الرئيسيةكتابات راي

هل يستعيد الحوار السياسي رشده في الصومال؟

دخل الحوار السياسي في الصومال، مطلع الشهر الجاري، مراحل متقدمة، إذ أصدر قادة البلاد جدول إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها، فضلاً عن بروتوكولات عمل لاتفاق الانتخابات المبرم منتصف أيلول (سبتمبر) في مقديشو. وتأتي التطورات، حسبما أفادت وكالات أنباء، بعد لقاءات فنية بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، ورؤساء الولايات الإقليمية الخمس، ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي، إلى جانب عمدة مقديشو عمر محمد محمود خلال الأيام الأربعة الماضية.

عيّن الرئيس الصومالي، الشهر الماضي، محمد عبد الله محمد، رئيساً جديداً للوزراء، بعد ساعات من توصله إلى اتفاق مع الزعماء السياسيين الإقليميين على إجراء انتخابات العام المقبل

وتطرقت البروتوكولات المكملة لاتفاق الانتخابات إلى هياكل اللجنتين الانتخابية على المستوى الفيدرالي والإقليمي ولجنة تسوية النزاعات في مسار الانتخابات وتحديد الدوائر الانتخابية في كل ولاية، إضافة للجدول الزمني لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتنص البروتوكولات على أنّ لجنة الانتخابات الفيدرالية ستتكون من 25 عضواً، 13 للحكومة الاتحادية و12 للولايات، وتعين كل جهة من يمثلها.

وشهد الصومال قبل هذا الاتفاق، تنامي عنف حركة الشباب المجاهدين، المصنفة إرهابية، في ظلّ أزمة سياسية تعصف باستقرار البلاد؛ قبل أن يتراجع الرئيس فرماجو عن قراره بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتعديل نظام التصويت إلى الاقتراع المباشر؛ اللذين ترفضهما المعارضة والولايات.

وأدى إصرار الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، فيما قبل، على الانفراد بالقرار السياسي، وتهميش الولايات، ومجلس الشيوخ، والعشائر لزيادة تعقيدات الأزمة الصومالية، ممّا دفع قادة عشائرين إلى التهديد بحمل السلاح ضدّ الحكومة.

 ولم تكن قطر وتركيا غائبتَين عن تعقيد المشهد الصومالي، بدعمهما الكبير لفرماجو، خوفاً من فوز رئيس لا يتماشى مع خططهما للصومال.

وكان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الجاري، على أن تتبعها الانتخابات الرئاسية، في شباط (فبراير) العام المقبل، وفق نظام الاقتراع 4.5؛ الذي بموجبه تُوزَّع المجالس النيابية والمناصب الحكومية والعسكرية، على العشائر الأربع الكبرى، بالتساوي، ويُخصص الباقي للعشائر الصغيرة.

وكان الرئيس فرماجو أقرّ قانون الانتخابات الجديد، في شباط (فبراير) الماضي، الذي أصبح التصويت بموجبه عبر الاقتراع المباشر، وتبعه إعلان فرماجو تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما قوبل بالرفض من المعارضة والولايات.

ورغم أنّ نظام الاقتراع المباشر يمنح أفراد الشعب حقوقاً أوسع بدلاً من قادة العشائر، إلا أنّ السياق الذي صدر فيه القرار بعيداً عن حقوق الشعب، ويوظفه فرماجو للنيل من خصومه.

وحول ذلك؛ يقول المستشار السياسي السابق لرئيس إقليم بونتلاند، عبد الفتاح محمد: “الاقتراع المباشر كان أحد وعود فرماجو الانتخابية، ويريد تحقيق ذلك ليلبّي وعداً انتخابياً، وليمدّد فترته الرئاسية بحجة الاستعداد لإجراء الانتخابات بالنظام الجديد”.

ويضيف عبد الفتاح محمد: “تطبيق الاقتراع المباشر أمر عسير؛ لأنّ معظم جنوب الصومال بيد حركة الشباب المجاهدين، والأمن غير مستتب، ولا إمكانيات مالية أو تقنية لتنفيذ ذلك، والسياسة فنّ الممكن”.

وكان تأجيل الانتخابات، قبل أن يعدل الرئيس عنه، قد ووجه بمعارضة من قبل القوى الصومالية التي عدت التأجيل، آنذاك، مخالفةً صريحة للدستور الاتحادي، وعن ذلك قال الصّحفي السوداني، إبراهيم ناصر، “فرماجو كان يريد كسب الوقت لحين اكتمال تجهيزاته العسكرية لشنّ حملة ضدّ القبائل المعارضة له؛ حيث تتولى تركيا تدريب جزء من قوات موالية له، وكذلك أثيوبيا”.

وعن مبررات فرماجو في تأجيل الانتخابات أبلغ الصحفي ناصر، “حفريات”، قائلاً: “إنها ربما تكون ذريعةً للبقاء في السلطة؛ فهو ينتمي إلى عشيرة مريحان دارود، التي ترى نفسها الأحقّ في حكم البلاد”.

ويحظى فرماجو بدعم قطري وتركي وأثيوبي، نتيجة توافقه مع مصالح الدول الثلاث؛ ففي عهده افتتحت تركيا قاعدتها العسكرية في مقديشو، وتوطّد النفوذ القطري، إلى حدّ تعيين مراسل “الجزيرة” السابق، فهد ياسين، مديراً للمخابرات، ولم يطرح فرماجو قضية احتلال أثيوبيا لأراضٍ صومالية، وانساق وراءها في أزمة سدّ النهضة.

ويقول الباحث في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت، محمد عبد الكريم، إنّ فرماجو يتبنى مواقف سياسية مضطربة من مسائل إقليمية؛ “لعلّ أهمها التراجع عن تأييد موقف مصر في أزمة سدّ النهضة، بل والاعتذار رسمياً لأديس أبابا، بسبب هذه الموقف”.

العشائر والأزمة

وترتبط الأزمة السياسية والأمنية بصراع العشائر على السلطة، وشهد شهر شباط (فبراير) الماضي، عدّة مؤتمرات عشائرية، منها مؤتمر قبيلة الحوادلي، ومؤتمر عشائر المدولود.

وعقدت عشائر المدولود مؤتمراً ثانياً، بمشاركة أوسع لرؤساء قبائل أخرى، ورؤساء سابقين. وخلال كلمته أمام المؤتمر؛ هدّد الرئيس الأسبق، علي مهدي محمد، باللجوء إلى حمل السلاح لمواجهة أيّة محاولة غير شرعية للتشبّث بالسلطة.

وتعليقاً على المؤتمر؛ يقول المستشار السياسي السابق لرئيس إقليم بونت لاند، عبد الفتاح محمد: “الدور العشائري قوي جداً في حكم البلاد، وتتوازى العشيرة والسياسية، وبدأ ذلك منذ إقرار نظام المحاصصة القبلية عام 2004”.

وكان الرئيس الصومالي عيّن، الشهر الماضي، محمد عبد الله محمد، رئيساً جديداً للوزراء، بعد ساعات من توصله إلى اتفاق مع الزعماء السياسيين الإقليميين على إجراء انتخابات العام المقبل.

وأعلن مكتب الرئيس فارماجو، تعيين محمد حسين روبلي، وهو مهندس مدني نال تحصيله العلمي في السويد وليست له خبرة سابقة معروفة بالسياسة، معبراً له عن تمنياته بتولي المهمة والمهام التي تنتظره بعناية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

 وأقرّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيس وخمسة زعماء إقليميين، بالإضافة إلى عمدة مقديشو، أنّ تطبيق نظام رجل واحد، صوت واحد، سيكون مستحيلاً خلال المهلة المحددة قبل انتهاء الولاية البرلمانية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ، وولاية فارماجو في شباط (فبراير) 2021.

في بيان رسمي، أعلن المفاوضون أنّ المندوبين، الذين ينتمون إلى عدد لا يحصى من القبائل والعشائر الفرعية التي يتحدر منها السكان الصوماليون، سينتخبون نواب البرلمان الـ 275، الذين سيختارون بدورهم الرئيس. لم يتم الكشف عن جدول زمني. كما لم يتضح بعد دور لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة، حيث إن لكل من الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية مفوضية خاصة بها للإشراف على الانتخابات. ولم يصادق البرلمان الصومالي على الاتفاق بعد.

وكان منصب رئيس الوزراء شاغراً منذ إعفاء حسن علي خيري في يوليو الماضي، بسبب فشل الحكومة في تنظيم الانتخابات عبر الاقتراع العام والمقررة في فبراير 2021. وكانت الحكومة الفيدرالية في مقديشو، غارقة في مفاوضات مطولة مع الولايات الإقليمية الصومالية بشأن تنظيم هذه الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتعطلت العملية بسبب الخلافات السياسية بين فارماجو وزعماء الأقاليم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق