افريقيا و العالمالرئيسيةالصومال اليوم

الاتحاد الأوروبي يمول ميليشيات إفريقيا لمنع الهجرة إليه

كنان مالك

ترجمة: حميد ونيس

تلقت الصحفية سالي هايدن التي تعمل في جريدة آيرلندا تايمز رسالة في تشرين الاول 2018 من لاجئ يدعى عبد العزيز يطلب فيها المساعدة منها وأنه مع زملائه يمرون بحالة سيئة جدا، وكان عبد العزيز قد أُجبر على الفرار من موطنه الصومال هربا من تنظيم “حركة الشباب” المرتبطة بالقاعدة والتي تشن هجمات إرهابية في شرق إفريقيا.
وبعد رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحراء، تم حبسه في سجن “طريق السكة” ضمن طرابلس ليبيا، لأن الاتحاد الأوروبي يدفع للميليشيات الليبية ملايين اليوروهات لاحتجاز أي مهاجر من المحتمل ان يعبر إلى أوروبا.
مثل العديد من سجون ليبيا، فإن سجن “طريق السكة” مكان للجوع والمرض والضرب والاغتصاب والتعذيب والموت بأنواعه: جوعا وضربا وإعداما وانتحارا!. وبعد تسعة أشهر من الحبس، شعر عبد العزيز بفقدان الأمل لدرجة أنه أحرق جسمه ببنزين يستخدم لتزويد المولدات بالوقود. وكانت هايدن الصحفية الوحيدة التي أبلغت عن وفاته.
وتضيف الكاتبة: “لا أدري إن كان وزير الهجرة البريطاني روبرت جينريك يعرف شيئا عن عبد العزيز. إذ كان قد زار عددا من دول حوض المتوسط (عدا ليبيا) لإقناع مسؤولي البلدان باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين عبر المتوسط، وللضغط تلك الحكومات “لمنع حركة القوارب” على بعد ألف ميل من المياه البريطانية.
وكان جينريك ضمن السياسيين الاوربيين الذين ظلوا طيلة سنوات يبرمون صفقات قسرية ورجعية وبغيضة لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا. وهذه الصفقات لم تفعل شيئا لتقويض عمل عصابات التهريب، لكنها كانت كارثية على كل من طالبي اللجوء والمهاجرين من شمال وشرق إفريقيا ومنطقة الساحل. وتمثل جثة عبد العزيز المحترقة تذكيرا بالتكلفة البشرية لهذه الصفقات.

مكافحة الهجرة:

يذكر أن الاتحاد الأوروبي صرف مليارات اليورو في محاولة لإقناع الدول غير الأوروبية بالعمل بدور شرطة لمنع الهجرة منذ توقيعه اتفاقية سنة 2010 مع معمر القذافي، وكما جدد الاتفاقيات اللاحقة مع الميليشيات وأمراء الحرب الليبية بعد التدخل الغربي الذي مزق البلاد، مرور باتفاقية الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ لأفريقيا سنة 2015. فيما تسببت الحرب السورية في ارتفاع حاد في أعداد المهاجرين والذعر في العواصم الأوروبية.
ووقعت دول شرق إفريقيا، بضمنها إثيوبيا وإريتريا والسودان وجنوب السودان صفقات ثنائية مع دول مثل تركيا والنيجر لكبح جماح الهجرة الافريقية. وكانت النتيجة نشوء صناعة ضخمة للخطف والاحتجاز تمتد من سواحل المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وصولا إلى سواحل البحر الأحمر.
وأعيد استخدام السجون والمستودعات وحتى حدائق الحيوان لأغراض حبس المهاجرين. أقرت مذكرة داخلية للاتحاد الأوروبي تم تسريبها سنة 2020 بأن القبض على المهاجرين أصبح الآن “نموذجا تجاريا مربحا”. أما ليبيا، فأعادت الميليشيات فيها ومهربو البشر تصنيف أنفسهم على أنهم “حرس سواحل” دربهم ومولهم الاتحاد الأوروبي للقبض على المهاجرين وسط البحر واحتجازهم في ليبيا.
وتحدث تقرير أممي عن سجن طريق السكة ومراكز الاحتجاز الأخرى، وقال: “تُرتكب أعمال القتل والاستعباد والتعذيب والاغتصاب وغيرها من الأعمال اللاإنسانية ضد المهاجرين منذ فترة طويلة”، ويتجاهل زعماء اوروبا هذه الممارسات واختاروا اغماض أعينهم لصالح سياساتهم وواقعيتها، وهم يتظاهرون، كما يفعل السياسيون البريطانيون، بأنهم أخلاقيون يتصدون لشرور مهربي البشر.
ومع هذا فإن الاتحاد الأوروبي، هو من قدم المال لعمر البشير، الزعيم السابق للسودان الذي وجهت إليه محكمة الجنايات الدولية لوائح اتهام بارتكاب جرائم حرب، بسبب “إدارته لشؤون الهجرة” إلى أوروبا.
أما حركة الجنجويد، وهي ميليشيا مارست أعمال الإبادة الجماعية في دارفور، فتطلق الآن على نفسها اسم “قوات الدعم السريع” وهي تطارد المهاجرين لصالح الاتحاد الأوروبي بدلا من قتال المتمردين لصالح نظام البشير.

النيجر كمثال:

كان نهج الاتحاد الأوروبي كارثيا ايضا على الشعوب الأفريقية. إذ أدى تكريس الطابع الخارجي على سياسة الهجرة في أوروبا إلى تفكك الاقتصادات، وكذلك تفتيت المجتمعات، وخلق فرص جديدة لمهربي البشر والميليشيات وتدمير عامل الثقة في السلطات المنتخبة، كما هو حال دولة النيجر الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا ومتاخمة لليبيا. وهي من بين أفقر عشرة دول في العالم، ولهذا تم تحويلها إلى “محطة للهجرة إلى أوروبا”. وهي، من حيث نصيب الفرد، أكبر متلقي لمساعدات الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل تضطر سلطات النيجر إلى تدمير السياسات المحلية بما يتلاءم مع احتياجات الهجرة في الاتحاد الأوروبي، بضمنها اعتماد قانون ضد تهريب المهاجرين لسنة 2015.
تعد الهجرة ملازمة لحياة الساحل الأفريقي قبل وقت طويل من شعور أوروبا بالتهديد منها. جزء كبير من الاقتصاد متجذر في ثقافة الناس.
لم تقف سياسة الاتحاد الأوروبي ضد الهجرة المتجهة إلى أوروبا فحسب، بل دمرت الهجرة الإقليمية وجعلت حرية التنقل أكثر صعوبة داخل النيجر لتدمر بذلك سبل عيش الكثيرين الذين اعتادوا خدمة طرق المهاجرين من دون خلق وسائل جديدة لكسب العيش. ومن المفارقات ايضا أنها ساعدت في إنشاء صناعة جديدة لتهريب البشر.
أدت مطالب الاتحاد الأوروبي أيضا إلى تآكل أكبر ثقة الشعوب المتدنية أصلا في سلطة الدولة، ما دفع الناس للتساؤل عن سبب “عملنا لصالح الاتحاد الأوروبي وليس لصالح من انتخبناهم؟”.
ويتساءل أنجيل لوسادا، الممثل الخاص السابق للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، هل ان الساحل هو “الحدود الأمامية الجديدة لأوروبا”. وهناك مفارقة في أن السياسيين الذين عادة ما يضعون مثل هذا الاهتمام الكبير “للدفاع عن السيادة” و”حماية الحدود” هم أكثر من سعادة لسحق سيادة الدول الفقيرة وتجاهل حدودها عندما تسمح لهم “بإيقاف قوارب الهجرة”.
قال جينريك لصحيفة التايمز قبل فترة أن بريطانيا “تريد نقل المعركة إلى عصابات تهريب البشر في منابعها” لمنع المهاجرين من القيام “برحلات خطيرة وغير ضرورية”. وهذا أمر نزيه اخلاقيا مثل عرض الاتحاد الأوروبي لسياسة الهجرة الخاصة به باعتباره لصالح الدول الأفريقية.
قد يقدم تصريح جينريك صوتا مقبولا أخلاقيا، لكن هدفه الحقيقي هو دفع الدول الأخرى للعمل كشرطة للهجرة البريطانية. ربما تكون بريطانيا قد تركت الاتحاد الأوروبي، لكن عقلية الهجرة إلى أوروبا ما زالت راسخة بقوة في السياسة البريطانية.
*صحيفة الغارديان البريطانية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق