المرحلة الثانية من العملية العسكرية، فهناك أربع عشائر رئيسية في الصومال: هوية، ودارود، ودير، وراحانوين، ولكل منها عدة عشائر فرعية، وهذه الأقسام الفرعية بعضها يدعم حركة “الشباب”، والبعض الآخر يدعم العملية العسكرية ضد الأخيرة، وبما أن الحركة تسيطر على عدة قرى نائية في هيران ومناطق أخرى، فإن بعض العشائر الفرعية تعتبر أنه من الضروري التوصل إلى اتفاق معها من أجل سلامتهم.
فعلى سبيل المثال، أعلنت حركة “الشباب”، في 5 أبريل الماضي، أنها وقعت اتفاقاً مع عشيرة هوادل نص على أن العشيرة الفرعية لن تشارك في العملية العسكرية الجارية في منطقة هيران. وبحسب ما ورد تم توقيع اتفاقيات مماثلة بين حركة “الشباب” وما لا يقل عن سبعة أقسام فرعية أخرى من عشيرة هوادل هذا العام. كما توصلت الحركة إلى اتفاق مماثل مع شيوخ من عشيرة هابر جدير صليبان في بلدة زارا رديري بمنطقة مدج في ديسمبر 2022.
2- القدرات المحدودة للقوات الحكومية: والتي تضعف من قدرتها علىالسيطرة على المناطق المحررة، حيث تستغل حركة “الشباب” بدورها هذا الضعف للاحتفاظ بقواعد وشن هجمات معقدة ضد القوات الحكومية. لذلك، يشكك مراقبون في إنجاز المرحلة الأولى من العملية العسكرية أهدافها، وذلك لأن المكاسب التي تحققت في المرحلة الأولى لم يتم تعزيزها، كما أن التحدي يتمثل في قدرة الدولة على إنشاء هياكل حكم لتحل محل هياكل الحركة الحالية والحفاظ على الاستقرار في المناطق المحررة.
فقد نجحت القوات الحكومية والمليشيات المحلية في استعادة السيطرة على مناطق من الحركة، بما في ذلك الموانئ التي تشكل مصادر دخل وأسلحة للحركة. وتحتاج هذه المناطق المحررة إلى قدرة الدولة على الحكم واستبدال هياكل إدارة “الشباب” بهياكل ومؤسسات حكومية، وهو أمر حاسم في تحويل النجاحات العسكرية للعملية إلى حلول سياسية دائمة.
3- مرونة الحركة وقدرتها على العودة: حرصت الحركة على توجيه رسائل تفيد أن لديها القدرة على استيعاب الخسائر الكبيرة في ساحات القتال، والانقسام القيادي والاقتتال الداخلي، والانشقاقات، وأنها تستطيع العودة إلى بعض المناطق الريفية التي سيطرت عليها قوات حكومية خلال المرحلة الأولى، وتكبيد القوات الصومالية خسائر فادحة. وفي هذا السياق، قُتل ما لا يقل عن 54 جندياً من قوات حفظ السلام الأوغندية في هجوم في 3 يونيو الماضي، كما قُتل 30 جندياً صومالياً على الأقل في 24 يوليو الفائت في هجوم انتحاري داخل أكاديمية عسكرية في العاصمة مقديشو.
4- الخلافات السياسية بين الحكومة والولايات: والتي قد تقوض العملية العسكرية، حيث يتوقع أن تشهد الانتخابات القادمة نزاعاً حول العديد من القضايا السياسية العالقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، خاصة أن هناك بالفعل خلافاً حول تعديل الدستور. وعلى سبيل المثال، أدت الخلافات السياسية بين إدارة بونتلاند والحكومة الفيدرالية إلى تعقيد الخطط الخاصة بعملية مكافحة الإرهاب، على نحو بدا جلياً في تغيب رئيس ولاية بونتلاند سعد دني عن اجتماع المجلس الاستشاري الوطني الذي عقدته الحكومة الاتحادية والولايات في مدينة بيدوة، في 17 مارس الماضي، لمناقشة مكافحة حركة “الشباب” وتعزيز التعاون بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات.
اختبار حاسم:
ختاماً، يمكن القول إن العملية العسكرية التي تشنها القوات الحكومية قد تنجح في استعادة حالة الاستقرار السياسي والأمني في العديد من المناطق والمدن الصومالية التي عانت من ممارسات حركة “الشباب” خلال المرحلة الماضية، ولكن ذلك لا ينفي أن القضاء على الحركة بشكل كامل سوف يكون مهمة صعبة، خاصة أن الأخيرة تبدو حريصة بدورها على تعزيز قدرتها على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إليها واحتواء تداعيات الضغوط والضربات العسكرية التي تتعرض لها من جانب القوات الحكومية التي تحظى بدعم إقليمي ودولي مستمر.